تحت عنوان "ورود في تربة مالحة"، أطلقت الإعلامية الفلسطينية ناهد أبو طعيمة، أخيراً، من مسرح الإغاثة الطبية في مدينة البيرة، فيلماً وثائقيّاً، أشبه بـ"جردة حساب"، تناولت فيه دور المؤسسات النسوية الأهلية والحكومية في التعاطي مع قضايا المرأة، عبر ثلاثة عقود، العنف الممارس ضدها، وتداعيات الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، والانقسام الفلسطيني ــ الفلسطيني، وتعطيل قوانين حيوية، والقيود المجتمعية، والعادات والتقاليد، وغيرها، على الواقع الصعب والمعقد للمرأة الفلسطينية.
وعبر حوارات مع مسؤولات مؤسسات نسوية رسمية وأهلية، وخبراء قانونيين وإعلاميين، تناول الفيلم أيضاً بالتفصيل، وبشيء من الجرأة، الانتهاكات بحق النساء. وخلال فواصل في الفيلم سلّطت طعيمة الضوء على جوانب بعينها، وكأنها تقسّم الفيلم إلى أجزاء، خصوصاً انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق النساء في عموم الضفة الغربية بما فيها القدس، وفي غزة التي فقدت 650 امرأة في العدوان الإسرائيلي تلو الآخر على القطاع.
وتحدّثت أيضاً عن "لمّ شمل" العائلات الفلسطينية، والتعقيدات الاحتلالية التي ترافق أي ارتباط رسمي لشاب من الضفة الغربية بفتاة من القدس، أو العكس، بحيث يعيش كل منهما في مدينته، وفي حال قرّرت أن تسكن برفقته وتغادر القدس فهي مهددة بفقدان حق الإقامة فيها.
دار الفصل الثاني من الفيلم، حول الانقسام الفلسطيني ــ الفلسطيني المتواصل منذ عام 2007، وتأثيره على النساء، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، حيث الاحتلال والحصار والفقر وغياب الحريّات وغير ذلك. وتطرق الفيلم أيضاً إلى العنف الموجه ضد النساء، خصوصاً ما يسمى جرائم القتل على خلفية شرف العائلة، أو التحرش، أو منع الإجهاض حتى في حالات كالحمل نتيجة اغتصاب. كما لم يغفل الحديث عن الزواج المبكر، الذي يحصل بكثرة رغم وجود قرار بقانون يمنع زواجهن.
وكانت لفيلم أبو طعيمة وقفة مع القوانين التي تعود إلى 60 عاماً خلت أو يزيد، والحديث هنا عن قانون العقوبات الأردني المطبق في الضفة الغربية، ومع آليات تعامل المحاكم مع القضايا المرتبطة بانتهاكات حقوق النساء، بل تناول التقصير الحاصل في بعض الأحيان من قبل الشرطة ووحدات شؤون الأسرة فيها، وأجهزة الاختصاص تجاه العديد من القضايا، وبينها الانتحار.
وبخط موازٍ، تطرّق الفيلم إلى غياب الشراكة بين المؤسسات النسائية، سواء التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية كاتحاد المرأة، أو التابعة للسلطة الفلسطينية ممثلة بالحكومة كوزارة شؤون المرأة، والمؤسسات المدنية على تنوعها. وانطلق "ورود في تربة مالحة" بصرخات إسراء غريّب، ضحية العنف الشهيرة، من داخل أحد مستشفيات مدينة بيت لحم، وهي واحدة من أشهر قضايا العنف ضد النساء التي عرفتها فلسطين في السنوات الأخيرة.
وعن الفيلم الذي أنتجته شركة رام الله ديجيتال للإنتاج العالمي، قالت أبو طعيمة: "عمدت إلى طرح الكثير من الأسئلة، وتقديم الكثير من الملاحظات، حول نضالات المرأة في العقود الماضية، عبر حوارات مع قيادات الحركة النسوية، لذا غاب العنصر الشبابي عن الفيلم الذي هو بمثابة كشف حساب حول هذه المحطة". وأضافت: "صحيح أنني لم أتحدث عن النساء ذوات الإعاقة، والنساء المصابات بالسرطان ويأتين للعلاج في مشافي الضفة الغربية من قطاع غزة، والفقيرات من النساء الفلسطينيات اللواتي يضطررن للعمل داخل المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية، وغيرها من القضايا التي أتمنى أن أتناولها في أفلام لاحقة... السؤال المحوري لفيلم (ورود في تربة مالحة) هو أن الفلسطينيات في حالة انتظار دائم، ما الأسباب؟ ولماذا؟".