مسلسل "رجل الرمل": سيد الأحلام وأسيرها وضحيتها

19 اغسطس 2022
التهديد الذي يشكل خطراً على عالمنا يتمثل بالإفراط في الحلم (نتفليكس)
+ الخط -

تعرضت الأفلام والمسلسلات التي تقتبس شخصيات DC Comics إلى انتقادات كثيرة في السنوات الأخيرة، سواء كنا نتحدث عن "باتمان ضد سوبرمان"، أو "فرقة العدالة"، أو حتى "المرأة الخارقة". ويرى البعض أن المنافسة مع عوالم مارفل السينمائيّة (MCU) لم تعد مجدية؛ فمارفل انتصرت، مع التأكيد أن ثلاثية باتمان لكريستوفر نولان تُستثنى من هذه المنافسة.

مع ذلك، يظهر كل فترة إنتاج جديد يعيد الأمل لعالم DC السوداوي وشديد القسوة، كما حدث عند بدء بث مسلسل "غوثام" عام 2014. والآن نحن أمام أمل جديد، فالمديح ينهال على مسلسل "رجل الرمل" (The Sandman)، الذي ظهر في الكوميكس لأول مرة نهاية الثمانينيات، ولا بد أن نشير إلى أنه من تأليف البريطاني نيل غايمان، صاحب رواية American Gods التي تحولت إلى مسلسل نال كثيراً من المديح والإشادة.

يحكي "رجل الرمل" الذي بثت "نتفليكس" حلقاته العشر عن "حلم" أو مورفيوس، الكائن الأزلي، وحاكم مملكة الأحلام والكوابيس. مورفيوس جزء من أسرة تحكم الكون، تتألف من سبعة أخوة، نرى، إلى جانب "حلم"، ثلاثة منهم في المسلسل: "موت" و"رغبة" و"يأس". وهذا اللافت في هذه الأسرة، هم مفاهيم وكائنات واعية في الوقت نفسه، تترتب عليها واجبات لا بد من تنفيذها لخدمة البشر. أولئك الذين قام واحد منهم، الأرستقراطيّ رودريك بورجيس، بأسر مورفيوس لما يزيد عن مائة عام، ما هدد مملكة الأحلام حد الانهيار. إثر ذلك، اختل التوازن بين عالمي الحلم والواقع، وعَجِزَ كثيرون عن الاستيقاظ.

لن نخوض في أحداث المسلسل لغناها، لكن نشير إلى أن عالم "رجل الرمل" مختلف عن عوالم DC التي نراها في الأفلام، فنحن أمام كون له أبطاله وشخوصه الميثولوجية الذين يمتلكون قوى خارقة مثيرة للاهتمام، كالبلاغة، والقدرة على التخيّل، وبناء عوالم وهمية. هم أنداد يتصارعون على التحكم بالبشر وأسر مخيلتهم ورغباتهم. ملوكٌ يتربعون على عروش الجحيم، والمخيلة، والحلم ومساحة الرغبة، وكلهم يتطلعون إلى فرض سيطرتهم على "الواقع".

التعليق على الثقافة الشعبيّة
استقلال عالم "رجل الرمل" لا يعني انفصاله عن الثقافة الشعبية الحالية والعوالم الفانتازية الأخرى، إذ نتعرف إلى جوانا قسطنطين، صائدة العفاريت والشياطين التي حلت مكان جون قسطنطين الذي سبق أن لعب كيانو ريفيز دوره في فيلم "قسطنطين" عام 2005. هناك أيضاً لوسيفير مورنينغ ستار، الشيطان حاكم العالم السفلي، الذي أيضاً عرفناه في مسلسل نال شعبية كبيرة منذ أن بدأ بثه عام 2016.

بالتالي، التحديق عميقاً في هذه الشخصيات، يكشف لنا عن محاولة "رجل الرمل" مخاطبة الثقافة الحالية والتعليق عليها، مقدماً لنا نسخاً مختلفة عن شخوصها. وهنا تمكن قراءة "رجل الرمل" نفسه كتعليق على عالم الشاشة/الحلم، والصراع بين الأحلام وبين الرغبات والشخصيات التي تتحرك في مخيلتنا، وكيفية تلقينا لها، وهذا ما نراه في المقاربة الساخرة لثقافة القتلة المتسلسلين.

سينما ودراما
التحديثات الحية

يظهر في الحلقة ما قبل الأخيرة من المسلسل، ضمن مؤتمر يبدو بريئاً للوهلة الأولى، مئات القتلة المتسلسلين. يجتمعون وكأنهم فنانون أو أشخاص يريدون مساحة للتعبير عن أنفسهم، ضمن عالم يحاربهم ويقمع أصواتهم. لكن مورفيوس لا يتساهل معهم، ويعاقبهم على أفعالهم/جرائمهم عبر تحميلهم ذنب ما قاموا به، وحرمانهم من "أحلامهم" بالنجاة. وكأن في ذلك انتقاداً لموجة مسلسلات وأفلام القتلة المتسلسلين التي اتُهمت بأنها تروج لهؤلاء المجرمين، وتحتفي بهم عوضاً عن كشف ما تركوه من أثر عنيف وتراجيدي في حياة ضحاياهم، ما يعني أنه لا يجوز السماح لأصواتهم بأن تعلو بوصفهم "مختلفين"، بل مجرمون لا مساحة للتعاطف معهم.

