رغم حصوله على بكالوريوس مسرح من جامعة بغداد، أحبّ مرتضى حنيص السينما، وخاض غمارها ممثلاً في أفلام روائية، قصيرة وطويلة، أبرزها: "حنين" و"إلى بغداد"، وأفلام قصيرة عدّة، وأعمال تلفزيونية. هذا لم يأخذه من المسرح، إذ أدّى أدواراً في مسرحيات مختلفة، منها: "هاملت"، و"نص 1/2"، و"حدث في الكرادة"، و"فلانكوت"، وغيرها.
"العربي الجديد" حاورته عن تجربته في التمثيل.
ماذا عن تجربتك في المسلسل التلفزيوني "خوات"، الذي يُعرض حالياً في الموسم الرمضاني؟
أعتزّ به كثيراً، لأنّ الشخصية التي أؤدّيها مختلفة تماماً عن الشخصيات التي قدّمتها سابقاً. شخصية سلبية ومُركّبة، أتعبتني نفسياً، إذ كنتُ أضطرب فعلياً بعد أداء كلّ مشهد، إلى حدّ أنّي بدأت أشعر بالاشمئزاز من نفسي. لازمني هذا الشعور أياماً طويلة بعد انتهاء التصوير. هذا جعلني أعوّل عليه، خاصة أنّه يجمعني بالممثلة القديرة آلاء حسين، التي تفيض طاقة إيجابية، وتجعل شريكها في المشهد يحلّق في أداءٍ عالٍ. أيضاً المخرج الشاب المبدع أمجد زنكنة.
"الخوات" يُناقش العنف والتفكّك الأسري واضطهاد المرأة. مكتوبٌ بطريقة مُحترفة جداً، والمخرج موفّقُ في ترجمة النص ومعالجته بصرياً. محترفٌ في تحديد زوايا اللقطات وأحجامها، مع ما يتناسب والحدث في المشهد.
تحبّ السينما والتلفزيون أكثر من المسرح، رغم أنّ المسرح تخصُّصك العلمي؟
فعلاً. درست المسرح، لكنّي أحبّ السينما أكثر. لذلك، تجاربي المسرحية قليلة جداً، عكس التلفزيون. سبب حبّي السينما كامنٌ في إيماني بأنّها لغة عالمية، وأصعب أنواع الفنون. إضافة إلى تأثّري بنجوم السينما وأدائهم الساحر. أعشق الأداء السينمائي، لأنّه ميّالٌ إلى البساطة، ويعتمد على تلقائية الممثل واسترخائه، ويبتعد عن التشنّج والتصنّع. في الأدوار التي قدّمتها، حاولت التركيز على التلقائية والاسترخاء. لذلك، أتمنّى أن يكون لدينا في العراق استديو للممثل، يشرف عليه أساتذتنا الممثلون الكبار، ويُدعى نجوم عرب وعالميون لإلقاء محاضرات في فنّ الإداء، فتتعلّم الأجيال الشابة. استديو يدعمهم ويُطوّر مواهبهم وقدراتهم الأدائية، خاصة أنّ الأداء المسرحي طاغٍ، في فتراتٍ، على الأدائين التلفزيوني والسينمائي.
سبب ابتعادي عن المسرح قلّة تجاربي المسرحية، لاعتقادي أنّ المسرح الذي لا يُقدَّم إلى الجمهور البسيط لا جدوى منه، لأنّه لا يلامس يوميات الناس وهمومهم. هذه مشكلة معظم عروض المسرح العراقي والعربي: عروضٌ نخبوية، تُقدَّم للمسرحيين فقط، وهمّها المشاركة في مهرجانات مسرحية.
يجب أن يشاهد الجميع، بمختلف مستوياتهم، المسرح. ذهب زمن التشفير بالمسرح، وذهب أيضاً زمن الخطاب المتعالي. علينا تبسيط عروضنا كي نستقطب الجمهور.
أثبتَّ حضوراً لافتاً للانتباه في التمثيل، بفضل أعمالٍ تلفزيونية وسينمائية. هل انصرافك إلى التمثيل متأتٍ من أنّك وجدت فيه خواصَّ تؤهّلك له، أم أنّها رغبة في التمثيل لا أكثر؟
منذ صغري، أطمح لأن أكون ممثلاً. أعتقد أنّ هذا تولّد عندي لتأثّري الشديد بوالدي، الفنان حسن حنيص، الذي كان ممثلاً. بدأ هذا الشعور يكبر فيّ، إلى أن أتت اللحظة التي تقدّمت فيها إلى كلية الفنون. بعد الاختبار، قُبلْتُ. هذا أجمل ما حصل في حياتي.
