نيكولاس كيدج ضدّ نيكولاس كيدج

23 اغسطس 2022
خليط من أنواع سينمائية عدة وأفلام مختلفة يلعب كيدج بطولتها جميعاً (IMDb)
+ الخط -

كثير من الحكايات تدور حول الممثل الأميركي نيكولاس كيدج (1964). بعضهم يقول إنه كائن عابر للزمن، خالد نوعاً ما بسبب وجود صور لشبيه له تعود لنهاية القرن الثامن عشر. بعض آخر يشكك بموهبته، ويرى أنه دخل المهنة بسبب قرابته من فرانسيس فورد كوبولا. وعلى النقيض، يرى آخرون أنه عبقري، ذو منهج خاص بالتمثيل. وهنالك من يرى فيه ممثلاً عفى عليه الزمن، يمكن اختزال حاله بالفيديو الذي انتشر العام الماضي له وهو شديد السكر، يمشي حافياً في الشارع، ويدخل أحد الفنادق من دون أن يعلم أين هو، أو كيف انتهى به الأمر بثياب النوم.
ما يمكن الاتفاق عليه أن كيدج نجم، شهرته لا يمكن الاستخفاف بها، لكن أزمة موهبته وعلاقته مع مهنة الممثل يمكن اكتشافها أكثر في الفيلم الصادر أخيراً بعنوان The Unbearable Weight of Massive Talent من إخراج توم غورميكان. بداية، لا بد أن نشير إلى أن عنوان الفيلم يحاكي عنوان رواية التشيكي ميلان كونديرا The Unbearable Lightness Of Being، لكن الاختلاف شاسع بين الاثنين. ففي الفيلم، يلعب كيدج نسخة متخيلة عن نفسه؛ ممثل يشعر بالهزيمة، لا يمتلك عملاً، ينتقل بين المخرجين والمنتجين علّه ينال دوراً ما، كونه غارقاً في الديون، مُطلّق يسكن في فندق، وعلاقته مع ابنته المراهقة متوترة، والأهم، هو على وشك الاعتزال.
يعدنا الفيلم في البداية بما هو مختلف، مقاربة فنّيّة (Artsy) نوعاً ما لمهنة التمثيل. لكن، لاحقاً، يثبت الفيلم العكس، فكيدج الذي أقنعه وكيل أعماله ريتشارد فينك (Neil Patrick Harris) بالذهاب إلى إسبانيا لقضاء إجازة مع الأغنياء، يجد نفسه متورطاً مع الـCIA، ومهرب سلاح دولي يُدعى خافي يؤدي دوره Pedro Pascal.
حينها، نرى أنفسنا أمام فيلم تقليدي، فرضيته عن الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. صحيح أن الفيلم يحوي الكثير من الإحالات المباشرة لتاريخ كيدج الفني، لكنه يناقش مهنة التمثيل بصورة سطحية، فكيدج الذي يقرر عدم الاعتزال بعدما أقنعه خافي بأن موهبته أكبر من أن يحرم البشرية منها، بل عليهما أن يصنعا فيلماً معا، يقرر أن يخاطر بحياته، ويساهم في إلقاء القبض على مهرّب السلاح الحقيقي، كون خافي الذي تعرف عليه وأصبح صديقه، ليس إلا واجهة بريئة.


يحوي الفيلم كل مقومات نموذج الأكشن-كوميدي؛ مطاردات، ومخدرات، ومواجهات مسلحة... ناهيك عن الاستفادة المطلقة من غرابة أطوار كيدج، الذي يستعرض قدراته كممثل مبتذل نوعاً ما، يلقي خطباً عاطفية، يتنكّر، يلعب دور جاسوس، وكأننا أمام خليط من أنواع سينمائية عدة وأفلام مختلفة يلعب كيدج بطولتها جميعاً.
يظهر كيدج في الفيلم بوصفه عالقاً بين الماضي والحاضر. يتضح ذلك عبر شخصية الممثل الشاب اللطيف الذي يخاطب نفسه الآن عدة مرات في الفيلم؛ مؤكداً له أنه نيكولاس كيدج، نجم السينما، ليس الممثل الذي يبحث عن العمل. وهنا يمكن أن نجد إشارة إلى طبيعة سوق العمل في هوليوود. الممثل ليس صاحب مهنة فقط، بل شخصية عامة، عليها أن تعرف متى تظهر ومتى تختفي. بصورة أدق، على الممثل في هوليوود ألا يسعى وراء المال، بل بناء الصورة العلنيّة، وهذا ما لا ينجح به كيدج في الحياة الواقعية.

لا يخلو الفيلم من إحالات إلى نيكولاس كايج في الثقافة الشعبيّة؛ إذ تحضر النكات المتعددة التي تلاحقه، ونظريات المؤامرة التي تدور حول حقيقته. لكن الفيلم لا يغرق في الابتذال، يمكن القول إننا أمام كوميديا نوستالجيّة، تراهن على ما نعرفه عن كيدج وشهرته، لتسخر من أسلوب نظر الناس إليه، فهو ليس نجماً خارقاً، بل ممثل يريد العمل كي يدفع الأجرة ويطعم أسرته، حسب تعبيره في الفيلم.

المساهمون