كيف ينتهي العالم؟
لن نناقش بنية عوالم الأحلام ورمزية تمثيلاتها، بل سنحاول قراءة المسلسل بالعلاقة مع استراتيجيات التمثيل، وتحديداً كيفية ظهور مفهوم نهاية العالم. مثلاً، التهديد الذي يشكل خطراً على عالمنا، حسب المسلسل، يتمثل دوماً بالإفراط في الحلم، ويتضح ذلك ضمن ثلاثة جوانب. الأول، نراه في البداية عبر أسر ملك الأحلام، وتجريده من قواه، ما يترك الناس عبيد النوم وأحلامهم، لا قدرة لهم على الاستيقاظ؛ إذ لا بد للحلم أن ينتهي، ولا ينبغي أن يُصادِرَ واقعَ الحالم.

وهنا يظهر الجانب الثاني الذي يمكن اختزاله بضرورة عدم تتحقق أحلام أحدهم بصورة تامة، أي لا يجوز أن تغيب المسافة بين الحلم والحقيقة بشكل تام، وهذا ما قام به جون دي (الابن غير الشرعي لآسر مورفيوس)، الذي سرقة ألماسة رجل الرمل و"حقق" حلمه بجعل العالم من دون كذب أو رياء، ما أدى إلى انتحار كل من هم حوله. أما الجانب الثالث، فيتمثل بـ"الزوبعة"، والمقصود بها البشري القادر على نفي الحدود بين أحلام الأفراد، وخلق حلم واحد مشترك بين الجميع، يترك الحالمين أسرى نوم أبدي. الزوبعة هي الشأن الأخطر، ليس لأنها بشري ذو قدرات خارقة، بل لأن خلق حلم جماعي مشترك سيؤدي أيضاً إلى الفناء.

الأخطار الثلاثة السابقة، تدور حول فكرة جوهرية: عالم الأحلام يجب أن يبقى منفصلاً عن عالم الواقع، ولا يجوز أن يهيمن واحد منهما على الآخر. وهنا يمكن تبرير قسوة ملك المنامات، فالأحلام والكوابيس التي "يخلقها" مرايا للطبيعة البشرية، ولا بد من ضبطها وعدم تركها لحريتها. وهذا ما يبرر حكمة سيد الأحلام الملتوية نوعاً ما، فقوته تأتي من قدرته على اتخاذ القرار بقتل حلم، أو كابوس، أو شخص، من دون تردد لسبب بسيط يتكرر دوماً، مصير البشرية جمعاء أهم من مصير شخص واحد، مهما كان هذا الشخص، لا بد من التضحية به في سبيل الجميع.

ما سبق يجعلنا نقرأ الأحلام وسيدها في المسلسل بوصفها متخيلاً ديستوبياً عن عالمنا الحالي، حيث الشاشات في كل مكان، تأسرنا بعوالمها المتخيلة لأيام أحياناً، نشاهد ونحملق ونستهلك هرباً من "الواقع". لكن حتى لو كان الأخير سيئاً، وقاسياً، ومليئاً بالعذابات، يبقى أفضل من الحلم/الشاشة. هذا ما يفسر غياب آثار التكنولوجيا في المسلسل: لا شاشات، فالأحلام شخصيات نحاورها ونختبر غواياتها، مع ذلك المسرح موجود، تمر إشارة له عبر شخصية شكسبير التي يمنحها مورفيوس قدرتها على سرد الحكايات ذات العِبر.

وهنا تظهر المفارقة. الحكايات كالأحلام لا بد أن تنتهي، النتيجة التي يتفق عليها سيد الأحلام، وجون دي الذي سرق قلادته؛ لأن من دون نهاية سيموت الجميع، وربما هذه أزمة شكسبير، لم يستطع إنهاء حكاياته، فمات الجميع في تراجيدياته.

لا يمكن تجاهل أن "رجل الرمل" يحاول للأقصى التمسك بسياسات التنوع الجندري والهوياتي، عبر إعادة تأليف الشخصيات الأصلية من الكوميكس وتغيير أجناسها وألوانها، الشأن الذي لن يكون واضحاً لمن لا يعرف الأصل. نشير إلى هذا الأمر لأن المؤلف نفسه، نيل غايمان دخل في نقاشات عدة مع المتابعين على "تويتر" حول طبيعة سياسات الـ WOKE في المسلسل والكوميكس، إذ طاولته اتهامات بأنه "يخون" الأصل، أي الكوميكس. التهمة الغريبة كونه منتجاً منفذاً في المسلسل، ومؤلف الأصل، ولا نعرف كيف يمكن لأحدهم أن يخون ما هو ملك مخيلته.

 

المساهمون