أتمّت منصة "آبل تي في" عرض الموسم الثاني من مسلسل Slow Horses يوم الجمعة الأخير من العام الماضي. يندرج العمل تحت تصنيف الجاسوسية، مراوحاً بين الكوميديا والإثارة. اللافت أن منصة البث قدّمت موسمين في ذات السنة، عُرضا توالياً في الربيع ونهاية العام، بعد تصويرهما المتعاقب.
نال المسلسل كثيراً من الأصداء الإيجابية، وتم تجديده لموسميالجاسن ثالثٍ ورابع، أُنجز تصويرهما بذات الطريقة، مع إغفال موعد العرض المنتظر. وبالنظر إلى أن العمل اقتباسٌ لسلسلة كتب Slough House للمؤلف ميك هيرون؛ فأمامنا رحلةٌ ليست بالقصيرة؛ إذ بلغ عدد الكتب المنشورة ثمانية، بانتظار جزءٍ ختاميٍّ يصدر هذا العام.
استخباراتيون فاشلون
أمضى هيرون جلّ مسيرته العملية مدققاً لغويّاً، قبل نشره سلسته الأكثر مبيعاً، ويشير إلى أنّه اتبع نظرية اكتب ما تعرفه، وهو لم يعرف سوى المغفلين ومخيبيّ الآمال، ووظف هذه المدارك ضمن قصصه البوليسية والجاسوسية.
يُعاكس المسلسل في ثيمته نوع الجاسوسية والاستخبارات المعتاد، فالعملاء الذين نراقب يومياتهم والقضايا التي يتولونها، ليسوا ألمعيين ولا يمتلكون المهارات العالية في التخفّي والمراقبة والاستنتاج، ناهيك عن المهارات القتالية، أو أيٍّ من مميزات البطولة. جميعهم في مكتب منبوذ من مكاتب الاستخبارات البريطانية، لأسباب مختلفة، لكن لحاجة وحيدة هي ألّا يقوموا أو يشاركوا بأي فعلٍ أو مهمةٍ، بالأحرى كي لا يسببوا الخراب أينما حلّوا، بعد قيام كلّ فردٍ منهم بارتكاب خطأ جسيمٍ في مقتبل مساره المهنيّ.
يدير المكتب جاكسون لامب، وهو عميلٌ مسنٌّ غارقٌ في كحوله وتدخينه، يؤدّي دوره باقتدارٍ الفنان غاري أولدمان. يحرص جاكسون لامب على منح موظفيه، ذوي الأعمار الشابّة، مهام عشوائية تبقيهم بعيدين عن أي مساسٍ بأمن البلاد، ويسعى العملاء الفشلة إلى إيجاد سبيلٍ يخلصهم من عقوبتهم الإدارية، ليعودوا إلى مصاف العملاء ذوي العمل الحقيقي.
غطّى كلّ موسمٍ قضيّة أساسية، مع إبقاء لغز الحكاية الأصلية عن لامب، وسبب وجوده في هذا المكتب. اتخذ المسلسل من صراع الجواسيس إبّان الحرب الباردة خلفية لأحداثه، مركزاً على كيفية التعامل مع ما تبقى من مخلّفات ذلك الصراع بعد سقوط جدار برلين، ولا سيّما مع جواسيس متقاعدين، ما زالوا يحتفظون بأسرارٍ وخفايا من تلك الحقبة، مع احتمال تنشيط خلايا نائمة في أيّ لحظة.
لا يدّعي المسلسل الذكاء. على النقيض من ذلك، يأخذ درب الحلول السهلة والتفاسير البسيطة. فكما هي الحال في هذا النوع الفني، ليست للحبكة وتعقيداتها القدرة على الإقناع، وكلما غالت بالمكر والخداع وتضليل المشاهد فقدت واقعيتها. يحافظ السيناريو على بلاهة أبطاله، إذ يسهل التلاعب بهم، وسرعان ما يتحولون إلى ضحية عندما لا يتّبعون البروتوكولات. لا مجال للبطولة في مسلسل جاسوسيّ يمسك عناصر من جيمس بوند ويرهقها تهكّماً، ثم يتيح المجال لتدنيس رمزية هذه الأجهزة الاستخبارية، مذكّراً في كل مرّةٍ بأن أبطالنا محض حمقى، وهم في هذا المكتب لأسبابٍ وجيهة.
قد تكون السخرية والكوميديا العنصرين الأكثر نجاحاً في المسلسل، إلّا أنه لا يُخيّب في قدرته التشويقية، ووضع شخصياته في الخطر المحدق، ويستطيع جعل المشاهدين في غاية الترقّب، بحثاً عن سُبل نجاةٍ لأرواح الشخصيات التي تُزهق بواقعيةٍ شديدة.
يتيح مناخ المسلسل مجالاً للعيوب في الشخصيات، لتكون جانباً أساسيّاً في تكوينها، بدل أن تظهر بشكل مفاجئ بين حينٍ وآخر، فهناك العميل المقامر، والنسّاء، كذلك المدمن. هذه الصفات مفتاحية لمعرفتنا بالشخصيات، وطرق تعاملها مع رذائل أصحابها التي أوصلتهم بشكلٍ أو بآخر إلى حتفهم الوظيفي.
لا بدّ من الإشارة إلى المقدمة الموسيقية Strange Game التي كتب كلماتها ويؤدّيها ميك جاغر من فرقة The Rolling Stones، كونه أحد قرّاء الكتب ومن معجبي النوع الفني المشاكس لثيمات الجاسوسية المعتادة، إذ يمنح صوته كآلة موسيقية مرافقةٍ لكثيرٍ من اللقطات.
موسمان والقادم أكثر
تمتلك بنية المسلسل عناصر التجديد الكافية؛ فقد شهد الموسم الثاني تقديم شخصياتٍ جديدة وافدةٍ إلى المكتب، ومغادرة أخرى مع نهاية الأول. وقد صرّح غاري أولدمان عن سعادته بالتجربة، واستعداده لخوض المزيد من المواسم، بالنظر لتوافر المادّة الأصلية. ولا يخفي سعادته بالشخصية التي يؤدّيها ومدى بذائتها وإهانتها للشخصيات الأخرى على الدوام.
ركّز الموسم الأول عن كتاب Slow Horses على اختطاف كوميديان مسلم من قبل جماعة متطرفةٍ يمينية، وانصبّ اهتمام الموسم الثاني على بواقي الاستخبارات السوفيتية، مع إبقاء الروح الخاصة بيوميّات المكتب المهمَل. مع هذا، لا نستشعر غرابةً في التنوّع الإثني للشخصيات، وبذلك ينجو المسلسل من التنويع المُقحم، ويحافظ على مسافةٍ بين تمثيل المكونات والأعراق وبين مسارات الحكاية وما تفرضه من شخوص.
انتهى الموسم الثاني بأسئلةٍ أقلّ من سابقه، وبانتظار الموسم الثالث عن كتاب Real Tigers، يُتوقع أن يحصد المسلسل نصيباً وافراً من الجوائز بعد تجاهل موسمه الأول في جوائز إيمي ونيله كثيراً من الاحتفاء النقدي مقارنةً بإنتاجات "آبل" الأخرى، خصوصاً بقدرته على إعادة نوعٍ فنيّ إلى الواجهة، نوعٌ محببٌّ وأثير للمتابعين، لولا أنه لم يعمّر جيداً بعد أن اعتاش طويلاً على العنصرية والصور النمطية لشعوبٍ وأجناسٍ وأديان.