تتزايد أعداد الفنانين السوريين المهاجرين، ما ينذر بشح في إنتاج الدراما السورية التي استطاعت لعقدين من الزمن تبوؤ مقعداً متقدمًا على خريطة الدراما العربية، وفتحت الباب لشهرة العديد من الممثلين السوريين الذي تحولوا إلى "نجوم" في مختلف الوطن العربي. يبدو أن النظام السوري أهمل مؤخراً "الدراما" السورية" والواضح أن شدة ما يُسمى بالحصار على سورية، والأزمة الاقتصادية الخانقة أرخت بظلها على الإدارات العامة والخاصة، ويبدو أن السلطة لم تعد تستسيغ أي اتفاقيات أو تدخل بشأن الإنتاج الدرامي السوري، في الوقت الذي لعبت فيه السلطة نفسها دوراً محورياً في عز الأزمة والحرب. واستطاع الإنتاج السوري أن يخلص نفسه من الغرق المحتم الذي وصل إليه اليوم.
لكن ما هي الأسباب التي تدفع بالنظام السوري للتخلي عن هذه الصناعة؟ وما هو دور لبنان والمحيط العربي في هذه الأزمة؟
الواضح أن الممثل السوري، معارضًا كان أو مواليًا، يعاني بشدّة من سيطرة النهج الواحد في الإنتاج، المتمثّل في الوصاية أو الرقابة على الموضوعات والقصص التي تتحول إلى مسلسلات. والواضح أن "النافذة" على بيروت هي التي مهدت أو شجعت معظم الممثلين في سورية إلى الخروج، والهجرة إلى بيروت. لبنان ليس أفضل حالاً على الصعيد الاقتصادي، لكن الاستثناء الذي يدفع بالممثل السوري لاختيار بيروت يكمن في ثلاثة خطوط عريضة، أولها العمل مع شركتي الإنتاج الأشهر (الصبّاح وإيغل فيلم) وثانياً الأجور تدفع كاملة بالدولار الأميركي، وثالثًا استغلال أضواء لبنان في الدعاية والترويج عبر الإعلام.
هذه النقاط الثلاث لم يتنبه لها النظام السوري طوال الفترة الماضية، فضلاً عن الإمعان في ممارسة كل أشكال القمع من خلال نقابة الفنانين السوريين وما أعقب الانتخابات الأخيرة للنقابة (2020) من فوز ما يمس بمرشحي السلطة، وتحول النقابة إلى فرع خاص بجهاز المخابرات السوري، بحسب تصريحات بعض الفنانين.كل ذلك، دفع بمزيد من الفنانين السوريين للهجرة إلى الخارج، وتحديداً منذ كانون الثاني/يناير 2020، والعمل على تحصين حياتهم على كافة الأصعدة، لعل أهمها الأجور المالية.
لكن ماذا عن المنتجين السوريين؟ وما هو مصيرهم؟ تؤكد المعلومات أن معظم المنتجين السوريين أوقفوا أعمالهم بسبب زيادة الأجور التي يفرضها الممثل السوري على شركات الإنتاج، واختار بعضهم تعليق عمله، من دون سبب، فيما تحاول بعض الشركات الباقية، وهي تعمل وفق روزنامة النظام، على احتواء مجموعة من الأفكار أو النصوص وترجمتها إلى مسلسلات طويلة، لتحصر الممثل في دائرة واحدة لموسمين أو ثلاثة مواسم من العرض، وضمان أقله "سنتين" في استغلال وبطولة الممثل في هذه الأعمال مثل "حارة القبة" و"سوق الحرير" وغيرها من الأعمال التي درجت في السنوات الثلاث الأخيرة.
لم يتراجع الإنتاج الدرامي السوري حتى في عز الأزمة والحرب قبل سنوات قليلة. لكنه اليوم يدخل في نفق مظلم آخر بعد هجرة الممثل الذي يعتبر السلاح الأول لهذه الصناعة التي قدمت لسنوات مجموعة من أهم الأعمال الدرامية وحجزت لها مكانًا متقدمًا في العالم العربي.