ويجز يغني حاملاً هاتف سامسونغ... صوت في إعلان

تتميز أغنية الهيب الهوب "نفسك في إيه"، جديد فنان البوب المصري الشاب ويجز بخفّة الدعابة والجاذبية الأخّاذة والجودة الإنتاجية العالية، فقد بلغت حصيلة مشاهدتها إلى اليوم، منذ أن رُفِعت الشهر الماضي على قناة يوتيوب، 65 مليون مشاهدة.

يبقى أن الأغنية ما هي سوى جزء من حملة إعلان تجاري، تروّج لآخر هاتفٍ جوّال صدر عن شركة سامسونغ، من سلسلة غالاكسي. الأمر الذي يطرح تساؤلاً عن الحدود التي تميّز كلاًّ من الفنّي الإنتاجي والترويجي الدعائي، وعما إذا كانت أغنية للإعلان تشكّل فرصة إبداعية للفنان، أم أنها مجرّد فرصة ربح ماديّ تُتيحها الشركات الكبرى، لا سيما عندما تكون الشركة الكبرى مهيمنة لوحدها على 40% من مبيعات الهواتف الذكيّة في المنطقة الناطقة بالعربية، ونسبة 29% من السوق المحلية المصرية، وهذا ما سيدفعها إلى الاستثمار بسخاء في مُنتج موسيقي ترفيهي، يكون بطله نجم راب شاب ذائع الصيت لدى أبناء جيله، في سبيل تمكين علامتها التجارية في الوعي الجمعي.

ثمة من دون شك سوابق تاريخية لظاهرة اجتياز أغنية دعائية نطاق الحملة الإعلانية التي أُنتِجت لأجلها، وصولاً إلى انتشارها، فتحوّلها إلى أغنية جماهيرية. وعليه، تجاوز الغاية التي صُمِّمت لأجلها بالأصل، ألا وهي الترويج لمنتج تجاري.

تتراوح نسبة الأعمال الموسيقية المكتوبة خصّيصاً وكاملةً لإعلان تجاري من 40% إلى 60% من الموسيقى المستخدمة في مجمل الإعلانات المتداولة على وسائل الإعلام المختلفة من راديو وتلفزيون، أو تلك التي باتت تتخلّل المرفوعات على منصّات الفيديو في الإنترنت. 

على الرغم من تميّز بعضٍ منها من ناحية الشكل والجودة الإنتاجية على الأقل، فإنّ المبدعين من ورائها غالباً ما يبقون مجهولين بالنسبة إلى عموم المستمعين أو المستهلكين. من بين الأمثلة الكلاسيكية، أغنية "أود أن أشتري للعالم زجاجة كوكاكولا" (I'D Like to Buy The World A Cock) التي بُثَّت لأول مرة سنة 1971. 

كتبها بيل بيكر الذي أدار قسم الإبداع الفني في وكالة للإعلانات التجارية كانت مسؤولة عن حساب "كوكاكولا" الدعائي. أما من وضع لها الألحان والتوزيع فكان بيلي ديفيز، إذ كان يعمل في وقتها مديراً موسيقياً لحساب شركة المشروب الغازي العملاقة.

قُدّمت الأغنية من على التلفزيون على شكل مقطع فيديو مصّور، تؤديها جوقة كثيرة العدد، اختير أعضاؤها ليمثلوا خليطاً منوّعاً من الشعوب والأعراق، في إشارة إلى سعة الانتشار العالمية التي تحظى بها العلامة التجارية.

وقد حققت نجاحاً جماهيرياً كاسحاً، ما حدا بالشركة إلى إعادة تقديمهاواحدةً من الأغاني الضاربة (Hit)، فأدّتها فرقة موسيقية اسمها The New Seekers، لتبلغ بذلك فئة الأغاني العشر الأكثر استماعاً بحسب قائمة بيلبورد للتصنيف الموسيقي.  

