مسلسل "هجوم العمالقة": كما لو أننا نسرق مشهداً من الجحيم

08 يوليو 2022
رسومات من العمل معروضة في طوكيو (Getty)
+ الخط -

انتهى عرض القسم الثاني من الموسم الرابع لمسلسل Attack on Titan (هجوم العمالقة)، في بداية إبريل/ نيسان الماضي. القسم المؤلّف من 12 حلقة، بدأ بتجميع خيوط الأحداث التي رسمها على التوازي عام 2013، عند إنطلاق الجزء الأول، وسينهيها في قسم واحد السنة المقبلة.

قُسِمت جغرافية المسلسل بشكلٍ هندسي بسيط؛ ثلاثة أسوار دائرية متحدة المركز، مجموعاتٌ من السكان ينهشهم الخوف يقطنون ما بين هذه الأسوار، وخلف الأسوار عمالقة عراة يلتهمون البشر. لكن، يقابل هؤلاء شخصيات مثل أرين؛ بشري يستطيع أن يتحول إلى عملاق ذكي، وأخته بالتنبي ميكاسا اللذان دخلا الـ"ترند" أكثر من مرة، وصديقهما آرمين الذي أصبح، لاحقاً، يملك قدرة التحول إلى عملاق ذكي أيضاً.

تُستحضر الميثولوجيا الإغريقية في الشخصيات، فإروين سميث، قائد فيلق الاستطلاع الذي بدأت الحلقة الدموية تُكسر على يده، يظهر وخلفه جبال من جثث الجنود، استحضاراً لـ"تير"، إله القانون والأمجاد البطولية في الأساطير النوردية، وهو أيضاً بيد واحدة، قطعت في فم العدو. هانجي زوي تمثل إله الحرب والحكمة أودين الذي ضحّى بعينه عند مياه الينبوع، ليحصد حكمة العصور، ففقدت أيضاً عينها في إحدى المعارك حين رماها أحد الجنود في بئر لإنقاذها. يمثّل أرين ثنائية واضحة لسلوك العمالقة في الأساطير، فنجد تشابهه مع أطلس الذي يحمل العالم ويتحمل مسؤولية بقاء الإنسان على كتفيه، وأرين الذي حمل صخرة كالتي سببت مقتل والدته، يتخذ خطوة رمزية لسد الجدار، كي تنتعش حالة عدم اليقين داخلنا بين العمالقة المُحَطِّمين والعمالقة الذي يرممون الحطام.

وُلد مؤلّف "هجوم العمالقة"، الكاتب هاجيمي إيساياما، عام 1986 في أوياما اليابانية، بعد انفجار الفقاعة الاقتصادية في بلاده، ومحاولات عولمة ثقافتها، انطلاقاً من "كاواي" Kawaii، التي تعني اللطافة بشخصيات ككيتي وبيكاتشو، مروراً بالمانغا وألعاب الفيديو كـ"باناسونيك" و"سوني"، وصولاً إلى المهرجانات والفعاليات التي تقيمها السفارات اليابانية في معظم دول العالم، ومن ناحية أخرى سارت مع هذه اللطافة حالة من اللايقين بسبب التحولات الطارئة في الكوكب، في بلد تعرض لضربة نووية وخسارة فادحة على يد الولايات المتحدة الأميركية.

شكلت الدراما السياسية وما خلفها من أجندات نمطاً من مسلسلات ما بعد الحداثة، فالقيم مقلوبة أو تُكتشف من جديد، البطل من يذبح أولاً، والأخلاق مربكة. لم يجازف الكاتب بالخروج عن المألوف، فنوع المانغا المستخدمة هي "شونين"؛ إذ يبلغ فيها البطل ما بين 13 و18 عاماً؛ يتيم، أو قُتل والداه، يسعى خلف حلم أو انتقام، يعتمد عليه أصدقاؤه، يحب الخير وقدراته خارقة، ومغفل في معظم الأوقات. تميز أرين ومعه المسلسل بأنه انقلب على أصدقائه في النهاية.

أخرج الحلقات الخمسين الأولى تيتسورو أراكي، مخرج Death Note. ساهم هذا الأخير بإظهار التفاصيل الحادة عند اقتراب العمالقة، وحوّل المُشاهد إلى لص يحاول سرقة مشهد من الجحيم. الزوايا السينمائية للكاميرا ثلاثية الأبعاد، والانفجارات البراقة وتعديل الألوان السريع، والتقلبات الدرامية للوجوه خلال العرض، كلها عوامل زادت من حدة الدراما بشكل كبير. عمل الكاتب خلال العرض على أكثر عمليات الوجود كثافة: الواقع والموت والبطل. رؤيا فنية ساهمت بتحويل المسلسل إلى ظاهرة متكاملة، لكن وبالرغم من أن الجحيم يقدم أرضاً فسيحة لعرض الشخصيات، إلا أن المسلسل وقع في الميلودراما، فالجميع ذوو دوافع أحادية، وتمتد القصص بين المعارك شبه مفرغة، والحوارات سطحية، والشخصيات لا تتطور مع السرد.

عمالقة اليوم، كما في التاريخ، يمثّلون محاولة لترسيم حدود الجسد ثقافياً، وتتموضع في الحدود المبهمة ما بين الإنسانية والوحشية. عام 2013، كانت الولايات المتحدة الأميركية في أوج علاقتها مع الزومبي، فعُرِض الجزء الثالث من The Walking Dead، وكان الغرب بحاجة إلى زومبي جديد، بمعنى آخر إلى حدود جديدة، فكان العمالقة كنتاج دمج الزومبي و"كايجو" Kaiju، الوحش العملاق الذي سيدمر المدينة، كـGodzilla وKing Kong. هذه الشخصيات عبّدت الطريق للعمالقة كي يتعولموا بسهولة، ورغم ضعف الرسم في المانغا ومحلية المجلة التي نشرتها، إلا أنه لاقى رواجاً تاريخياً بسبب تبني الولايات المتحدة الأميركية للمسلسل ودبلجته.

كل الشخصيات، عدا العمالقة، رُسمت بمقاييس الأنمي الكلاسيكية؛ عيون كبيرة لامعة، وأنف وفم غير محددين، لكن تلاحظ أهمية انفجار العملاق الضخم عند التحول والتدقيق عليه طيلة العرض، فيستحضر قنبلة هيروشيما والحرارة التي أذابت البشر، وأيضاً العمالقة تتبخر أجسادهم عند الموت، تتطابق تفاصيل العضلات والأعصاب للعملاق الضخم مع رسم "فالفيردي"؛ عملاق إنسان حي، ينظر إلى جلده المسلوخ عن جسده.

يرنو المسلسل للحديث عن التدجين الحاصل في المجتمع الحديث، لكنه يداعب بدوره غرائز المشاهد، من دون تقديم نظرية سوى الهرب أو الفنتازيا والعمالقة، كما هو الزومبي مقياس الغرب للدمار والنزعة للاستهلاك، والانقسام الطبقي، وصولاً إلى العدمية. بهذا، فتح لنا العمالقة الطريق إلى الهروب المتخيل من كافة الالتزامات الاجتماعية والأخلاقية والمالية، فها هو ذا مجتمع ما بعد النهاية، حيث يصبح الخيال المثالي لهذا العصر للهروب من الضغوط اليومية، هو هجوم على العمالقة.

المساهمون