قررت السلطات الروسية طرد الممثل الكوميدي البيلاروسي من أصل أذربيجاني، إدراك ميرزالزاده، بسبب ما اعتبرته تهديداً للأمن القومي، عبر توجيه "عبارات تحرض على الكراهية والعداء تجاه الأشخاص من القومية الروسية، وتهين كرامتهم الإنسانية".
وفي حين رحب كثيرون بالقرار، ورأوا أنه يؤسس لمرحلة جديدة تنهي عقوداً من السخرية من الروس من دون عقاب، انتقد آخرون التهم الموجهة للممثل الكوميدي، وسخروا من أن نكتة يمكن أن تهدد الأمن القومي لدولة مثل روسيا.
أثار الممثل الكوميدي الجدل في بداية الصيف الحالي، بعد تقرير عرضته محطة "تساريغراد" ذات النفس القومي، عن مشاركته في حلقة "ستاند أب كوميدي" مع ممثلين آخرين، في مارس/ آذار، تحدث فيها عن الصعوبات التي تواجه أبناء القوميات غير السلافية، وتحديداً أبناء القوقاز في روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى، في استئجار شقة في موسكو.
الممثل الكوميدي استعرض ساخراً رفض السماسرة العقاريين والمواطنين الروس تأجير الشقق للقوميات غير السلافية (أوكرانيا، وبيلاروسيا، وروسيا)، وطرق التحايل التي يتبعها أثناء الحديث مع الشركات العقارية أو المؤجرين، والرفض الذي يتلقاه دائماً، رغم أنه يحمل الجنسية البيلاروسية، وقضى عمره بعيداً عن أذربيجان.
وكان يمكن أن يمر حديث ونكات ميرزالزاده عن هذه الصعوبات من دون أي انتباه، لولا تدخل زملاء آخرين شاركوا في الحلقة الكوميدية، وتحدثوا عن قضايا تتعلق أيضاً بعدم تفضيل معظم الروس أن يسكن قوقازي في بناياتهم السكنية، وتعليق ميرزالزاده الذي أشار إلى أن معظم السيدات الكبيرات في العمر لا يرددن السلام ويتصرفن بازدراء وتعالٍ.
وبعد مرور أشهر، تلقف الإعلامي المقرب من الكرملين فلاديمير سلافيوف القضية، وأعاد بث جزء منها على قناته على "يوتيوب". وطالب، مطلع يونيو/ حزيران، بمحاكمة الممثل الكوميدي، وعدم تمرير هذه التصريحات من دون محاسبة، وانتهز الفرصة للتنديد بممثل كوميدي كازاخي أطلق نكاتاً عن محرقة الهولوكوست قبل أشهر، ودعا إلى محاسبتهما، وطردهما من روسيا.
ولم يخفف تبرير ميرزالزاده لاحقاً أنه تعمد توجيه رسالة إلى أنه يجب عدم التعميم أثناء الحديث عن القوميات، حين أشار إلى أنه يجب على الجميع الانتباه إلى أن التعميم يجرج مشاعر القوميات الأخرى. ويبدو أن تصريحات وتضامن عدد كبير من الكوميديين الروس مع ميرزالزاده لم تخفف الجدل الذي تسببت به الفقرة الساخرة، ولم تطفئ النار التي أشعلها سلافيوف والقنوات الروسية ذات التوجه القومي.
وفي بيان يوم الاثنين الماضي، أعلن موقع وزارة الداخلية الروسية الإلكتروني ميرزالزاده شخصاً غير مرغوب بإقامته في روسيا مدى الحياة، وهذا يعني عملياً الطرد. وأوضح البيان أن ميرزالزاده "أطلق في ظهور علني عبارات تثير الكراهية والعداء بحق أفراد القومية الروسية، وتهين كرامتهم الإنسانية". وخلصت الوزارة إلى أنه "ينظر إلى إقامته على الأراضي الروسية على أنها تهديد للاستقرار الأهلي، والمصالح المشروعة للأشخاص الآخرين". ورغم أن ميرزالزاده لديه إقامة دائمة في روسيا، فقد أشار محامون إلى أن حظوظه في الطعن بقرار وزارة الداخلية شبه معدومة.
وتعرض ميرزالزاده أكثر من مرة لمحاولات اعتداء. وفي مدينة روسية، تظاهر رجل حاملاً لوحة عرض فيها 50 ألف روبل، مقابل الانتقام من الممثل البيلاروسي. وفي 9 أغسطس/ آب، أصدرت محكمة تاغانسكي في موسكو حكماً باحتجاز الممثل الكوميدي 10 أيام، بتهمة إثارة الكراهية في عرضه الفكاهي. وتبنت المحكمة لائحة الادعاء العام التي رأت "علامات إهانة مجموعة عرقية".
وفي مقالة رأي نشرها الصحافي سيرغي ماردان، في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" تحت عنوان "أين يمكن لميرزالزاده إطلاق النكات على الروس الآن؟" امتدح الكاتب القرار، ورأى فيه "عودة للمعايير الثقافية الروسية"، ومع إشارته إلى أنه لا مكان يمكن فيه للممثل أن يطلق النكات على الروس، نصحه بالبحث عن مجال جديد للعمل من الصفر إذا كان لديه مهنة أخرى. وأشار الكاتب إلى أن الضجة التي أثيرت حول الممثل تسهم في إرساء نواظم جديدة في موضوع القوانين والنظرة إلى إهانة القوميات، وكسر التفكير النمطي السائد.
أما موقع "ميديا زونا" فانتقد قرار إبعاد الممثل الكوميدي، وتحت عنوان " البراز والأمن القومي، لماذا وكيف طُرد الكوميدي إدراك ميرزالزاده، ومُنع طوال الحياة من دخول روسيا" رأى الموقع أن القرار مجحف ولا يتوافق مع الدستور وقرارات المحكمة الدستورية العليا. ولم يستبعد معدو التقرير أن يكون سبب الإبعاد الحقيقي يعود إلى سخرية ميرزالزاده في أكثر من مرة من رئيس شركة "روس نفت" إيغور سيتشين، المعروف بنفوذه الواسع وصداقته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك تعرضه لرئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي أكثر من مرة. ونقل التقرير آراء محامين أوضحوا أن القرار لا يتوافق مع القوانين الروسية، وفي الوقت نفسه أكدوا أنه لا يمكن الطعن فيه، لأن المحاكم تأخذ عادة بآراء وتوجهات الأجهزة الأمنية في مثل هذه الحالات.