على القائمة نفسها سنة 2008، بلغت أغنية كريس براون المعنونة "إلى الأبد" (Forever) المرتبة الثالثة، وذلك قبل أن تكشف صحيفة ذا وول ستريت جورنال الأميركية أن شركة ريغلي لصناعة العلكة بنكهة النعناع هي من أنتجها، وذلك رغبةً في إنعاش مبيعات بضاعتها في السوق.

تعاقدت مع مغني البوب على استعادة مقطعٍ غنائي ترويجي سبق لها أن أنتجته، ليوضع في قالب عصري راقص، فيوائم الذائقة الجديدة، مُتجاوزاً في طوله مدة خمس دقائق، متحوّلاً بذلك إلى أغنية. في البدء، أُطلقت مفردةً ومصورةً كفيديو كليب، لتُضاف فيما بعد إلى ألبومٍ خاصٍ ببراون، جرت إعادة إصداره بعنوان Exclusive.

مصرياً، ما زال عمرو دياب ينجز أغاني لحساب شركة الاتصالات العالمية فودافون تصدر في شهر رمضان. في سنة 2022، غنّى "ياللي بينّا حياة" من ألحان عزيز الشافعي، الذي لحن له أغنية رمضان 2023 "شكراً من هنا لبكرة". أما "الكلمة الحلوة" الموسم الفائت، فلحّنها مدين. تشترك جميعها بأنها ديابية خالصة، لا تختلف في الشكل، كما لا تحمل مضامينها، ذات الطابع الاجتماعي التفاؤلي، أي إشارات مباشرة إلى الشركة المُعلِنة. 

من جهة التصميم والجودة في الإنتاج والتنفيذ، لا تقلّ أغنية ويجز عن أيّ من الأمثلة السابقة. وعليه، تتميّز بالقدرة، ليس فقط على شدّ انتباه المستمع، وإنما المشاهد أيضاً. قد صوِّر الفيديو كليب الخاص بها لكي يؤدي مهمة الترويج الإعلاني بحذق، فيُشير إلى مميّزات الهاتف الذكّي وتطبيقاته، عن طريق جعلها موتيڤاتٍ للمشاهد المتعددة.

يؤدي ويجز حركات راقصة فيما يحمل جوّاله، مستعيراً بعضاً من الإيماءات المرتبطة بنجوم الراب العالميين مثل دريك، وسنوب دوغ. أما نص الكلمات، فقد حرّض مخيّلة المتابعين لمشهد الهيب الهوب المصري، لشهور عديدة، على التفكير بعيداً في تأوّل الرسائل والردود المخفيّة التي بثّها الفنان في طيّ "باراته"، أي الأبيات، موجهة إلى أقرانه من الرابرز من أمثال مروان موسى وعفروتو.

أتت موسيقى الأغنية مواكبةً آخرَ ما يُنتج لفئة الهيب هوب، فاعتُمد في تسجيل الإيقاع لون الدريل الإلكتروني المُميّز لراب الساحل الشرقي للولايات المتحدة، والذي يوحي بعمق مساحي غائر بينما تبرز على السطح مؤثرات ذات نبرة مرتفعة مركبة بواسطة السينثسايزر. لأجل البار اللاقط للأذن (Hook)، أو الكورس المتكرر على طول الأغنية "عندي من كلَه"، فقد صُمِّمَ بمطّ نهايته إلكترونيّاً مضافّاً إليها صدى ارتدادياً موزوناً.

بما أن غالبية أغاني البوب مُصممة بالأساس بهدف الرواج الجماهيري وتحقيق المبيعات، لكونها صناعةً فنيةً موجهّةً إلى سوق استهلاكية وتخضع لقواعدها، فهي لا تختلف من ناحية الأدوات باختلاف أغراضها، أكان التعبير عن الذات أو الإعلان عن منتج تجاري.

يبقى اختيار ويجز من قبل شركة بقوّة سامسونغ لأجل التعاقد على ترويج منتجاتها لا يشكّل اعترافاً بموهبته وجماهيريته وحسب، وإنما بأهمية الهيب الهوب المصري وتطوره المستمر، وحضوره المؤّثر في الثقافة الجماهيرية المصرية، بين الشباب على وجه الخصوص.