في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كانت صافرة بداية كأس العالم في قطر. واليوم، تزامناً مع العيد الوطني لدولة قطر، تنطلق الصافرة الأخيرة لهذا الحدث العالمي الذي تابعه ملايين وملايين من أنحاء العالم. تنتظر الجماهير اللقاء الأخير للبطولة الذي سيجمع المنتخب الأرجنتيني ونظيره الفرنسي. ها هو ليونيل ميسي يؤكد أنها ستكون مباراته الأخيرة دولياً مع منتخبه. ها هو يحلم برفع الكأس الذهبية عالياً، لمرّة أولى وأخيرة في مسيرته الكروية الكبيرة.
ينتشر هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي كثير من الفيديوهات واللقطات الساخرة التي تصوّر حال المقيمين في دولة قطر، وافدين وسكّاناً. تصوّرهم كما لو أنّهم مصابون بما يمكن تسميته Post Mondial Syndrome (متلازمة ما بعد المونديال). لا أحد يريد لهذا الحدث أن ينتهي. هناك شيء من الحزن يخيّم على الجمهور. لقد كانت تجربة فريدة ورائعة يصعب تكرارها. لا يقتصر الأمر فقط على المباريات، بحلاوة فوزها ومرارة خسارتها. لا يقتصر الأمر على كرة القدم فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى الأجواء الاجتماعية والإنسانية التي أحاطت بهذه التظاهرة الكبيرة.
هنا، نلتفت إلى أبرز مشاهد المونديال الذي يُختتم اليوم في استاد لوسيل، أكبر ملاعب البطولة. يُختتم هذا الحدث، وتُختتم معه مسيرة أحد أهم لاعبي كرة القدم، قائد الفريق الأرجنتيني ليونيل ميسي.
مناطق المشجعين
خارج ملاعبها الثمانية التي استضافة مباريات البطولة، كان هناك عالم مواز أيضاً، لا يقلّ صخبه وحماسة من فيه عن حماسة وصخب أولئك الذين على المدرّجات. فلنبدأ من المناطق المخصصة للمشجعين (Fan Zones). ابتكرت السلطات القطرية هذه المناطق لتوفّر للمقيمين والقادمين من الخارج أجواءً قريبة من الملاعب، حيث الشاشات العملاقة كي يتابعوا عليها المباريات، وكذلك المطاعم والمقاهي التي توفر لهم المأكولات والمشروبات، إلى جانب أركان مخصصة للأطفال، كي يمضوا وقتاً ممتعاً فيها. أجواء تستقطب جميع أفراد العائلة، من كبار السن حتى الأطفال، مروراً بالجيل الشاب. أبرز المناطق التي احتضنت هذه الساحات الخاصة هي كورنيش الدوحة وحديقة البدع ولوسيل ودرب لوسيل ومشيرب وسوق واقف وحي كتارا الثقافي.
ومن أبرز فعاليات الجماهير في حديقة البدع متابعة العرض المباشر لمباريات البطولة، حيث قدرت الفيفا ساعات البث بنحو 170 ساعة بث مباشر، و100 ساعة بث من الموسيقى الحية مع نجوم عالميين وإقليميين في مساحة خمسة آلاف متر. كما تحوّل سوق واقف الشهير في قلب الدوحة إلى قبلة للمشجعين بجانب التسوق والترفيه. فقد أصبحت منطقة الترفيه الخارجية الشهيرة في سوق واقف واحدة من أهم مناطق المشجعين طوال البطولة.