الدراسة، في المرحلة الأولى، عامة. في الثانية، يبدأ التخصّص. حينها، قرّرت دراسة الإخراج. انتسبت إلى "فرع الإخراج" بسبب أستاذٍ في "فرع التمثيل" لم أكنْ أطيقه. حينها، اخترت هذا الفرع، وكنت محظوظاً بذلك. هناك، درّسني أهمّ أساتذة المسرح والفنّ في العراق: سامي عبد الحميد، وصلاح القصب، والراحل فاضل خليل. لك أن تتخيّل مدى المتعة والجمال في أن تبدأ صباحك بمحاضرة لأحد هؤلاء: عصفٌ ذهني ومعرفي. تخرّجت، مثل آخرين، على أيدي هؤلاء، مع كَمّ هائل من المعلومات، ومن خزين معرفي وثقافي.
لماذا لم يأخذ الممثل العراقي فرصته في النجومية العربية، رغم وجود مواهب كثيرة؟ أيكون السبب تواضع الأعمال الفنية، أم له علاقة بالتسويق؟
تواضع تجاربنا الدرامية وضعفها، أحياناً. سأكون صريحاً: في السابق، لم ترتقِ أعمالنا إلى مستوى الدراما العربية. لذلك، لا سوق للدراما العراقية، وهذا يُسبِّب عدم نجومية الممثل العراقي عربياً.
سبب ذلك أنّنا لا نواكب التطوّر الحاصل في النواحي كلّها. علينا التفكير في حلول لإنقاذ الدراما والارتقاء بها، وفق أسس علمية حديثة، وتغيير شكلها الحالي، وجعلها تواكب ما يُقدّمه الآخرون، وتتفوّق عليهم، ليتسنّى تسويقها. حينها، ستكون هناك فرصة للممثل العراقي كي يُصبح نجماً عربياً.
أشعر أننا، كممثلين، أهلٌ لذلك، لأنّ لنا مواهب جبّارة وكبيرة. الممثل العراقي ماهرٌ جداً، لكنّ الظروف التي تمرّ بها الدراما جعلته حبيس المحلية.
ما رأيك بالفورة الكبيرة التي حدثت هذا العام، المتمثّلة بنحو 20 عملاً درامياً تعرض الآن؟
فرحٌ كبير ينتابني عند مشاهدة هذا الكَمّ من الأعمال، وإذا استمرّ هذا الإنتاج 5 أعوام مقبلة، فسيكون هناك نوعٌ جيدٌ ينافس الدراما العربية، بل يتفوّق عليها. هناك أعمال في هذا الموسم تُبشّر بهذا. مخرجون شباب، لو تُمنَح لهم فرصٌ، فسيُقدّمون أعمالاً مميزة. أتمنّى أن يتسنّى للشباب فرصاً حُرموا منها كثيراً.
مُنحاز أنا إلى الشباب، لكنّي ضد إلغاء من سبقنا. الواقع أثبت أنّه إذا أتيحت فرصة حقيقية للشباب، فسيصنعون ما سنفتخر به، وما سيُساهم في تصدير الدراما العراقية عربياً.
ما الذي يعترض نجاح الدراما العراقية؟
الأسباب كثيرة: استسهال، وعدم وجود ضوابط فنية. لا أقصد بهذا الضوابط الرقابية. بمعنى أنّه لا يوجد معيار للعمل الفني الجيد. أو أن تُقرّر فضائيات ما إنتاج عمل، فتعطيه إلى منتج منفذ من دون رقابة.
هناك منتجون مُنفِّذون هدفهم جني أرباح من الميزانية. ينتجون أعمالاً بمواصفات رديئة، فيفشل العمل. مع ذلك، يُعرض. لهذا السبب، لم يعد هناك معيار فني حقيقي لجودة الأعمال المقبلة.
هل ترى في الإنتاجين التلفزيوني والسينمائي سبباً يحول دون بروز الأعمال العراقية؟ ما الحلّ؟
الحلّ أن تكون هناك معايير حقيقية لهذين الإنتاجين، وأن تكون هناك ضوابط صارمة. أي عمل يخرج على هذه الضوابط، يُرفَض. يجب فرض ضوابط فنية على القنوات، تطرحها "هيئة الاتصالات والإعلام" بالتعاون مع "نقابة الفنانين" لتشريع هذه الضوابط، التي تشمل الصورة والإخراج والأداء والسيناريو. ضوابط تواكب اشتراطات السوق العالمية.