معركة الرأي العام: رواية إسرائيل لا تقنع الجيل الجديد

10 ديسمبر 2023
بدأ تارأي العام العالمي يشكّك بسردية الاحتلال (Getty)
+ الخط -

رصدت دراسة جديدة تحولاً في الرأي العام العالمي تجاه الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المتواصل على غزة منذ أكثر من شهرين. وكشفت الدراسة أن إسرائيل تخسر الدعم تدريجياً، وتتراجع سرديّتها، مع تراجع أهمية الإعلام التقليدي لصالح مواقع التواصل الاجتماعي. 
وذكرت ورقة علمية بعنوان "تحولات الرأي العام الدولي وطوفان الأقصى" أعدّها وليد عبد الحيّ لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، أن إسرائيل تنبّهت إلى خطورة التحولات في مجال انتقال الإعلام من الاحتكار إلى المشاركة الشعبية.
وتقول الدراسة إن دولة الاحتلال أدركت أن انتهاء الاحتكار الإعلامي بدأ يزعزع الصورة التي رسمتها لنفسها في الذهن الدولي، وأقرّ عدد من المسؤولين والكتّاب الإسرائيليين بذلك.

تراجع السردية الإسرائيلية

لاحظت الدراسة تغيراً في توجهات الرأي العام في الولايات المتحدة خلال شهر تقريباً من عملية طوفان الأقصى، إذ تراجعت نسبة المطالبين بدعم إسرائيل من 41 في المائة (عند السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) إلى 32 في المائة (بعد 41 يوماً من المواجهة).
كذلك، يؤيد 68 في المائة من الأميركيين وقف إطلاق النار، خلافاً للموقف الرسمي الأميركي والإسرائيلي. وارتفعت نسبة الذين طالبوا باتخاذ الولايات المتحدة موقفاً محايداً من 27 في المائة إلى 39 في المائة. 
ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، إن "التأييد الذي يحظى به الفلسطينيون في وسائل التواصل الاجتماعي الصينية على سبيل المثال يعادل 15 ضعف التأييد لإسرائيل".
وأشار تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن 182 تظاهرة مؤيدة لإسرائيل شهدتها الولايات المتحدة، في مقابل 402 تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ومعارضة للاحتلال، بينما رصد المعهد 359 تظاهرة مؤيدة للاحتلال حول العالم، مقابل 3482 تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين وسكان قطاع غزة.

في نيويورك (مايكل نيغرو/ Getty)

وحلّلت الورقة العلمية مضمون 1080 عنواناً من صحف ومواقع إلكترونية غربية وآسيوية وأفريقية وأميركية لاتينية، ووصلت إلى أن 67.2 في المائة منها مؤيد للفلسطينيين، و29.3 في المائة فقط لإسرائيل. 

فلسطين إلى الصدارة

أدى طوفان الأقصى إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا الدولية بعدما كانت أزمات دولية أخرى تجذب الاهتمام الدولي، مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، واحتمالات المواجهة الأميركية الصينية حول تايوان، والمشاكل الفرنسية في القارة الأفريقية، خصوصاً في الأشهر الأخيرة.
وكشف استطلاع للرأي أجري بين 20 و23 أكتوبر الماضي في بريطانيا أن 69 في المائة من المستجوبين يتابعون باهتمام كبير مجريات العدوان على غزة، مقابل 62 في المائة يتابعون الحرب الروسية على أوكرانيا.
وذكر 74 في المائة من المستجوبين أنهم مهتمون بموضوع المدنيين الفلسطينيين، مقابل 71 في المائة مهتمين بالمدنيين الإسرائيليين. وكانت الشريحة المؤيدة للفلسطينيين تراوح أعمارها بين 18 و34 عاماً، بينما الشريحة السكانية المؤيدة للاحتلال تراوح أعمارها بين 55 و75 عاماً.

إسرائيل تخسر معركة الرأي العام

تقول الدراسة إن الاتجاه الأكبر في الصحافة الغربية يشير إلى أن إسرائيل خسرت المعركة الإعلامية بعد "طوفان الأقصى"، إذ بدأت أغلب تقارير المنظمات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة تشكك كثيراً في الروايات الإسرائيلية، خصوصاً عند تغطية جرائم من نوع قصف واقتحام المستشفيات (الأهلي المعمداني والشفاء بنحو خاص)، وتبرير قتل المدنيين من الأطفال والنساء، وقصف مراكز الإيواء، وقتل المدنيين في أثناء نزوحهم نحو الجنوب.
ولاحظت الدراسة أن الصورة "الإرهابية" التي تقدمها إسرائيل عن العرب أصبحت أقل قابلية للتصديق مع الارتفاع المتواصل في عدد الضحايا المدنيين من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وهو ما يعني أنها ستواجه في كل مرة تحاول تقديم نفسها بشكل إيجابي أو تقارن الطرف الفلسطيني بجهات متطرفة، بالتشكيك في رواياتها، في ظلّ الصورة الحالية للسلوك الإسرائيلي في غزة، التي أصبحت مرجعية في ذهن المتلقي.

تغيّر في الرأي العام البريطاني (فيل لويس/ Getty)

وفي الأسابيع الأخيرة باتت تقارير كثيرة  من وسائل الإعلام الغربية والمنظمات الدولية تناقض الرواية الإسرائيلية عن "الوجود العسكري للمقاومة" في المستشفيات أو المدارس، وهو ما سيعزّز الشكوك مستقبلاً في الروايات الإسرائيلية.
وتؤكد الدراسة أن عودة أي مسؤول إسرائيلي للحديث عن الهولوكوست أو معاداة السامية سيُردّ عليه بتذكيره بما فعلته حكومته في غزة، وهو ما سيجعل الاحتلال أقل ميلاً لتكرار الحديث عن الهولوكوست، لأنه مارس فظائع مشابهة في القطاع، وهي فظائع موثقة بالصوت والصورة والفيديوهات والشهادات الحية، وتبثّ مباشرة عبر الشاشات يومياً منذ السابع من أكتوبر.
ودلّت المؤشرات في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على أن الأجيال الشابة أكثر تعاطفاً مع الموقف الفلسطيني، وهو أمر تعزز بشكل واضح في فترة ما بعد الطوفان، وهو ما يعني أن احتمالات التغير التدريجي في اتجاهات لا تتناسب مع السياسة الإسرائيلية أمر سيتزايد.
ومع أن الدراسة معنية بالرأي العام الشعبي، إلا أن التصويت في الأمم المتحدة، وبيانات الأمين العام للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وعدد الدول التي سحبت سفراءها أو احتجت على السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، تعزّز من تحولات الرأي العام في هذه الدول بشكل أو بآخر.

المساهمون