معرض "مدن برّاقة"... رحلة على شواطئنا يقودها "أبي فوق الشجرة"

07 مايو 2023
يقام المعرض في غاليري زاوية في مدينة البيرة الفلسطينية (العربي الجديد)
+ الخط -

ما إن تدخل من بوّابة غاليري زاوية في مدينة البيرة الفلسطينية للتجوال في معرض "مدن برّاقة" للفنانة التشكيلية إيناس ياسين، حتى يقع بصرك على لوحة تجريبية مستوحاة من ملصقي فيلمي "أبي فوق الشجرة" (1969) و"الخطايا" (1962) لعبد الحليم حافظ (1929 – 1977).

وتتخذ الفنانة الفلسطينية من الفيلم المصري المنتج عام 1969 نقطة مرجعية بصرية وأرشيفية للأماكن العامة في المنطقة العربية، وتحديداً شواطئ البحر المتوسط التي تتشاركها أكثر من مدينة، وتظهر منها بيروت والإسكندرية في هذا الفيلم، فيما يتشعب مفهوم المعرض في مجموعة من المسارات التي تلتقي جميعاً تحت موضوع التحوّلات الحضرية التي طرأت على المدن العربية، بما في ذلك الفلسطينية، وتحديداً شواطئها، محاولة استكشافها بصرياً، وربطها بتجاربها الشخصية وما شهدته بنفسها من تحوّلات.

معرض إيناس ياسين

وتستكشف إيناس ياسين هذه التطورات التي طرأت على المدن من خلال ما حلّ بالشواطئ التي ظهرت في فيلم "أبي فوق الشجرة"، لتستنتج بصرياً أن الأمور باتت قاتمة ومعتمة، وأن الأحوال تتجه نحو الأسوأ. بينما لا يستطيع الكثير من الفلسطينيين الوصول إلى شواطئ بحرهم بسبب الاحتلال الذي سطا منذ عام 1948 عليها، فإن شواطئ مدينة بيروت، وتحديداً شاطئ الروشة الذي ظهر في الفيلم، دمرته وحجبته مشاريع عقارية استثمارية عن البصر، وهو ما ينعكس في اللوحات على مستوى اللون والتكوين والمواد المستخدمة.

وكان لافتاً اختيار إيناس ياسين في معرضها، أو مشروعها الفني الجديد، ملصق الفيلم عنواناً بصريّاً، بعد إضافة شارتين حمراوين، واحدة تشير إلى عرضه في سينما الوليد، وهي دار سينما في مدينة رام الله شُيّدت عام 1955 وهدمت عام 2008، بعد توقف عن العمل لسنوات، ليحل محلها مبنى تجاري، مشيرة إلى تاريخ عرض افتراضي "الاثنين الموافق 12/7/2010 الساعة الثامنة مساءً"، في حين تشير الثانية إلى أن العرض مجانيّ. وقالت إيناس ياسين لـ"العربي الجديد": "كنت قد عثرت قبل هدم سينما الوليد على ملصق لفيلم أبي فوق الشجرة، وفيه الكثير من المشاهد للإسكندرية وبيروت، وشكل الفيلم في أذهاننا صورة أيقونية لمثل هذه المدن، وخاصة مشاهد البحر والشواطئ التي ارتبطت بمدينة رام الله حيث عرض الفيلم وعثرت على ملصق له، وعلاقة أهلها وسكانها ذات الطابع النوستالجي بالبحر في يافا وغيرها من مدن الساحل الفلسطيني".

وفي معرضها، تمضي ياسين في مسار آخر، لتربط فيلم "أبي فوق الشجرة" بملصق الفيلم الذي ثبّت على جدار في واجهة مبنى سينما الوليد وسط مدينة رام الله، قبيل هدمها عام 2008، ليشهد ملصق الفيلم المعلق تحوّل مبنى السينما إلى ركام إيذاناً ببدء بناء مشروع استثماري جديد، حينذاك. وفي اللوحة المفتاحية التي هي واحدة من بين خمس عشرة لوحة تشكل بمجموعها "مدن برّاقة"، وتحمل عنوان "نيغاتيف 3"، ثمة قطع لملصق فيلم "أبي فوق الشجرة" كانعكاس لقطع ما في الذاكرات الفردية والجمعية لجيل الثمانينيات في المدينة الفلسطينية والعربية، ولانكسار ما في المشهدية العامة لمدن عربية كرام الله وبيروت والإسكندرية، في حين شكلت اللوحتان المجاورتان، وتحملان العنوان نفسه مع اختلاف الترقيم، سلسلة معها، عبر محاكاتهما آلات البث السينمائي والشاشات في دور السينما التي تلاشت، في ما يشبه خريطة متخيلة تحاكي خرائط المدن من جهة، والتكوين الجسماني الداخلي من جهة أخرى.

معرض إيناس ياسين

وقالت الفنانة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إن "معرض مدن برّاقة يحوي مجموعة من الأعمال التي أنجزت على مدار عشر سنوات في الفترة بين 2007 و2017، وتتناول التحوّلات في المدينة الفلسطينية، سواء رام الله التي أعيش فيها أو تلك المدن التي بنيت تصوّرات عنها من خلال الأفلام وثقافة التلفزيون في ثمانينيات القرن الماضي، ففي رام الله كنت أرصد على مدار العقود الماضية مثل هذه التحوّلات، وخاصة هدم دور السينما، والأفلام التي كانت تعرض فيها، وما تبقى من ملصقات تلك الأفلام، وكانت نقطة انطلاق لمشروع فني يتواصل".

وترصد اللوحات التي تتخذ طابعاً تجريدياً في محاكاة لواقع معتم غلف تلك الأماكن التي كانت حميمة وبرّاقة في ذاكرة متابعي الأفلام، أو زوّارها في مراحل سابقة، في حين اتخذ بعضها طابعاً توثيقياً لمبانٍ كان لها حضورها في ذاكرة هذه المدن، ولم تعد موجودة، كمطعم "البردوني" في رام الله الذي استمر لعقود جزءاً أصيلاً في المدينة، قبل تحويله إلى مركز تجاري يحمل الاسم نفسه. 

معرض إيناس ياسين

وعن ذلك، أشارت صاحبة المعرض إلى أن "التجريد يأتي كمحاكاة لصورة متخيلة عن المدن الفلسطينية والعربية بمناخاتها الجديدة، وبما يعكس ذلك الإحساس المرتبط بفكرة الفقدان من جهة والحنين إلى الماضي من جهة أخرى، والأهم هو توسيع منظار الرؤية للمدينة العربية وعلاقتها بالبحر". وتتوزع لوحات المعرض ما بين ثلاثية عنوانها "داخل الصخرة"، و"ليلة مرصّعة بالنجوم"، و"سمك ميّت"، و"نزهة مُجمّدة"، و"غابة"، و"أبراج في بيروت"، و"دفقة"، و"منبوذ"، و"أبراج سوداء"، و"بحر في السواد"، بالإضافة إلى ثلاثية "نيغاتيف".

المساهمون