مناعة جسم الإنسان... باتجاه عقارب الساعة البيولوجية

14 يوليو 2021
هل يؤثر الوقت من اليوم الذي نتلقى فيه لقاح كورونا على استجابتنا المناعية؟ (Getty)
+ الخط -

عندما يتعرض الجسم إلى عدوى، أو أي تهديد، ينتقل الجهاز المناعي إلى حالة الاستنفار فورًا للقضاء عليه. ومن الشائع أنَّ جهاز المناعة لدى الإنسان يعمل بنفسِ الشكل، إذا ما تعرض الجسمُ للعدوى، بغض النظر عن توقيتها، إلا أنَّ الأبحاث المستمرة حوله أظهرت أن استجابة الجهاز المناعي تختلف بين الليل والنهار، ويعود السبب في ذلك إلى الساعة البيولوجية، فقد خلصت دراسةٌ نشرت على مجلة "نيتشر" إلى أنَّ استجابة الجهاز المناعي تتغير حسب مواعيد الساعة البيولوجية.

تطورت الساعة البيولوجية لمساعدتنا على البقاء أحياء. تحتوي كل خليةٍ في الجسم على مجموعةٍ من البروتينات تقوم بتحديد الوقت بناءً على مستوياتها في الجسم، ومثل عقارب الساعة، تقوم الساعة البيولوجية بتوليدِ إيقاعاتٍ على مدار اليوم تسمى "إيقاعات الساعة البيولوجية"، لتحدد كيفية ومواعيد عمل عناصر الجسم المختلفة، ومعرفة ما إذا كان الوقتُ ليلاً أو نهارًا، يعني أن الجسم يمكنه تعديل وظائفه وسلوكياته. فعلى سبيل المثال، تقوم الغدة الصنوبرية بإنتاج الميلاتونين عند حلولِ الليل في التوقيت المحدد لها، لأن هذه المادة تجعلنا نشعر بالتعب، ما يشير إلى أن وقت النوم قد حان.

يحتوي الجهاز المناعي على العديد من الأنواع المختلفة من الخلايا التي تقوم بدورياتٍ في الجسم بحثًا عن أي تهديد أو عدوى أو تلفٍ في الجسم، ورغم أنها وظيفتها، إلا أن الساعة البيولوجية هي التي تحدد أوقات وأماكن وجود هذه الخلايا، ففي النهار تنتقل إلى الأنسجة ومنها إلى كافة أنحاء الجسم، حيث يكون الجسم وقتها أكثر عرضةً للإصابة بالعدوى، أمَّا في الليل، فتتجمع الخلايا المناعية عند العقد الليمفاوية -والتي تعمل بدورها كنقاط حماية على طول الجسم- وهنا تقوم الخلايا بكتابة ما يشبه بالتقرير يعرف باسم "الذاكرة المناعية"، ويشمل كافة المخاطر التي تمت مواجهتها نهارًا، بما في ذلك أي عدوى، ما يضمن قدرة الخلايا المناعية على الاستجابة بشكلٍ أفضل إذا ما واجهت هذه المخاطر مرة أخرى.

لا يزال من غير المفهوم تمامًا علاقة النوم بمدى استجابة الجسم للقاحات، فقد يكون بسبب الطريقة التي تعمل بها الخلايا المناعية 

ونظرًا إلى سيطرة الساعة البيولوجية على طريقة عمل الجهاز المناعي، فليس من المستغرب أن توقيت إصابتنا بالعدوى أيضًا قد يؤثر على درجة المرض، بغض النظر عن نوع العدوى أو سببها، فقد أظهرت الأبحاث أنَّ الوقت الذي نتناول في الأدوية يلعب دورًا مهمًّا في مدى فاعليتها، فالجسم مثلا يصنع الكوليسترول ليلاً أثناء النوم، ولهذا السبب، فإن تناول دواءً لخفض مستواه قبل النوم يأتي بفائدةٍ أكبر مما لو تم تناوله في وقتٍ آخر، فالوقت يؤثر على عمل كافة مكونات الجهاز المناعي.

إن اللقاحات التي تخلق "ذاكرة مناعية" ضد ما يسبب المرض، تتأثر بالساعة البيولوجية ووقت تناول اللقاح. فقد أظهرت تجربة عشوائية أجريت عام 2016، على أكثر من 250 شخصًا بالغًا تلقوا لقاحًا مضادًا للأنفلونزا على فترتين، كانت استجابة الأجسام المضادة أعلى عند الذين تلقوا اللقاح في الصباح، وفي تجربة أخرى نشرت نتائجها العام الماضي، كان لدى الأشخاص الذين تم تطعيمهم بلقاح السل بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحًا، استجابة مناعية أكبر مقارنة بالذين تم تطعيمهم في أوقات المساء، ما يظهر أن بعض اللقاحات تعمل بكفاءةٍ أعلى بناءً على توقيت الساعة البيولوجية.

علوم وآثار
التحديثات الحية

أحد أسباب استجابة الجسم العالية للقاحات في الصباح، هو طريقة تحكم الساعة البيولوجية في النوم، فقد وجدت الدراسات أن النوم الكافي بعد التطعيم ضد التهابات الكبد الوبائي يحسن من استجابة الجهاز المناعي، عن طريق زيادة عدد خلاياه الخاصة باللقاح، ما يوفر مناعة طويلة الأمد مقارنة بأولئك الذين لم يناموا بعد التطعيم.

لا يزال من غير المفهوم تمامًا علاقة النوم بمدى استجابة الجسم للقاحات، فقد يكون بسبب الطريقة التي تعمل بها الخلايا المناعية وأماكن وجودها بحسب التوقيت البيولوجي، وهذا يثير سؤالًا مهمًا حول علاقة الساعة البيولوجية بفيروس كورونا وبرامج التطعيم الحالية، ومن المثير للاهتمام معرفة أن المستقبلات التي تسمح للفيروس بالدخول إلى خلايا الجسم تعمل أصلا تحت سيطرة الساعة البيولوجية، إلا أن هناك مستقبلاتٌ أخرى في الخلايا المتواجدة في بطانة مجرى الهواء لدينا، مما يعني أننا قد نكون أكثر عرضةً للإصابة بالفيروس خلال أوقاتٍ معينة من اليوم.

وجدت الدراسات أن النوم الكافي بعد التطعيم ضد التهابات الكبد الوبائي يحسن من استجابة الجهاز المناعي، عن طريق زيادة عدد خلاياه الخاصة باللقاح

وما زال يجب معرفة ما إذا كان الوقت من اليوم الذي نتلقى فيه لقاح كورونا، يؤثر على استجابة أجهزتنا المناعية، ذلك نظرًا لارتفاع فعالية العديد من اللقاحات، إذ أبلغ منتجو كل من لقاحي فايزر وموديرنا أن فعالية لقاحاتهم تتجاوز 90%، بالإضافة إلى الحاجة الملحة في تطعيم جميع الأشخاص وفي أي وقتٍ كان.

رغم ذلك، تبقى الكثير من اللقاحات التي لا تتمتع بنفس درجة الكفاءة، بما فيها تلك التي صُممت لتعالج أمراضًا أخرى، أو إذا قدمت لأشخاص يعانون من ضعف الاستجابة المناعية (مثل كبار السن)، لذا فإن النهج العلاجي بحسب توقيت الساعة البيولوجية قد يضمن استجابةً مناعية أفضل.

المساهمون