استمع إلى الملخص
- يتناول الفيلم قضايا فساد تشمل تلقي هدايا فاخرة وصفقات مشبوهة، ويبرز تحول نتنياهو إلى مسؤول بامتيازات غير مسبوقة، مع ربط الفساد بالعدوان على غزة وعلاقاته باليمين المتطرف.
- رغم عدم التركيز على الصراع الفلسطيني، يوضح الفيلم تورط نتنياهو في صعود حماس، مع صعوبة توزيعه في الولايات المتحدة بسبب العلاقات الوثيقة مع إسرائيل، وصدر على منصة Jolt.film.
"الفيلم الذي لا يريدك بنيامين نتنياهو أن تراه". شعارٌ يختصر كثيراً ما يتوخّى هذا الوثائقي المثير قوله. "ملفات بيبي" (The Bibi Files) بدأت عروضه للجمهور في الأسبوع نفسه الذي بدأت فيه محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بتهم فساد ورشوة. الوثائقي، الموجّه بالأساس إلى الجمهور الغربي والإسرائيلي، سيساعد مَن لا يزال متشكّكاً في دناءة نتنياهو على اكتشاف كيف أصبح رئيس وزراء إسرائيل أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل وسيئة السمعة اليوم، بعيداً من كونه مجرم حرب عتيدا كما نعرف جميعاً.
يكشف "ملفات بيبي" عن حالات فساد مختلفة يُفترض أن بنيامين نتنياهو وأفراد عائلته متورّطون فيها، ويُظهر مقاطع مصوّرة من استجوابات شرطية سُربت للمنتج أليكس غيبني، ولم تُعرض للجمهور حتى الآن. الفيلم، المختار ضمن اللائحة القصيرة لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي، من إنتاج الفائز بجائزة أوسكار أليكس غيبني، وإخراج المرشحة لجائزة إيمي، الجنوب أفريقية أليكسيس بلوم.
أثار العمل ضجة كبيرة في مهرجان تورنتو السينمائي قبل ثلاثة أشهر، حيث أمكن عرضه بالرغم من طلب الحظر الذي تقدّم به نتنياهو في إحدى محاكم القدس ورفضه القضاء. ورغم ذلك، حتى الآن لا يمكن عرض الفيلم داخل إسرائيل، لأن قانون الحقّ في الخصوصية يتطلّب إذناً صريحاً من أي شخص صُوّر أو له تسجيلات (رغم ذلك يجد الإسرائيليون طرقاً لمشاهدة الفيلم).
يبدأ "ملفات بيبي" بمشهد لرئيس الوزراء الإسرائيلي جالساً مع محقق شرطة أثناء استجواب رسمي. يقول الأخير باحترام: "بعض القواعد، سيدي رئيس الوزراء". هذه ليست بداية واعدة للتحقيق الجنائي الواسع النطاق الذي أجري بين عامي 2016 و2018 في مزاعم تفيد بأن نتنياهو قبِل هدايا من أثرياء وأقطاب إعلام. (بدأ نتنياهو الإدلاء بشهادته في المحكمة قبل أسبوعين، في ما أُطلق عليه محاكمة القرن في إسرائيل. وقد وصف قضايا الفساد الثلاث المنفصلة بأنها أكاذيب كاملة). وكما يقول أحد مؤيديه في التسريبات: "كل أصدقاء بيبي أغنياء. ماذا يمكنني أن أقول؟ إذا ظهر هذا فأنا ميّت".
عندما استجوبته الشرطة، اعترف أرنون ميلشان، المنتج الحائز على جائزة أوسكار عن فيلمي "ذا ريفينانت" و"12 ييرز إيه سليف"، بالعديد من التبرعات الباهظة، بما في ذلك سيجار وشمبانيا ومجوهرات فاخرة لزوجة نتنياهو، سارة التي تنفي أن تكون "طلبت شخصياً خاتماً وقلادة"، قبل أن تصرّ على أن زوجها "يُعامَل مثل الملك" في جميع أنحاء العالم.
مشهد وراء الآخر، يتكشّف عمق فساد نتنياهو. ثمة همهمات حول توفير تغطية إيجابية مع أحد مزوّدي الإنترنت الرئيسيين في إسرائيل، وتدخّل في وسائل الإعلام، ورشاوى مزعومة لعقد غواصة، وعلامات استفهام حول تعيينات سياسية. هذه الوفرة تؤكد وجود انشقاق/اختراق عميق خلف الكواليس، إذ سُرّبت لقطات واسعة النطاق لتحقيقات الشرطة، تمتد لآلاف الساعات، عام 2023، إلى المخرج أليكس غيبني. هذه التسجيلات تكمّل وتضع في سياقها شخصيات مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، والصحافي الاستقصائي رافيف دراكر، ورئيس جهاز الأمن الداخلي السابق عامي أيالون.
