مسلسل حرب تشرشل: رئيس الوزراء بأخطاء فادحة منسية

07 يناير 2025
لا يتردّد المسلسل في تناول تناقضات تشرشل (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يستعرض مسلسل "حرب تشرشل" حياة ونستون تشرشل وتأثيره خلال الحرب العالمية الثانية، مع التركيز على استراتيجياته القيادية وتحدياته ضد النازية، لكنه يواجه انتقادات لاختيارات المعلقين وتفسيرات سطحية.

- يغطي المسلسل حياة تشرشل من نشأته إلى صعوده السياسي، مسلطاً الضوء على قراراته المثيرة للجدل مثل قصف درسدن ومجاعة البنغال، لكنه يفوّت فرصة استكشاف المعضلات الأخلاقية بعمق.

- يتميز المسلسل باستخدام لقطات أرشيفية مستعادة، لكنه يعاني من تشتت السرد بسبب التمثيلات الدرامية، مما يجعله مناسباً لمحبي التاريخ الباحثين عن تأكيد لصورة تشرشل كزعيم مثالي.

عدد نادر من الشخصيات التاريخية امتلكت تأثيراً دائماً مثل ونستون تشرشل، الزعيم البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية. يَعِد مسلسل جديد يحمل عنوان "حرب تشرشل" (Churchill at War)، من إنتاج "نتفليكس"، باستكشاف إرث رئيس الوزراء البريطاني السابق عبر الغوص في مساره الشخصي واستراتيجياته القيادية والمعضلات الأخلاقية التي طبعت حياته المهنية. ولكن هل يقدم الإنتاج شيئاً مبتكراً حقاً؟ أم إنه ببساطة يعيد النظر في تضاريسٍ استُكشفت بالفعل؟
كما يوحي العنوان، يدور هذا المسلسل حول أهمية تشرشل ونهجه أثناء الحرب العالمية الثانية. كان هو الرجل الذي حذّر من الخطر الهائل المتمثل في أدولف هتلر ونزوعه إلى الحرب. لسنوات، حاول البريطانيون، تحت قيادة نيفيل تشامبرلين، الحفاظ على سلامٍ زائف من خلال تقديم تنازلات صادمة لهتلر. حتى إن تشامبرلين سمح للفوهرر بالاستيلاء على تشيكوسلوفاكيا. وبما أن تشرشل كان الوحيد تقريباً الذي أشار إلى الخطر المحدق بمهارة خطابية كبيرة، فقد كان المرشّح الوحيد القادر على حماية بريطانيا العظمى بإقناع ضد الغزو الألماني المحتمل، وقد فعل ذلك بمهارة.
يقدّم المسلسل، الموزّع على أربع حلقات، سرداً يجمع بين لقطات أرشيفية ملوّنة ودراماتيكية ومقابلات مع خبراء وسياسيين، بما في ذلك بوريس جونسون وجورج دبليو بوش، والجنرال السابق ومدير وكالة المخابرات المركزية السابق ديفيد بترايوس. الأولان خياران مؤسفان إلى حد بعيد. في النهاية، ليس لدى بوش الكثير ليقوله، فيما يتصرّف جونسون وكأنه أعظم استراتيجي وديمقراطي في السنوات السبعين الماضية. من المشكوك فيه أن يسمح مخرجون، مثل أليكس غيبني وإيرول موريس، لهؤلاء الأشخاص بالتحدث من دون التعامل معهم نقدياً.
تغطّي الحلقة الأولى، بعنوان "عاصفة وشيكة"، حياة تشرشل المبكرة، من نشأته المترفة إلى تجاربه المبكرة جندياً ومراسلاً حربياً. على مدار الحلقات التالية، يوضّح المسلسل صعوده السياسي واستراتيجيته في الصراع العالمي والتحديات التي واجهها في إعادة بناء عالم دمّرته الحرب. في خضم خطبٍ عاطفية وقرارات مثيرة للجدل، يسلّط العمل الضوء على الانتصارات والإخفاقات التي حدّدت مسيرته المهنية.
"حرب تشرشل" مدهش بصرياً، خاصة في استخدامه صور الأرشيف المستعادة والملونة، التي تساعد في إضفاء الطابع الإنساني على الفترة التاريخية. عبر نقل الحرب العالمية الثانية إلى الحاضر من خلال هذه الصور النابضة بالحياة، يتمكّن المسلسل من أسر المشاهدين الأقل دراية في السياق التاريخي. ومع ذلك، يتعثر الإنتاج في محاولته دمج العناصر الوثائقية مع التمثيلات الدرامية، التي غالباً ما تبدو قسرية وغير مقنعة.
أهم ما جاء في المسلسل هو كلمات تشرشل الخاصة، المأخوذة من رسائله وخطاباته الأكثر تميزاً. إلا أن إدراج المقاطع الدرامية ينتهي به إلى تشتيت الانتباه عن السرد. فبدلاً من استكمال القصة، غالباً ما تشتت هذه المشاهد انتباه الجمهور وتكسر انغماسه، خاصة عند مقارنتها بالصور الحقيقية للزعيم. أيضاً، اختيار المعلقين يشكّل علامة استفهام كبيرة، بمراوحتهم بين مؤرخين محترمين وسياسيين معاصرين، يخلق خللاً في التحليل النقدي، فتبدو بعض التفسيرات سطحية أو تنقيحية.


