استمع إلى الملخص
- فيلم "ولاد رزق 3" يشير إلى تأثير السوق السعودي على السينما المصرية، بخطط لإنتاج أفلام مصرية-سعودية بميزانيات ضخمة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل السينما.
- التحديات تشمل احتكار السينما، فوضى الأجور، وتحول الإنتاج لخدمة الجمهور السعودي، مما يهدد بتقسيم السينما وغياب الاحترافية، وقد يؤدي إلى انهيار السينما المصرية.
حينما سُئل المخرج داوود عبد السيد عن سبب اعتزاله صناعة الأفلام قبل سنوات، برّر بأن الجمهور الحقيقي من الطبقة الوسطى حُجب عن دور السينما، بسبب إغلاق السينمات في مصر واقتصارها على المولات التجارية، ورفع أسعار التذاكر، ما نتج عنه سينما لتسلية الطبقات الغنية الخالية من الهموم، بحسب وصفه. والآن تدخل السينما المصرية مرحلة جديدة مع أعمال مثل "ولاد رزق 3"، بعدما أصبحت جزءاً من سوق الترفيه السعودي، في وضع جديد قد يحجب قطاعات أخرى من الجمهور عن السينما، التي أصبح هدفها ترفيه الجمهور السعودي.
الضجة الإعلانية الضخمة التي صاحبت طرح فيلم "ولاد رزق 3"، مع إيراداته الكبيرة في أسبوع عيد الأضحى، تفتح النقاشات حول مستقبل صناعة السينما في عصر الترفيه السعودي، خاصة أنه أول فيلم يأتي بدعم مباشر من الهيئة ورئيسها تركي آل الشيخ، وأول إنتاجات صندوق بيغ تايم، المكون من مجموعة من الشركات السعودية وصناديق الاستثمار مع مجموعة من منتجي وموزعي السينما في مصر والسعودية.
يخطّط الصندوق لتنفيذ عشرات الأفلام المصرية-السعودية في الفترة المقبلة بعد "ولاد رزق 3"، بميزانية مبدئية ضخمة تقدر بأربعة مليارات جنيه مصري. المشهد الاستعراضي الذي صاحب عرض فيلم "ولاد رزق 3"، بعمل حملة ترويج ضخمة وعروض خاصة مدجّجة بالنجوم والمشاهير، وحديث رئيس هيئة الترفيه بفخر عن حجم الإنتاج الضخم للفيلم، والذي وصل إلى أكثر من 12 مليون دولار (من دون حساب تكلفة الدعاية) وهي ميزانية غير مسبوقة بالفعل في تاريخ السينما المصرية، وتكفي لإنتاج أربعة أفلام على الأقل من فئة الأفلام المصرية الضخمة، مثل "الفيل الأزرق" أو "ولاد رزق 2".
في الأوضاع الطبيعية، يحتاج فيلم "ولاد رزق 3" إلى تحقيق إيرادات تعادل هذه الميزانية على الأقل، وهي مهمة شبه إعجازية بحسابات السوق لأغنى المنتجين، خاصة بالنظر إلى أن فيلم "بيت الروبي"، أعلى فيلم مصري تحقيقاً للإيرادات في التاريخ، عاد بـ123 مليون جنيه، في حين احتاج فيلم "بحبك" لتامر حسني مليار جنيه ليصبح أعلى فيلم مصري في شباك التذاكر السعودي.
ولكن بالنظر إلى حجم ميزانية "ولاد رزق" الاستثنائية، وحجم الدعاية وإبعاد الأفلام المنافسة عن الموسم، فهو يحتاج إلى تحقيق إيرادات في مستوى فيلم Top Gun: Maverick، الأعلى في تاريخ شباك التذاكر السعودي بما يقارب 22 مليون دولار. هذا رقم ضئيل في النهاية في حال تحقيقه في فيلم "ولاد رزق"، مقارنة بالهدف من إنتاجه لمنافسة الأفلام الأميركية، وبحجم ميزانيته التي تضع المسؤولية عليه لتحقيق ثلاثة أضعافها على الأقل، خاصة أن الجزء الثاني من الفيلم حقّق 100 مليون جنيه في 2019 بميزانية لا تُذكر أمام ميزانية الجزء الثالث، الذي لم يستطع مجاراة فيلم Bad Boys: Ride or Die في شباك التذاكر السعودي، فحتى اليوم العاشر للفيلم، باع 271 ألف تذكرة في المملكة مقابل مليون تذكرة لفيلم ويل سميث في ثلاثة أسابيع.
