استمع إلى الملخص
- ارتفاع الأسعار وتشتت المحتوى: منذ 2019، ارتفعت أسعار الاشتراكات بشكل ملحوظ، مما دفع المستخدمين نحو القرصنة بسبب تعدد المنصات وارتفاع التكاليف.
- محاولات التكيف مع السوق: تقدم بعض الشركات منصات مجانية أو باقات موحدة، وتعاونت استوديوهات كبرى لتقديم حزم مشتركة، مما يعكس تحولاً نحو نموذج يشبه شبكات الكابل التقليدية.
تدخل شبكة سي إن بي سي الأميركية سباق منصات البث الأميركية عبر منصة تسمى "سي إن بي سي بلس". ستوفر المنصة بثاً مباشراً عالمياً للأخبار المالية في الأسواق الأميركية والبريطانية والآسيوية. ويمكن للمشتركين أيضاً مشاهدة حلقات البرامج الكاملة تحت الطلب. وهي خدمة تنضم إلى سوق منصات البث المزدحم أصلاً في الولايات المتحدة، ما يثير انتقادات تشتّت المحتوى، وارتفاع الأسعار، وتسبّب ازدهاراً في سوق القرصنة على حساب المحتوى الأصلي.
ازدحام سوق منصات البث
قبل ازدحام سوق منصات البث كانت هناك "نتفليكس"، المنصة الأشهر عالمياً، إلى جانب "أمازون برايم فيديو". لكن انضمت إليهما منصة "ديزني بلس" في 2019 ثم تدفق المزيد، منصة "ماكس"، و"بيكوك"، و"آبل تيفي بلس" و"إم جي إم بلس" و"باراماونت بلس" و"إيه إم سي بلس" و"هولو" وغيرها. وفي العالم العربي كان سوق منصات البث يتلخّص في منصة واحدة: "شاهد.نت"، التي كانت بمثابة "يوتيوب" للقنوات الفضائية العربية، حيث كانت تصب فيها إنتاجات قنوات أخرى من العراق ومصر مثلاً، بعدها تناسل المزيد من المنصات في المنطقة بين "وياك" و"أو إس إن بلس" و"جوي تي في" و"ووتش إت"، و"العربي بلاس" وغيرها.
السوق لا تتوقف عن التشتّت
في الماضي كان يمكن مشاهدة "بريزون بريك" و"فريندز" و"ذا أوفيس" و"قيامة أرطغرل" في "نتفليكس"، منصة واحدة مقابل اشتراك واحد. الآن، لمشاهدة "بريزون بريك" عليك امتلاك اشتراك في "نتفليكس" على الأقل، ولمشاهدة "فريندز" يجب دفع اشتراك لـ"ماكس"، ولمشاهدة "ذا أوفيس" يجب تحمّل تكلفة "بيكوك"، ولمشاهدة "قيامة أرطغرل" يجب الاشتراك في "تابي". أما المشاهد العربي، فإذا ما أراد في رمضان أن يتابع مختلف المسلسلات، فعليه دفع اشتراكات متفرّقة مقابل "ووتش إت" و"شاهد في آي بي" و"أو إس إن" على الأقل لمتابعة أكبر طيف ممكن من الإنتاجات الرمضانية. وعليه فعل الشيء نفسه خارج رمضان لمحاولة الجمع بين الإنتاجات العربية والعالمية. وزاد من حدة هذا التشتّت الإنتاجات الأصلية لكل منصة، التي صارت تنفق الملايين من أجل إنتاج فيلم أو مسلسل لا يُعرض في أي مكان آخر غيرها.
الأسعار لا تتوقف عن الارتفاع
لو قَبِل المستخدم بدفع أكثر من اشتراك لأكثر من منصة، فسيتحتم عليه تحمّل الزيادات المتواصلة التي تعلنها منصات البث بين الحين والآخر. عام 2019 كانت أسعار المنصات صفقات مربحة، فكانت "آبل تي في بلس" مجانية إذا اشتريت جهازاً من "آبل"، وسعر "ديزني بلس" كان لا يتجاوز أربعة دولارات شهرياً، وخفّضت "هولو" سعرها لتظل قادرة على المنافسة، وكان يمكنك مشاركة حساب "نتفليكس" الخاص بك مع أكبر عدد من الأصدقاء وأفراد الأسرة وزملاء السكن والشركاء السابقين، وتقاسم تكلفة الاشتراك بينكم.
لكن هذه الأيام قد ولّت، في 2023 فقد رفعت "نتفليكس" و"هولو" و"ديزني بلس" و"ماكس" و"آبل تي في بلس" و"باراماونت بلس" و"بيكوك" أسعارها. تجاوزت سعر أكبر باقة عند "نتفليكس" رسمياً عتبة 20 دولاراً، وأعلنت "ماكس" في 2024 زيادة تصل إلى 20.99 دولاراً في الباقة الكبرى، وبدءاً من الصيف الماضي ارتفعت أسعار باقة "بريميوم بلس" من "بيكوك" إلى 13.99 دولاراً شهرياً. وأما في ما يخص المشتركين القدامى فقد بات رفع الأسعار بمثابة طقس شبه سنوي.
