هذا ليس تنافساً وتسابقاً بل فنّ وتفكير

29 مايو 2024
وودي آلن: السينما ذوق لا تنافس (جيمس دَفَيْني/GC Image-Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- استخدام مفردتي "منافسة" و"سباق" من قبل نقاد ومهنيين في الحديث عن الأفلام بمهرجانات دولية يُعد تسطيحًا للقيمة الفنية والأدبية، مما يحول الأعمال الفنية إلى سلع تنافسية بدلاً من كونها تعبيرًا عن واقع أو فكرة.
- المهرجانات والجوائز تغذي فكرة التنافس والسباق، مما يؤدي إلى اختيار أفلام قد تكون مسطحة ولا تليق بالمستوى المطلوب، بالإضافة إلى تشكيل لجان تحكيم قد تفتقر إلى المعايير الفنية الرفيعة.
- وودي آلن يرفض فكرة المنافسة في السينما والفن بشكل عام، مؤكدًا أن السينما مسألة ذوق شخصي ولا يجب أن تخضع لمعايير المنافسة، مشيرًا إلى إمكانية تقدير أعمال فنية متنوعة دون الحاجة للمقارنة بينها.

 

مفردتان اثنتان يستخدمهما نقّادٌ عرب، وزملاء وزميلات مهنة، في كلامٍ عن أفلام مشاركة في مسابقةٍ رسمية لمهرجان دولي: منافسة وسباق نحو الجائزة الأولى، تحديداً. مفردتان عربيتان تصلحان لأمور شتّى في الحياة اليومية، لكنّهما مسيئتان للغاية في أعمال فنية وأدبية، خاصة في مهرجان وجوائز. أساساً، فكرة الجوائز التي تمنحها مؤسّسات مختلفة، غير لائقة بأي إنتاج، يُفترض به أن يبتعد كلّياً عن استسهال وتسطيح وخفّة، ويُراد له أن يكون انعكاساً لواقع أو حالة أو انفعال أو تفكير أو رؤية. هذا مُنسحبٌ أيضاً على إنتاجات فنية مختلفة، في المسرح والفن التشكيلي والموسيقى، وغيرها، وفي الأدب أيضاً.

المفردتان تُهينان كلّ فعلٍ يصبو إلى كمالٍ أو سويةٍ، ويجهد في إحداث صدمة في لغة تعبير ومضمون نصّ. المفردتان تُلغيان عن الفيلم اشتغالاتٍ، تصنع منه صورةً ولغةً بصرية وتفكيكاً ومعاينة وتوثيقاً وفنّاً، وتُدخلانه في إطار سلعٍ، لا همّ لصانعيها وصانعاتها سوى التنافس والتسابق، وهذا حاصلٌ في نفوس مخرجين ومخرجات كثيرين، عرباً وأجانب، وإذا بناقد أو زميل وزميلة مهنة يساهمون في تفعيل الحاصل، ويُقلّلون من القيم التي يُفترض بمخرج ومخرجة أن يجعلانها نواة إنجازٍ فني وفكري أولاً، بتكامل يُثير متعة مشاهدة (رغم قسوة مضمون ومعاينة)، ويحرِّض على إعمال عقلٍ وتأمّل، وتفاعل مع شعورٍ.

المهرجانات والجوائز مسؤولة بشدّة عن ترجيح التنافس والسباق، خاصة عند اختيار أفلامٍ، يكون بعضها مُسطّحاً وغير لائق بمهرجان أول أو ثانٍ على الأقل، وعند تشكيل لجان تحكيم، بعض أعضائها يُنجز أفلاماً لا تليق بأي عرضٍ تجاري أحياناً، وإن تكن لائقة بعرضٍ كهذا تبقى مجرّد منتوج استهلاكيّ، يملأ خزائن جهات إنتاجية وجيوب صانع وصانعة له. المأزق أنّ نقّاداً عرباً، وزملاء وزميلات مهنةٍ، يستخدمون المفردتين في مقالاتٍ لهم، يدّعي بعضهم أنّها "نقدية".

أخيراً، يبقى قول وودي آلن أفضل ردّ: "من أنا كي أحكم على فيلمٍ؟ السينما مسألة ذوق. لا أؤمن بالمنافسة بين السينمائيين، ولا في الفنّ عموماً. يمكننا أنّ نحبّ مونيه وسيزان في الوقت نفسه. بماذا ستكون السينما مختلفة (عن الفنون)؟" ("باري ماتش". عدد خاص بالدورة الـ70 لمهرجان "كانّ"، المقامة بين 17 و28 مايو/أيار 2017).

المساهمون