قرى سكنية
إضافة إلى ذلك، ابتكرت السلطات ما عُرف بقُرى المشجعين، ليقطن فيها الزوّار من لم يحالفهم الحظ بالعثور على مكان شاغر في فنادق قطر التي حُجزت معظم غرفها. أنشئت هذه المواقع من كبائن مسبقة الصنع وخيام في سبع مناطق قريبة من ملاعب البطولة، ما يسهل الوصول إلى الملاعب ومواقع الفعاليات المصاحبة. توزعت قرى المُشجِّعين على مناطق عدة، وتتكون من مساكن مؤقتة تقدم خدمات متكاملة للمشجعين، وتشمل 1800 مسكن في جزيرة قطيفان المجاورة لمدينة لوسيل، وتكفي لاستيعاب 3600 شخص، و200 مسكن في مدينة الخور (شمال)، إضافة إلى 8 آلاف كابينة موزَّعة على ثلاث مناطق. وتشمل المرافق التي توفرها قرى المشجعين خدمات الترفيه، والرعاية الطبية، ومنافذ الطعام التي تقدم مجموعة واسعة من المأكولات من مطابخ العالم المتنوعة.
أزياء عربية
أضفى الزي العربي التقليدي بصمة خاصة على مشجعي بطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، خاصة مع وضع الجماهير لمساتهم عليه، بتزيينه بأعلام بلادهم وشعارات منتخباتهم الوطنية. وخطفت الجماهير القادمة من كل أنحاء العالم الأنظار بارتداء العقال والغترة والدشداشة في مناطق قطر المختلفة، وأثناء وجودها في الملاعب والمدرجات والساحات العامة. و"الغُترة" قطعة قماش بيضاء، مصنوعة من القطن الخفيف، يتم ثنيها بشكل مثلث وتوضع على الرأس، ويقوم بتثبيتها "العقال" الذي يشبه حبالاً سوداء تأخذ شكلاً دائرياً، أما "الدشداشة" فهي الجلباب العربي التقليدي، ويسمّونها أيضاً بالثوب. وصنع مشجعو المونديال صوراً ملونة في الشوارع والمدرجات في قطر بارتدائهم الزي العربي بألوان منتخباتهم الوطنية. ولعل ما زاد إقبال الجماهير على هذا الزي أن تميمة كأس العالم الرسمية، "لعّيب"، رمزت إلى الغترة والعقال، حتى أصبح يُشاهَد في كل مكان في شوارع الدوحة. وازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لمشجعين من مختلف الجنسيات وهم يرتدون الغترة والعقال.
عروض سينمائية
لم تقتصر الفعاليات على ما يتعلّق بكرة القدم وحسب، إذ شاهدنا كثيراً من الإعلانات التي تدعو الجماهير غير المهتمين بالمونديال إلى زيارة دولة قطر، لأنّ مؤسسات كثيرة وفّرت فعاليات ثقافية وفنية ترفيهية يمكن أن تسترعي اهتمام الناس. في هذا السياق، كانت مؤسسة الدوحة للأفلام قد أعلنت عن عرض أعمال شاركت في مهرجانات سينمائية، منها ما عُرض في برنامج "صنع في قطر" في مهرجان أجيال السينمائي خلال الأعوام الماضية، وذلك ضمن فعالياتها التي صاحبت كأس العالم، وحملت اسم "تجربة الدوحة للأفلام". أقيمت العروض في المسرح الخارجي لـM7 في مشيرب - قلب الدوحة، على مدار أسبوعين، آخرها كان يوم أمس السبت.
معارض فنية
إلى جانب العروض السينمائية والفعاليات الموسيقية التي شهدتها مناطق المشجعين، بحضور فنانين عرب وأجانب من مختلف أنحاء العالم، أقيمت معارض فنية أيضاً، في عدة فضاءات، مرتبطة بكرة القدم وكأس العالم. في هذا السياق، افتتح في مشيرب قلب الدوحة جناح كونميبول - شجرة الأحلام، بتنظيم اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم (كومنيبول). يوثق المعرض تاريخ وإنجازات كرة القدم في "القارة" اللاتينية. وضم الجناح ثلاثة أقسام، هي معرض اللاعبين، وتجربة اللاعبين، وأفضل البطولات في "القارة". كما افتتح في الحيّ الثقافي - كتارا معرض في المبنى 47، بعنوان "وجوه من العالم"، للفنان التشكيلي الدومينيكاني جيرسون خيميز. تضمن هذا الأخير 25 لوحة لأهم اللاعبين في منتخبات كأس العالم قطر 2022، للفنان الذي شارك للمرة الثانية في معارض كتارا.