وثائقي عن مقتل الكيلاني الفلسطيني: التوثيق عاديّ فالحكاية أقسى وأهمّ

05 فبراير 2021
في أثناء جنازة آل الكيلاني في بيت لاهيا، 22 يوليو 2014 (سامح رحمي/ نور فوتو/ كوربيس/ Getty
+ الخط -

تحضر العائلة في أفلامٍ وثائقية عربية عدّة. يجهد مخرجون ومخرجات في نبش مستور أو مخفيّ أو مغيَّب. يريدون إعادة ترميم علاقة بأحد أفرادها، أو في فهم سيرة بلدٍ واجتماعٍ وذاكرة، عبر أبٍ أو أمّ أو عمّ، وهؤلاء أكثر الحاضرين في أفلامٍ كهذه. للحميميّ ركنٌ أساسيّ، فبعض المخرجين/ المخرجات يبوح بذاتٍ إزاء علاقة مرتبكة أو ملتبسة أو غامضة أو سوية بالعائلة، أو بأحد أفرادها، والعام يعثر في هذا كلّه على مكانٍ له.

أحياناً، يأتي مخرج/ مخرجة من خارج العائلة لأسبابٍ، أبرزها كامنٌ في مسألةٍ تُثير شغفه، وتحثّه على اشتغالٍ سينمائيّ، يمزج تأمّلاته وانفعالاته ومفردات قوله البصري، بحكايات وتفاصيل وخفايا. المصرية أمل رمسيس تبرع في هذا، بتحقيقها "تأتون من بعيد" (2018). الإيطالي ستيفانو سافونا يرسم، في "طريق آل السموني" (2018)، صورة سينمائية عن مجزرة إسرائيلية بحقّ عائلة السمّوني في غزّة، مُوثّقاً الجرم كتوثيقه فعل حياة موؤودة لعائلة يُحطّمها الجرم الإسرائيلي.

الفلسطينية لينا العبد مختلفةٌ تماماً. في "إبراهيم إلى أجل غير مُسمّى" (2019)، ينصبّ البحث على معرفةِ أبٍ يُغادر المنزل والحياة قبل نشوء علاقة بينها وبينه. تحضر فلسطين، فللأب نضالٌ وكفاح منبثقان من قناعة وحماسة. تحضر صراعات داخلية وأركانُ العائلة الأكبر في متتاليات توثيقية، ترتكز على لغة سينمائية شفّافة وآسرة. الحميميّ طاغٍ، لكنّ العقلانيّ يصنع توازناً، فالانفعال جزءٌ من الحكاية، ومعرفة وقائع وتفاصيل يُفترض بها (المعرفة) أنْ تتجرّد من كلّ انفعال.

 

 

الحميميّ نفسه يحضر في "ليست فقط صورتكم" (2019)، للفرنسية آن باك والإسرائيلي درور دايان، بدءاً من الجُرم الإسرائيلي بحقّ إبراهيم الكيلاني (54 عاماً) وزوجته تغريد (45 عاماً) وأولادهما الـ5، ريم (12 عاماً) وسوسن (11 عاماً) وياسين (9 أعوام) وياسر (8 أعوام) وإلياس (4 أعوام)، إثر غارة جوية (21 يوليو/ تموز 2014) على بيت لاهيا (شمال جباليا، قطاع غزّة)، مدينة العائلة. يتمثّل الحميميّ أيضاً في علاقة ليلى (24 عاماً) وشقيقها رمسيس/ رمزي (26 عاماً) بوالدهما إبراهيم، الذي يلتقي زوجته الألمانية في "سيغن" أثناء دراسته الهندسة، قبل انفصاله عنها، وعودته إلى غزّة، وزواجه تغريد، وإنجابه منها أولادهما الـ5.

الحميميّ يحضر في رحلة الشقيقين الألمانيين في ذاكرة شعب وبلد محتلّ وجريمة لن يُحاكَم مرتكبوها، وفي محاولتهما تواصلاً مباشراً مع عائلتهما الفلسطينية، من دون جدوى: "أحاول الذهاب إليكم، لكنّ هذا صعبٌ. الحقّ على إسرائيل"، تقول ليلى لعمّها صالح عبر "سكايب"، رغم وجودها في الضفّة الغربيّة. يجيبها العمّ: "بل الحقّ على العالم".

جملة تختصر مأساة، ورحلة تكشف رغبةً في الحياة، وبحثٌ يؤكّد حضور الذاكرة في انفعال وتأمّل. البداية مع تلقّي ليلى خبر مقتل والدها، والصدمة للأم/ الزوجة الألمانية قاسٍ، والأسئلة تحاصر الشقيقين الألمانيين. طغيان الانفعال على "ليست فقط صورتكم" ـ المُشارك، "مع "إبراهيم إلى أجل غير مُسمّى" للعبد، في الدورة الأولى لـ"مهرجان القدس للسينما العربية"، التي يُفترض بها أنْ تُقام بين 20 و24 فبراير/ شباط 2021، إنْ لم يُمدَّد الإقفال العام بسبب كورونا ـ يحول دون تحقيق فيلمٍ سينمائيّ يمتلك مفرداتٍ بصرية أجمل. لعلّ هذا مقصود، فغلبة الحكاية مطلوبة ومُلحّة، والوثائقيّ شهادة على فعلٍ جرميّ، وبحثٌ إنساني عن مواجهة الفعل ومحاكمته، إزاء صمت العالم، بالإضافة إلى توثيقه حكاية وانفعالاً وسيرة.

توثيقٌ يمزج الذاتي بالعام، ويتابع تفاصيل علاقة جديدة بين شابين ألمانيين وأبٍ تقتله جرائم إسرائيل، وبلدٍ تحتلّه إسرائيل، وذاكرة تعجز إسرائيل عن إخضاعها لتزويرٍ وتغييب. انتقاد ألمانيا لتمنّعها عن تحقيقٍ في الجريمة يتساوى مع هذا كلّه أيضاً.

المساهمون