ماذا عن "سي إن بي سي بلس"؟ لن تكون أبداً رخيصة. سيكلف الاشتراك العادي 15 دولاراً شهرياً، بينما تجمع الفئة الاحترافية تقييمات واختيارات الأسهم الإضافية بالإضافة إلى ميزة "ماي بورتفوليو" مقابل 35 دولاراً شهرياً، أي 300 دولار سنوياً. وأما المعجبون الملتزمون حقاً، فهناك أيضاً باقة "أول أكسس" تتضمن المشاركة في نادٍ استثماري عبر الإنترنت بقيادة شخصية "سي إن بي سي بلس"، جيم كرامر، تكلّف 600 دولار سنوياً.
حرب منصات البث تعيد القرصنة
في 2023، تلقّت مواقع القرصنة 141 مليار زيارة، وهو رقم قياسي وفقاً لنتائج شركة ميوزو البريطانية التي تراقب القرصنة على الإنترنت، وشركة كيرني للاستشارات. وهذا أعلى من 104 مليارات زيارة في عام 2020، و125 مليار زيارة في عام 2019. واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في زيارات مواقع القرصنة، تليها الهند وروسيا والمملكة المتحدة وكندا. ومن حيث المحتوى، استحوذت الأفلام والمسلسلات على 92% من الزيارات غير الشرعية. وفسّرت شركة "ميوزو" هذا الرقم القياسي قائلة لمجلة فاست كومباني إن أحد العوامل الرئيسية هو العدد الهائل من منصات البث المدفوعة. وقد أشار أميركيون عدة إلى أنهم سئموا من رؤية خيارات بث كثيرة وزيادة تكاليف الاشتراك، إلى جانب تجربة المشاهدة التي تتخلّلها فترات إعلانية.
محاولة لخفض الاحتقان
في محاولة لخفض الاحتقان في أسواق منصات البث بفعل غضب الجماهير المتزايد، حاولت الشركات القائمة على المنصات التدخل بأشكال عدة. سواء من خلال إطلاق منصات بث مجانية، أو تقديم باقات موحدة مكونة من منصات عدة، أو الهجوم على القرصنة لإغلاق منابعها.
وقرّرت استوديوهات "ديزني" و"وارنر بروس ديسكفري" التعاون لتقديم منصات البث "ديزني بلس" و"هولو" و"ماكس" في حزمة واحدة. وتتضمن الحزمة الجديدة خيارات مدعومة بالإعلانات وأخرى خالية منها. هذا وتقدّم شبكة ESPN الرياضية، المملوكة لشركة ديزني، أيضاً منصة بث رياضية بالشراكة مع "وارنر بروس. ديسكوفري" و"فوكس". وبالمجان تتوفر منصات بث قانونية لمشاهدة الأفلام والمسلسلات، من بينها "كراكيل" من "سوني"، التي تعرض مجموعة واسعة من الأفلام المتنوعة المجانية، ومتجر "فودو" لشراء الأفلام وخدمات التلفزيون، مع مجموعة أفلام مجانية مقابل مشاهدة الإعلانات، و"كرانشيرول" لمحبي الأنمي.
وإلى جانب إغراء المشاهد اختار مالكو منصات البث أيضاً الضرب على يد القراصنة. أُغلق موقعا البث الرياضي غير القانوني "ميثسرتيمز" و"كراكستريمز". وتقدّم تحالف الإبداع والترفيه بشكاوى ضد مواقع قرصنة أنمي شهيرة للغاية، بما فيها "أنيتاكو" الذي يحصد أكثر من 100 مليون زائر شهرياً. وعربياً تعرضت أبرز مواقع قرصنة الأفلام والمسلسلات للإغلاق تباعاً، بينها منصات ذائعة الصيت مثل "إيجي بست" و"ماي سيما"، نتيجة جهود يقودها تحالف يضم "نتفليكس" و"ديزني" و"أو إس إن" و"إم بي سي".
هل تحولت منصات البث إلى شبكات كابل؟
كانت شبكات الكابل تثقل كاهل المشاهد بالإعلانات والأسعار والقنوات التي لا يحتاج إليها، فظهرت منصات البث بديلاً عادلاً للقرصنة. كانت هذه المنصات مريحة وقانونية ورخيصة وخالية من الإعلانات، مع محتوى لمشاهدته متى ما أراد المستخدم ذلك. لكن هذه التجربة تتداعى كما يظهر من المعلومات أعلاه. تصرف المنصات المزيد من المال لصناعة المحتوى الأصلي، لذا تنتظر استخلاص الأرباح مقابل هذا الاسثمار من جيوب المشاهد، إن بإضافة المشتركين أو زيادة الأسعار أو بإضافة الإعلانات. وفي محاولة للتخفيف من الغضب تضيف المنصات المزيد من الخدمات مثل البث الحي وباقات تضم منصات عدة، وهو ما يجعل منصات البث تبدو وكأنها قد لفّت لفة كاملة في تاريخ التلفزيون، لتحوّل من جديد إلى شبكات كابل.