ويبدو أن "بيبي"، كما يلقّبه أصدقاؤه الأثرياء، غير قادر على تذكّر أي شيء أثناء التحقيقات. والواقع، أن حقيقة الاتهامات أو عدمها لا تبدو مهمّة مقارنة بقتل أكثر من 45 ألف فلسطيني على مدى العام الماضي، وتشريد مليوني إنسان وإفشال إمكانية الحياة في جغرافيا بحجم قطاع غزة. وكما لاحظ عديد المعلّقين، فالفساد المنهجي من النوع الموصوف هنا يخلق الحاجة إلى ضباب حرب دائمة تقدّم مهرباً للأمام لهذا السياسي الألعبان والمجرم المتبجح، الذي لا يدانيه في صلافته ودناءته سوى نجله يئير وخليفته المفترض، الذي يذهب إلى حدّ توبيخ الشرطة ومقارنتها بـ "ستاسي" و"الغيستابو" (الشرطة السرّية في ألمانيا الشرقية والنازية على التوالي). وكأنهم يعرفون أن لا شيء يمكن أن يمسّهم.
يقول الفيلم إنه قبل نحو عشر سنوات تحوّل نتنياهو من كونه زعيماً سياسياً يمينياً إلى مسؤول حقق امتيازات غير مسبوقة، سمحت له بتبرير فساده وإسكات المعارضة. تربط أطروحة الفيلم الوثائقي فساده بالحرب الحالية في قطاع غزة، فعلاقات نتنياهو الوثيقة بقوى اليمين المتطرّف وحاجته إلى عرقلة العملية القضائية ضده، من شأنها تفسير هذا العدوان الإجرامي على الأراضي الفلسطينية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. يقول المنتج أليكس غيبني: "ما نعرضه هو الحالات التي تمتلك الشرطة أدلة عليها فقط. لكن من الواضح أن نتنياهو يخشى ظهور اتهامات أخرى عندما لا يصبح رئيساً للوزراء".
ويدافع غيبني وبلوم عن نفسيهما ضد اتهامات معاداة السامية التي تلقّاها الفيلم الوثائقي وسيتلقّاها في المستقبل. تقول بلوم: "من الواضح أن الفيلم ليس معادياً للسامية أو معادياً لإسرائيل. كل الأشخاص الذين قوبلوا في الفيلم إسرائيليون، وباستثناء شخص واحد، جميعم يهود. وهم جميعاً ينتقدون نتنياهو، وإذا نظرنا إلى استطلاعات الرأي، فإن 70% من سكّان إسرائيل ينتقدونه أيضاً. ولا بد أن يكون من الممكن انتقاد نتنياهو من دون أن يُنظَر إلى ذلك باعتباره معاداة للسامية. فهو ليس اليهود كلّهم. وهو ليس إسرائيل".
ورغم أن الفيلم لا يتناول المسألة الإسرائيلية الفلسطينية مباشرةً، فإنه يشرح كيف تورّط نتنياهو في صعود حماس لتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية. يضيف المخرج: "الفيلم لا يتحدّث عن السابع من أكتوبر أو الحرب في غزة، أو في لبنان، بل يتحدث عن نتنياهو وعائلته. ولكن عندما نتحدث عن إسرائيل الآن، فالحرب تشغل أذهان الناس. ولا يوجد أي سبيل للالتفاف على تلك الحقيقة".
يسلّط الفيلم الضوء على مدى عدم اهتمام الصحافة الدولية بمزاعم الفساد، في حين كانت الأخبار المتعلقة بالحرب موضع اهتمام. بالنسبة لألكسيس بلوم، لا يتعلّق الأمر بـ"إفلات نتنياهو من العقاب"، بل باهتمام وسائل الإعلام المحدود والتركيز على الحرب "والضياع في المشاكل الداخلية". تقول بلوم: "يبدو الأمر وكأن جميع البلدان مهتمة فقط بمشاكلها الداخلية، وكان المجال محدوداً ما لم تكن خبيراً في السياسة الخارجية".
بيعَ فيلم نتنياهو لعدة دول، ولكن توزيعه في الولايات المتحدة لم يكن سهلاً، "ربما بسبب العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، كما يقول غيبني. صدر الفيلم مباشرة على منصة البث المدفوع Jolt.film. وكما توضّح أليكسيس بلوم: "رغم أن إسرائيل تظهر في الصحف كل يوم، إلا أن لا أحد يريد الاقتراب من هذا الفيلم. اعتقدت أنا وأليكس أنه بدلاً من الاضطرار إلى تقديم تنازلات، مثل حذف الأجزاء الأكثر إثارة للجدل، يجب علينا اعتماد خيار آخر يمكن أن تقدّمه لنا التكنولوجيا، مثل Jolt. ظهرت خدمات البث فجأة وأصبحت في كل مكان بسرعة. ربما يمكن أن تكون Jolt منصة موجودة في كل مكان للأفلام التي لا تريد أو تخشى خدمات البث إصدارها".
أنهت المخرجة الفيلم مع اقتراب المحاكمة والحرب في بدايتها، لكنها اضطرت إلى إنهاء الأمر "في مرحلة ما". تقول إنه كان من الضروري أن تأخذ "خطوة إلى الوراء" وتدرك أن الصحافة كانت تؤدّي وظيفتها، لكن وظيفتها كانت مختلفة. الشيء الوحيد الذي كان سيتغيّر "لو استقال أو أزيل من السلطة"، وكانوا يعرفون أن هذا غير مرجح للغاية: "قال لي جميع زملائي الإسرائيليين، لا تقلقي، لن يترك السلطة أبداً. هذا لن يحدث. كنت سأسعد لو حدث ذلك. لم يكن هذا جيداً لفيلمي، لكنني كنت سأضّحي به من أجل نهاية جيّدة كهذه".