استمع إلى الملخص
- الحسيني كرمت لتغطيتها الشجاعة للإبادة في غزة، مما يبرز أهمية الصحافة في تسليط الضوء على الظلم والانتهاكات في مناطق النزاع.
- الجدل حول سحب الجائزة يسلط الضوء على التحديات والضغوط السياسية التي تواجه الصحافيين في تغطية الصراعات، مؤكدًا على الحاجة لدعم الصحافيين وأهمية الاستقلالية في العمل الصحفي.
خضعت المؤسسة الدولية لإعلام المرأة (IWMF) للحملة التي شنها أنصار الاحتلال الإسرائيلي ومواقع إخبارية يمينية على الصحافية الفلسطينية مها الحسيني، وسحبت جائزة الشجاعة في الصحافة لعام 2024 منها، في خطوة تعكس مدى استعداد المنظمات التي ترفع راية الحريات والحقوق، وتحديداً راية دعم النساء، للتخلي عن كل مبادئها حين يتعلق الأمر بالفلسطينيين والفلسطينيات الذين يواجهون الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأعلنت المؤسسة الدولية لإعلام المرأة في بيان، اليوم الخميس، أنها "أخذت علماً، خلال الساعات الـ24 الماضية، بتعليقات أدلت بها مها الحسيني خلال السنوات الماضية، والتي تتعارض مع قيم المؤسسة". وأضافت: "نتيجة لذلك، سحبنا منها جائزة الشجاعة في الصحافة التي كانت قد مُنحت لها"، وشددت على أن مهمتها والجوائز التي تمنحها أساسها "النزاهة ومعارضة التعصب"، وأنها "لم ولن تتغاضى أو تدعم الآراء أو البيانات التي لا تلتزم بهذه المبادئ".
هذا هو النص الكامل للبيان الذي أصدرته المؤسسة الدولية لإعلام المرأة التي لم تتكبد عناء تقديم المزيد من التفاصيل حول التعليقات التي أدلت بها مها الحسيني، والتي "تتعارض مع مبادئها"، وطبعاً لم تعلن عن أي تحقيق أو إجراء سبق أو تلا قرارها بسحب الجائزة من الصحافية الفلسطينية التي علقت بمنشور باللغة الإنكليزية عبر حسابها في منصة إكس، وقالت: "إذا كان الفوز بالجائزة يستلزم الصمت على جرائم الحرب، فلا يشرفني الحصول على أي جوائز". وأضافت مؤكدة: "سأبقى موضوعية في تقاريري، لكن لا يمكنني أبداً أن أكون محايدة؛ سأدل دائماً على الجناة، وسأساند الضحايا. هذا هو معنى الصحافة الحقيقي".
المؤسسة الدولية لإعلام المرأة مقرها العاصمة الأميركية واشنطن، تأسّست عام 1990، ومهمتها "خلق منصات إعلامية إخبارية أكثر تنوعاً وتمثيلاً وأمانًا للنساء والصحافيين غير الثنائيين". وتكرّم جائزة الشجاعة في الصحافة التي تمنحها "صحافيات لا يمكن إسكاتهن، ويجب الاعتراف بقوتهن في مواجهة الشدائد...".
أما مها الحسيني فصحافية فلسطينية تغطي الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق شعبها في غزة. وتواجه "الشدائد" ووحشية الاحتلال ككل الفلسطينيين، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومديرة الاستراتيجيات في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في جنيف، وتعمل مراسلة لصالح موقع ميدل إيست آي.
في بيان إعلان منح الجائزة، أشارت المؤسسة إلى أن مها الحسيني "نزحت مرات عدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهي الآن واحدة من الغزيين الذين أصبحوا بلا مأوى. لكنها لا تتوقف عن السعي لإعطاء الفلسطينيين صوتاً وتسليط الضوء على قصصهم، بما في ذلك كفاح امرأة حامل أُجبرت على الإنجاب في المنزل، وفتاة اضطرت إلى حمل شقيقها المشلول البالغ من العمر ست سنوات لأميال هرباً من القصف".
