تحاول باريس إعادة الروح إلى الحياة الثقافية والفنية رغم كل الصعوبات والقيود التي يفرضها وباء كورونا. ومع نهاية العام الماضي، استضافت العاصمة الفرنسية فعاليات "مهرجان الأنوار"، فكانت هناك فعاليات خاصة بالإضاءة ليلاً في مختلف أنحاء العاصمة باريس، أبرزها إضاءة نهر السين بمجسمات خاصة، وإضاءة مجسمات تعكس رحلة تطور الحياة على كوكب الأرض في حديقة النباتات التابعة لـ"متحف التطور الطبيعي" الذي سيبقى مفتوحاً حتى نهاية الشهر الحالي.
هذه ليست المرة الأولى التي يستضيف فيها "متحف التطور الطبيعي" في باريس فعاليات خاصة بالإنارة. فعام 2018، أنار المتحف حديقة النباتات لأول مرة بمجسمات ضخمة للحيوانات المهددة بالانقراض، مصنوعة بشكل يدوي على طريقة المصابيح الصينية. كانت الفكرة من المعرض الأول ضمن هذه السلسلة نشر التوعية بخصوص الحيوانات المهددة بالانقراض.
وعام 2019، أعاد المتحف إنارة حديقته بمجسمات خاصة بالكائنات البحرية في محاولة لنشر التوعية حول التلوث البيئي الذي قد يهدد حياة هذه الكائنات.
واليوم، يعود المتحف لإنارة حديقته للمرة الثالثة، بعد انقطاع لمدة عام واحد بسبب جائحة كورونا، وتم اختيار إنارة الحديقة بمجسمات لحيوانات ونباتات لم يستطع الإنسان معاصرتها، فهي كائنات كانت موجودة قبل ملايين السنين وسبقت وجود الإنسان؛ وذلك بهدف التثقيف حول تطور الحياة على سطح الأرض التي يجهل تفاصيلها الكثيرون.
تكمن أهمية المعرض في أنه يجمع بين الفن والعلم، إذْ يعتمد على الإبهار البصري من خلال المجسمات المضيئة لتقديم معلومات مهمة حول العصور الجيولوجية التي مرت بها الأرض وأشكال الحياة عليها.
قُسِّم المعرض إلى أربعة أقسام: الأول عن نشأة الحياة، ليرصد أشكال الكائنات التي كانت موجودة منذ تكون الأرض قبل 3.700 مليون سنة، وحتى نهاية العصر الجيولوجي الأول قبل 490 مليون سنة؛ ويحتوي القسم على مجسمات لكائنات ميكروبية بدائية أحادية الخلايا، بالإضافة لبعض الكائنات البحرية.
القسم الثاني هو عن حقب الحياة القديمة التي بدأت قبل 490 مليون سنة وانتهت قبل 250 مليون سنة. يحتوي هذا القسم على مجسمات لأول النباتات على سطح الأرض، بالإضافة لبعض الحشرات الضخمة وبعض الفقريات والكائنات البحرية.
والقسم الثالث عن حقب الحياة المتوسطة، التي بدأت قبل 250 مليون سنة وانتهت قبل 66 مليون سنة، ويحتوي على مجسمات للديناصورات وبعض السحالي الغريبة.
أما القسم الأخير فهو عن حقب الحياة الحديثة، التي بدأت قبل 66 مليون سنة. وتوجد في هذا القسم مجسمات لأول الديناصورات الطائرة، بالإضافة لبعض الثدييات التي انقرضت، كالماموث والنمور ذات الأنياب الكبيرة.
عندما تزور المعرض، ستشعر لوهلة بأنك تشاهد مجسمات لكائنات أسطورية كالتي اعتدنا على تخيلها في الحكايات المتخيلة؛ لكن فعلياً جميع المجسمات كانت لكائنات حقيقية تم اكتشافها من خلال الحفريات، وجميع تلك الحفريات التي تثبت وجودها في متحف التطور الطبيعي، وقد تم تشكيلها بالإضاءة بحجمها الطبيعي، إذ يبلغ طول بعض المجسمات 30 متراً، وبجانب كل مجسم توجد لوحة تعريفية فيها معلومات عنه، وقد ساهم بكتابة المعلومات والشروحات علماء الأحافير الذين يعملون في المتحف.
في نهاية المعرض، تندمج المجسمات المضيئة في حديقة الحيوان التابعة للمتحف التي تضم حيوانات مهددة بالانقراض أبرزها الباندا الأحمر، وتبدأ المجسمات بالاختفاء تدريجياً بعد ظهور مجسمات مضيئة للإنسان البدائي، ليوحي لنا هذا الترتيب بأن الإنسان هو أحد أسباب انقراض بعض الكائنات التي عشنا رحلة ضوئية خاطفة معها.