مراهقو الهامش في "بيرد": إنّه واقعٌ بائس يولّد جرائم

01 يناير 2025
"بيرد": مراهقون في عالمٍ قاس (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "بيرد" (2024) للمخرجة أندريا أرنولد يسلط الضوء على حياة المراهقين المهمشين من خلال شخصية بايلي، التي تعيش في بيئة مضطربة بسبب الفقر والتفكك الأسري، ويعرض التحديات التي تواجهها مثل الانضمام لعصابة وتأثير البيئة السلبية.
- الفيلم، الذي عُرض في مهرجان "كانّ"، يتميز بتصوير واقعي ودرامي لحياة المراهقين، حيث يستخدم المصور روبي راين كاميرا متحركة، ويظهر حب بايلي للطبيعة كوسيلة للهروب من واقعها.
- "بيرد" يقدم رسالة اجتماعية قوية حول تأثير الإهمال المجتمعي والتفكك الأسري، مشيرًا إلى أهمية تحسين البيئة الاجتماعية، ويتميز بأداء قوي من الممثلين، مما يجعله تجربة سينمائية مؤثرة.

حاولت البريطانية أندريا أرنولد استيعاب عالم المُراهقين في "بيرد" (2024)، بتسليطها الضوء على عيّنة عملية، عكستها الطفلة بايلي (نيكيا آدامز)، التي تبلغ من العمر 12 عاماً. إنّها المفتاح الأساسي في فيلم متشابك ومتفرّع وحيوي، لكونها ذريعة تتسلّل منها إلى الدائرة الممتدة والغامضة لتلك العيّنة، محاولة التقرّب منهم أكثر، لتفهم أحلامهم وكوابيسهم ومشاكلهم وهواجسهم، خاصة أنّها اختارت فئة هشّة ومعطوبة اجتماعياً جرّاء الفقر والاحتياج والسكن في بيوت غير لائقة. فئة تعيش على الهامش، تتناساها النظم الاجتماعية والحكومية، أو تتعامل معها باستعلاء، محاولة (النظم) تغييبها.

لا أدلّ على ذلك من المعطيات السلبية التي تحوط بهم من كلّ جهة، بينما تتجنّد لخدمة فئات أخرى تراها جديرة بالاهتمام والمراقبة والمعاينة المستمرة. لوحظ هذا المعطى في مقارنة سريعة، وظّفتها أرنولد في السياق.

في "بيرد"، المعروض أولاً في مسابقة الدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2024) لمهرجان "كانّ"، شكّلت بايلي نموذجاً حيّاً للمراهقة، المُتشكّلة في الهامش. إنّها ضحية أسرة مفكّكة، فوالدها باغ (باري كوغان)، الذي تعيش معه، مدمن وطائش وواهم، إضافة إلى عدم نضوجه، لصغر سنّه هو الآخر. يحتفظ بضفدع كبير، معتقداً أنّه سيفرز له مادة لزجة، تُستعمل في الإدمان، وتُشكّل له ثروة، وتُمكّنه من إتمام ترتيب الزواج بكايلي (فرانكي بوكس)، التي لديها رضيعة من زيجة أخرى. هناك هانتر (جايزن بودا)، مُراهقٌ وأخ غير شقيق لها، مُنخرط في عصابات الحي، بدأ يسلك عالم الإجرام باكراً، ويعاني مشكلة حمل صديقته (14 عاماً). في المقابل، هناك أمّها المطلقة بايتن (جاسمين جوبسون)، والدة ثلاثة أطفال صغار، يعيشون معها في منزل بات فضاءً عفناً يجمع المُدمنين.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

في هذه الأجواء المضطربة، تصارع بايلي لتجد ثغرة تتنفّس منها. هي أيضاً لديها رغبة الانخراط في عصابة الحي. لذا، تقصّ شعرها لتشبه الفتيان. هذه النزعة نتيجة حتمية للضغط الكبير الذي تعيشه. لكنْ، وسط ذلك، تلتقي بيرد (فرانز روغوفسكي)، القادم من العدم عائداً إلى قريته بحثاً عن أسرته التي أضاعته صغيراً. في هذه العودة، تحدث أشياء عدّة ترسم أفقاً جديداً لبايلي، كما ترسم ملامح ذاك الواقع البائس، الذي يُورِّث الجرائم والفوضى والضياع.

رسمت أرنولد (إخراجاً وكتابة) ملامح سوداء وقاسية، جرّاء معطيات مفجعة تحيط بالفئة التي تعرّضت لها، مغلّفةً هذا السواد باهتمام بايلي بعالم الطبيعة، كأنّه هروب من الواقع إلى الطبيعة وما تحتويه. صوّرت الصغيرة حشرات وأحصنة وفراشات، وتعاملت معها بفرح. لكنْ، عند التفافها إلى أسرتها وبلدتها، تتبدّل الابتسامة، ويتجهّم وجهها الطفولي. وأرنولد وسّعت هذه الدائرة أكثر، وقلّصت المسافة بينها وبين ما وراء الطبيعة.

عكس المُصوّر الأيرلندي روبي راين الموضوع وسواده في معظم مفاصل الفيلم. يعني أنّه خبر القصة جيّداً، وقدّم مشاهد عدّة بكاميرا متحرّكة، ما جعل "بيرد" أكثر واقعية، والمُشاهد يحسّ بأنّه جزء من عملية صنعها، لشعوره بأنفاس بايلي التي تتحرّك في البلدة المتداخلة، أو تصعد العمارة المتهالكة. كما عكس حبّها للطبيعة بتعلّقها بالطيور والحشرات، وجعلها تحلّق ببريق عينيها، كأنّها صارت جزءاً من تلك الطبيعة.

أفرز "بيرد" قيماً فكرية مهمة، تنعكس أساساً في معادلة الفعل وردة الفعل. هؤلاء المراهقون لم يولدوا بنزعةٍ إجرامية، وسلوكهم ناتج من التفكّك الأسري، والإهمال المجتمعي، والبيئة التي تربّوا فيها. ومع تكاثرهم في المنظومة، تكبر مشاكلهم أكثر، وتزيد نسب الإجرام، وتتوسّع نسبة الاعتداءات والسرقة والاغتصاب والقتل، لأنّ هناك إهمالاً واضحاً. ولحلّ المشكلة، وَجَب استئصالها نهائياً، بخلق بيئة ملائمة، وتحسين حياتهم الاجتماعية، بدل تركهم في مواجهة تلك الدوامة المخيفة.

رغم خطابيتها، أفرز "بيرد" قِيَماً بطريقة جمالية، عبر فهم الممثلين واستيعابهم الجيّد موضوعه وشخصياته. كلّ فرد تعاطى بمسؤولية كبيرة مع شخصيته، من دون الإحساس بأنّهم أمام الكاميرا. حتى الصغار منهم. هذا أساسيّ، منح العمل قوّته، وشحن مفاصله بطاقةٍ كبيرة. كما أنّ طول مدّته (119 دقيقة) لم يكن عائقاً أمام المتلقّي، لأنّه نقل الأحداث بسلاسة، جعلته التفاتة جيّدة وموفّقة، خاصة أنّ أرنولد فكّرت في من يعيش على الهامش، بعيداً عن أعين المنظومة الحكومية، فيكون فيلمها صرخةَ تنبيهٍ لهم، على أمل العثور على من يستمع إليها وإليهم.

المساهمون