من ناحية أخرى، لا يتردّد المسلسل في تناول تناقضات تشرشل بحثاً عن إثراء هذا البورتريه للزعيم، إلا أنه في الوقت نفسه يفوّت الفرصة لاستكشاف المعضلات الأخلاقية والمناطق الرمادية التي تخلّلت حياته المهنية بعمقٍ أكبر. فكما فعل تشرشل أشياء مهمّة، ارتكب أيضاً أخطاء فادحة. خلال الحرب العالمية الأولى، بصفته وزيراً للبحرية، كان مسؤولاً عن الكارثة التي وقعت في غاليبولي. وهذا أمر يمكن تبريره هنا، إلى حد ما، بالقول إنه كان جزءاً من لجنة فقط. ولكن بالنسبة إلى المجاعة التي حدثت في البنغال في الهند خلال الحرب العالمية الثانية، فقد تحمّل العبء الأكبر بصفته رئيساً للوزراء آنذاك. أراد تشرشل الإمبريالي إمدادات الغذاء للقوات المسلحة فقط، ورفض المساعدات الغذائية من الكنديين. ولا شك أن هذا كان يحمل جانباً عنصرياً. فهل كان تشرشل ليتخذ نفس القرار لو كان يتعلّق بأستراليين مثلاً؟
ثم كان هناك قصف درسدن. كانت ألمانيا النازية في آخر أيامها، لذا لم تكن هناك حاجة للتضحية بـ25 ألف مدني ألماني. ولكن لم يُقَل أي شيء عن هذا. هل كان مثيراً للجدل إلى هذا الحد؟ يُقال إن ستالين طالب البريطانيين بتنفيذ ذلك القصف لإعطاء الجبهة الشرقية مزيداً من الفرص. لكن هل أصدر تشرشل، الذي كان يستعد لمؤتمر يالطا في ذلك الوقت، الأمر بنفسه أم شخص آخر؟ لا إجماع على ذلك، وكان من اللائق والصواب معالجة تلك البقعة على قميص تشرشل.
هناك نقيصة أخرى تتعلّق بالسطحية التي يجرى بها التعامل مع الأحداث الرئيسية. ففي حين تحظى بداية الحرب والتحالفات الاستراتيجية مع زعماء، مثل فرانكلين روزفلت، باهتمامٍ تفصيلي، فإن الحلقات الأخيرة تسرّع، فجأةً، من أحداث الصراع، ما يعرّض تماسك السرد للخطر.
إجمالاً، "حرب تشرشل" إنتاج جيّد بصرياً يحاول إعادة تصوّر واحدة من أكثر الفترات اضطراباً في التاريخ المعاصر من خلال أقوال وأفعال أحد وجوهه الأكثر شهرة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

على الرغم من نهجه الجذّاب والقيمة التاريخية للقطات المستعادة، فإن المسلسل لا يقدّم وجهات نظر جديدة حول الشخصية، ويقتصر على إعادة تأكيد شخصيته بوصفه زعيماً مثالياً لعصره. بالنسبة إلى محبّي التاريخ، فهذه تجربة تستحق العناء، ولكن كان يمكن أن تحظى بتأثير أكبر مع سرد أكثر تركيزاً واعتماد أقل على التمثيلات الدرامية المشكوك فيها، بدلاً من تلك السطحية المعهودة في الأعمال الموجّهة للجمهور الأميركي.

المساهمون