مسلسل "لوكي"... إله التنكّر وسلطة الفناء

24 يوليو 2021
يكشف لنا المسلسل عن علاقة لوكي مع ذاته (ديزني)
+ الخط -

يعتبر لوكي، الأخ المُتبنى لإله الرعد ثور، واحدا من الشخصيات الرئيسية في عالم مارفل السينمائي، بل كان في أول فيلم من "ذا أفينجرز"، الشرير الرئيسي الذي يعمل في خدمة ثانوس، من أجل الحصول على حجر اللانهاية. لكن، مع تدفق الأحداث وانتصار ثانوس، وعودة "الأفنيجرز" في الزمن، تمكن لوكي، الذي كان في قبضة "العدالة"، من الهرب بسبب سهو بسيط؛ فإله التنكر والخديعة، مكتوب عليه النجاة، وكأن الموت مجرد صديق له لا يمكن أن يخونه. 
انتهى أخيراً الموسم الأول من مسلسل "لوكي" الذي بثته شبكة ديزني، ونتعرف فيه على مغامرة لوكي ضمن "مؤسسة متغيرات الزمن". المنظمة البيروقراطية الكافكاوية، التي تعمل على ضبط تدفق الزمن، والحفاظ على نسخ الكون، منعاً من انهيار نسيج الواقع. وتتجلى وظيفتها باعتقال أي "متغير" قد يهدد هذا التناغم، سواء كان شخصاً أو حجراً أو حيواناً. وبالطبع، لوكي واحد من أشد المتغيرات خطورة، لكن، وكما يكتشف هو، كل ما عرفه كان وهماً: أحجار الأبدية ليست إلا لعبة أطفال غير مهمة، أما هو، فليس الوحيد والأصل، بل هناك نسخ منه، يلقى القبض عليها تدريجياً. 


لن نحاول الإشارة إلى الحكاية في المسلسل، كي لا نفسد المفاجآت التي يمتلئ بها. لكن، يمكننا الحديث عن سلطة الرتابة في المسلسل التي تتمثل في المؤسسة التي اعتقلت لوكي، والتي يظن "موظفوها"، بالرغم من عملهم الممل والعنيف، أنهم يخدمون هدفاً أعلى، تدفق الزمن والواقع والحفاظ على انضباطهما، وهنا تظهر الكافكاوية، أي محاولة الانزياح عن الخطأ والشكل المرسوم مسبقاً للواقع؛ يعني الفناء. بالتالي، عمل المؤسسة بدقة، هو القضاء على أي احتمال قادر على "خلق" واقع جديد ومختلف، فأي متغير قد يشكل تهديداً لسلطة الزمن ذاتها، أو تهديداً لسلطة زمن واحد فقط، ذاك الذي قرره من لا نعرفه ولا نستطيع الوصول إليه. 
يكشف لنا المسلسل عن علاقة لوكي مع ذاته؛ هو المغرور، المخادع، الناجي الذي يتحول فجأة إلى سجين، ثم موظف. كل حيله ومحاولاته اللغوية للتلاعب بمن يعتقله تفشل، فالعالم كما يعرفه ليس إلا سيناريو مكتوبا مسبقاً، والمشكلة، أن خلاص لوكي، أو خلاص أي أحد، يعني موت الجميع وخروج الزمن عن السيطرة، ما يجعل كل واحد ممن نراهم في المسلسل يحوي احتمالات فناء الجميع في وعيه، ويحتاج فقط إلى التصديق بأن ما يحصل ليس إلى خدعة معقدة. 

يراهن المسلسل على وهم الإرادة الحرة، ويرسم لنا صورة مجموعة من الأفراد يؤمنون أن العالم شكله ثابت، لا يتغير، والإرادة الحرة ليست إلا خدعة، وعليهم تقبلها برحابة صدر. لكن ما لا يتنازل عنه لوكي، وما يجعله أخطر متغير، يتمثل بحريته، التي يدافع عنها دوماً، حتى لو عنى ذلك فناءه؛ فإيمانه الشخصي ورغبته بأن يكون حراً، هو ما قادة طوال "الأوقات"، ناهيك عن أن الحظ والمصادفة لا يلعبان دوراً لصالحه، بل تظهر كقوة لا يمكن توقعها. وهذا أيضاً ما تعمل ضده مؤسسة ضبط الوقت، ما يعني أن الإيمان بالحرية الشخصية هو الخيار الحر الوحيد، وعلى "الحر" أن يسلم بأن الغد المجهول يحمل بالتأكيد ما هو أفضل من سيناريو مكتوب مسبقاً لا يمكن الخروج عنه. 

يتبنى مسلسل "لوكي" جماليات عالم ما قبل الرقابة الرأسماليّة

يتبنى مسلسل "لوكي" جماليات عالم ما قبل الرقابة الرأسماليّة، التكنولوجيا فيه تنتمي إلى زمن ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، وربما هذا ما يفسر الصرامة في اتخاذ القرار، بعكس ما يحدث الآن من عمليات هندسة اجتماعيّة للتلاعب بـ"إرادة" الافراد.

يرسم لنا المسلسل السلطة بوجهها التقليدي، ذاك الذي لا يحوي أطيافاً يمكن التحرك ضمنها. ببساطة، القرارات لا رجعة عنها، من "يتغير" يفنى وجوده، أما من ينجو، فالسبب هو لمصلحة المؤسسة وتوسيع سلطتها  فقط، فكل نسخ الواقع ليست إلا بهرجات يمكن الاستغناء عنها بسهولة. 

المساهمون