محركات البحث الإلكترونية تدخل عصراً جديداً

17 مايو 2023
مستخدمو "غوغل" لم يعودوا بحاجة إلى وضع كلمات مفاتيح خلال عمليات البحث (ميلينا مارا/Getty)
+ الخط -

باتت محركات البحث عبر الإنترنت أداة يستخدمها الجميع في يومياتهم، ولم تشهد أي تغييرات مهمة منذ إطلاقها قبل 25 عاماً، إلا أنّ طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تقلبها جذرياً. التطوّر في هذا المجال سريع، لدرجة أن عمليات البحث التقليدية، بالكلمات المفاتيح وقوائم الروابط الإلكترونية التي تحيل إليها، باتت تبدو قديمة مقارنة بالأحاديث التي يجريها ملايين الأشخاص مع واجهات للذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي" (أوبن إيه آي) و"بارد" (غوغل).

وقال مدير المنتجات لدى "سوفتوير إيه جي" ستيفان سيغ إن "الأشخاص بدأوا يدركون إلى أي مدى يستخدمون غوغل، ليس للبحث عن مواقع إلكترونية، بل للرد على أسئلة" يطرحونها.

أطلقت شركة مايكروسوفت هذا المسار من خلال إدماج نظام المحادثة الآلي، على نموذج "تشات جي بي تي"، بمحركها البحثي "بينغ". وفي إمكان محرك "بينغ" بنسخته الجديدة التي أتيحت لعامة المستخدمين اعتباراً من الأسبوع الماضي، بعد فترة تجريبية استمرت ثلاثة أشهر، الرد مباشرة على أسئلة المستخدمين، مع تقديم ملخّص وافٍ عن المعلومات المتوافرة، تتبعه روابط وأفكار مقترحة للتحادث مباشرة مع روبوت الدردشة. ويمكن لهذا الروبوت وضع جداول مقارنة بين منتجين، أو اقتراح مخطط للأنشطة، أو صياغة تقويم، أو المساعدة في التحضير لمقابلة عمل، على سبيل المثال.

بحث "مجزّأ"

قالت نائبة رئيس "غوغل" لشؤون الهندسة كاثي إدواردز، الأربعاء، إن المستخدمين لم يعودوا بحاجة إلى وضع كلمات مفاتيح خلال عمليات البحث، إذ سيتولى محرك البحث "جلّ العمل نيابة عنهم". وقدمّت إدواردز الشكل الجديد للمنصة المركزية عبر الإنترنت، والشبيهة بتلك العائدة لمنافستها "مايكروسوفت"، إذ تقوم الإجابات المقدمة من النظام الآلي على بضعة مقاطع مكتوبة، مع إمكان تحديد النتائج بدقة أكبر مع أسئلة إضافية.

هذه النسخة من محرك البحث التابع لـ"غوغل"، المدعمة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ستُتاح تدريجياً للمستخدمين في الولايات المتحدة في بادئ الأمر. وأوضحت نائبة رئيس "غوغل" المكلفة محرك البحث إليزابيث ريد لوكالة فرانس برس قائلة: "نحاول جعل العملية طبيعية وفطرية أكثر، لتكون بالسهولة عينها لطرح سؤال على صديق يتمتع بخبرة في المجالات كافة".

وبدأت الشركتان العملاقتان في قطاع التكنولوجيا بإضافة أدوات للذكاء الاصطناعي التوليدي في خدماتهما المختلفة، من الحوسبة السحابية إلى الأدوات المكتبية، لجعل روبوتات الدردشة هذه بمثابة "الملّاح" في سباقات السيارات، وفق التعبير المستخدم من "مايكروسوفت".

وأوضح الكاتب جون باتيل، صاحب المشاريع في مجال الإعلام، أن "البحث سيُجزأ إلى مليون جزء، وسيُدمج في واجهات عدة بعيداً عن حصره في هذا الموقع المركزي الأحادي الذي بات عليه غوغل". لكن فيما يتفاعل كل موقع إلكتروني وتطبيق مع المستخدمين والمستهلكين من خلال روبوت دردشة يتمتع بقدرة على الحديث كإنسان محترف ومقنع، ستزداد صعوبة التمييز بين الصالح والطالح من النتائج. وقال جون باتيل: "هل ستثقون بعميل في وكالة سفر إلكترونية ليقدّم الخيار الأفضل لكم؟ كلا. من هنا، ثمة حاجة لأن أجد عبقرياً خاصاً بي يكون مساعدي الشخصي، للتفاوض مع الخدمات. فإذا كانت المواجهة بيني وبين الذكاء الاصطناعي حصراً، فسأخرج خاسراً".

"عبقري" شخصي

تتيح "ريبليكا" و"أنيما" وخدمات أخرى بالفعل أنظمة "مرافقة" قائمة على الذكاء الاصطناعي، على شكل روبوتات محادثة تعمل كأصدقاء افتراضيين. لكن جون باتيل يحلم بأن يكون لديه "عبقري" يجمع معلومات في كل مكان - على هاتفه الذكي وجهاز الكمبيوتر الخاص به والتلفزيون وسيارته - للإجابة عن أسئلته وتنفيذ المهام التي يحتاج إليها. ومن بين هذه المهام مثلاً شراء أفضل مكنسة كهربائية بناءً على الذوق الشخصي والعادات الاستهلاكية والعروض الترويجية الحالية، بعد محادثة قصيرة، بدلاً من إجراء بحث طويل وشاق عبر الإنترنت.

مثل هذه النماذج اللغوية، المدربة على البيانات الشخصية، ستؤتي ثمارها بالضرورة لضمان سرية هذه المعلومات التي تُستخدم حالياً لاستهداف مستخدمي الإنترنت بالإعلانات.

وقال بروفيسور التسويق في كلية كيلوغ للإدارة جيم ليسينسكي إن "غوغل" لن تختفي في المستقبل القريب". واستذكر قائلاً: "قبل أربع سنوات، مع وصول أدوات المساعدة الصوتية، غوغل وأليكسا وسيري، اعتقدنا أن الناس لن يتحدثوا إلا مع الآلات". ومع ذلك، فإن ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يدفع لإعادة النظر في النموذج الاقتصادي للإنترنت، لأنه يمكن أن يسمح للمستخدمين بالعثور على المنتج الذي يريدونه "من دون الحاجة إلى النقر فوق إعلان"، وفقاً لجيم ليسينسكي. لكنه أبدى ثقة بأن الشركات المعنية ستجد حلولاً لذلك.

في النموذج الجديد الذي قدمته "غوغل" الأربعاء لا تزال شبكة الإنترنت موجودة، سواء في طليعة النتائج أو في الأسفل، اعتماداً على السؤال المطروح. وقالت إليزابيث ريد: "لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، لكنني أعتقد أن الإعلانات ستستمر في لعب دور حيوي". (فرانس برس)

المساهمون