تنذر هذه الأرقام الإنتاجية الضخمة بفوضى في سوق الإنتاج المصري والسعودي أيضاً في حال الاستمرار في سياسة المبالغة في الميزانيات والدعاية، خاصة أنها لا تتناسب مع حجم السوق، ولا مع طبيعة الأفلام نفسها، إضافة إلى الغموض حول الهدف من هذا السخاء الإنتاجي السعودي. ففي البداية، أعلن رئيس هيئة الترفيه أن الهدف تجاري بحت، وأن تحالف صندوق بيغ تايم يهدف إلى الربح من هذه الأفلام ورفع نسبة الموزعين من الأرباح، وتراجع في افتتاح عرض "ولاد رزق 3"، معلناً أنه لا يهتم بالأرباح، لأن الهدف دعائي لموسم الرياض في المملكة، وفي الحالة الأخيرة فهي أيضاً طريقة دعائية غير واقعية بالنظر إلى طبيعة فيلم "ولاد رزق" الذي يستهدف الجمهور المصري في الأساس، وبالنظر إلى استمرار تفوق الأفلام الأميركية في السعودية.
الجانب الآخر المهدد لصناعة السينما المصرية، هو خلق نوع جديد من الاحتكار السينمائي، بعد دخول صالات السينما في الإنتاج في تحالف مع الموزعين والمنتجين وهيئة الترفيه، ما يهدد فرص عرض ومنافسة الأفلام الأخرى خارج هذا الكيان الضخم، فضلاً عن الأفلام المستقلة. يُضاف إلى ذلك فوضى الأجور وتحديد ميزانيات الأفلام، رغم تشديد تركي آل الشيخ على عدم إفساد خريطة الأجور في مصر، إلا أنه من غير المنطقي أن يحصل نجوم الأفلام على أجورهم العادية بالجنيه المصري في وقت تتجاوز فيه ميزانية أفلامهم ملايين الدولارات وتحقق ملايين الجنيهات في السعودية ولا تخشى الخسارة وتتحوّل إلى مادة إعلانية.
تدخّل هيئة الترفيه بهذه القوة في السوق المصري يعمّق الفجوة أيضاً بين مستوى الأفلام؛ إما ضخمة الميزانية على غرار "ولاد رزق 3"، أو معدومة التكلفة على غرار أفلام بيومي فؤاد وعلي ربيع، التي يقتصر دورها على ملء شاشات العرض، بجانب العروض الرئيسية، إضافة إلى ابتعاد السينما المصرية عن الواقع المصري، سواء إنتاجياً لأنها ستُصور في السعودية، أو فنياً لأنها ستكون موجهة بالأساس للجمهور السعودي، ووفق رؤية هيئة الترفيه، وقد لا تهتم هذه الأفلام مستقبلاً بالعرض في مصر، أو يصبح عرضها رمزياً على غرار مسرحيات موسم الرياض.
الجانب الأكثر خطورة على مستقبل صناعة السينما المصرية، هو وقوعها تحت رؤية تركي آل الشيخ الشخصية، فهو المحرك الرئيسي لهذه التحالفات، ويمتد دوره إلى أدق تفاصيل الأعمال الفنية، بداية من اختيار القصص والكتاب والممثلين، إلى كتابة المواد الدعائية بنفسه، ويعقد الاتفاقات على الهواء، بناءً على طموحاته وتفضيلاته الشخصية. وتكمن الخطورة في غياب الاحترافية في إدارة صناعة مصرية عريقة وكذلك صناعة سعودية واعدة، خاصة في غياب خبرة الإنتاج السينمائي، والاعتماد على الأفكار الشخصية، والتدخل في جميع أطراف الصناعة.
ويخلق هذا طبقات فنية جديدة تتحكم في عشرات الأفلام المنتظر إنتاجها، بناءً على رؤية وطلبات رئيس هيئة الترفيه، الذي ينصب اهتمامه الرئيسي حول تنفيذ الأضخم والأغلى وغير المسبوق في المقام الأول، والمحاكاة الشكلية للأفلام الأميركية، وانتداب الفنيين والمخرجين الأجانب، أو الظهور في ثوب المنقذ للسينما المصرية من الانهيار في المقام الثاني، ولكن الانهيار الحقيقي يأتي من تحوّل صناعة السينما المصرية إلى جزء من أعمال هيئة الترفيه، وتحوّلها إلى نشاط لاستعراض القوة والنفوذ من الطبقة الجديدة المتشكّلة، وحينها سيمتد الانهيار إلى السينما السعودية أيضاً قبل تشكّلها، في حال تأثرها بمستوى الأفلام المقدمة فنياً ومادياً أو في حال عدم استطاعتها الصمود في سوق احتكاري، وغير ربحي، وبلا قواعد للمنافسة، وغير مشجع لظهور تجارب إنتاجية مختلفة.