ونقلت المؤسسة عن مها الحسيني قولها حينها: "معظم وسائل الإعلام تتحدث فقط عن الأرقام، عن القتلى والجرحى. أريد أن يتحدث الناس مباشرة عن أنفسهم، فسرد قصصهم أهم من أي خبر". وقد استخدمت تقاريرها عن الناجين من عمليات الإعدام الميدانية الإسرائيلية دليلاً على الإبادة الجماعية في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
ماذا حصل إذاً؟ كيف تحولت مها الحسيني من صحافية تكرم على شجاعتها وإصرارها على تغطية الجرائم الإسرائيلية بحق شعبها إلى متهمة؟
خلال يوم واحد بعد أكثر من عشرة أيام على منح الجائزة للصحافية الفلسطينية، استنفر أنصار الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسهم إيتان فيشبيرغر وألانا غودمان والمنظمة الصهيونية "أونست ريبورتينغ". نبشوا تغريدات ومنشورات كتبتها الحسيني خلال السنوات السابقة، واتهموها ــ كالعادة ــ بالانتماء لحركة حماس ومعاداة السامية. ماذا تضمنت منشورات مها الحسيني التي نبشها أنصار الاحتلال؟ رسم كارتوني من عام 2018 كتب فيه أن "مقاومة الاستعمار ليست جريمة، بل واجب"، وآخر يظهر جندياً إسرائيلياً يذبح الفلسطينيين وعلقت هي عليه عام 2017 قائلة إن "إسرائيل لم توقف جرائم الإبادة الجماعية والقتل الجماعي والتهجير القسري والفصل العنصري منذ عام 1948".
هل تكفي هذه التعليقات فعلاً لاتهام الحسيني بـ"معاداة السامية"، ناهيك عن الانضمام لحركة حماس التي لم تأت على ذكرها؟ ألم يكن الأجدر بالمؤسسة التي تدعي نصرة المرأة وحرية الصحافة أن تعلن على الأقل عن إجراء تحقيق قبل أن تعلن عن سحب الجائزة من الصحافية الفلسطينية، خاصة أن ما ذكرته الأخيرة عن الفصل العنصري والتهجير القسري وثقته منظمات حقوقية دولية سابقاً، عدا عن أن إسرائيل مثلت أمام محكمة العدل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية خلال الحرب الوحشية المستمرة منذ تسعة أشهر على قطاع غزة المحاصر، وذلك ضمن دعوى قانونية رفعتها دولة جنوب أفريقيا؟
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قتلت أكثر من 140 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي في غزة منذ بدء عدوانها على القطاع، واعتقلت العشرات من الضفة الغربية وغزة، وبينهم المراسل المتعاون مع التلفزيون العربي محمد صابر عرب، الذي نقل المحامي خالد محاجنة، الأربعاء الماضي، شهادته عن وحشية ما يعانيه هو وغيره من الأسرى في سجون الاحتلال. اعتقل عرب من مستشفى الشفاء في غزة منذ نحو مائة يوم، ولم يكن يعلم حتى بمكان احتجازه، وفق ما نقل عنه محاجنة. وقد أخبره الصحافي بارتقاء شهداء بين صفوف المعتقلين، وعن عمليات تعذيب، وتنكيل وإذلال، إضافة إلى عمليات اغتصاب. وقبل عرب، تحدث أيضاً مدير مكتب "العربي الجديد" في غزة، الزميل الصحافي ضياء الكحلوت، عن التفاصيل المهينة والوحشية لاعتقاله الذي دام 33 يوماً.
وبينما تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحافيين بالقتل والاعتقال والتعذيب، ينكبّ مؤيدوها على التحريض ضدهم. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استهدفت المنظمة الصهيونية "أونست ريبورتينغ" مؤسسات إعلامية دولية بضربة واحدة: "أسوشييتد برس" و"رويترز" و"نيويورك تايمز" و"سي أن أن". ما التهمة/ التلميح؟ هذه المؤسسات كانت على علم مسبق، عبر المصورين الصحافيين الذين تتعاون معهم في غزة، بعملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، والتي أسفرت عن قتل 1400 إسرائيلي في السابع من أكتوبر. هذه الاتهامات التي أقرت المنظمة بأن لا أدلة لديها عليها دفعت مسؤولين إسرائيليين إلى المطالبة صراحة بقتل المصورين والصحافيين الفلسطينيين في غزة.
واستنكرت حينها منظمة مراسلون بلا حدود "الدعوة إلى قتل صحافيين"، معتبرة أن "التصريحات التي تشوّه مصداقية مهنة بكاملها غير مقبولة". وأضافت المنظمة غير الحكومية في بيان أن "السلطات الإسرائيلية انتقلت من تأكيد أنها لا تستطيع ضمان حماية الصحافيين في غزة إلى إصدار تهديدات بالقتل لصحافيين يغطون الصراع، بناء على شبهات لم تثبت صحتها حتى الآن". وقد رفعت هذه المنظمة أكثر من شكوى للمحكمة الجنائية الدولية من أجل محاسبة إسرائيل على جرائم قتل الصحافيين.
وفي مايو/ أيار 2023 نشرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً عنوانه "نمط فتاك: 20 صحافياً قتلوا بنيران القوات الإسرائيلية خلال 22 سنة من دون أن يُحاسب أحد"، انطلقت فيه من جريمة قتل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافياً على الأقل منذ عام 2001، ووجدت "نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية".