ما سرّ هوس الرجال بكرة القدم؟

12 ديسمبر 2022
المونديال مسرح كرة القدم الأكبر (Getty)
+ الخط -

ليس سراً أنّ معظم الرجال ــ حتى لا نقول جميعهم ــ يحبون كرة القدم. لكنّ السؤال هو لماذا؟ لماذا يحب الرجال كرة القدم، إلى حدّ أنّهم لا يمانعون في إنفاق الكثير من المال على التذاكر وملابس فريقهم المفضل؟
لماذا يجلس الرجال ساعات أمام جهاز التلفزيون لمتابعة مباراة كرة القدم، وتحليل المباراة بعد انتهائها، وفي المقابل يضيقون ذرعاً عند الجلوس لمدة عشر دقائق لأيّ شيء له علاقة بالمنزل. تطورت هذه التساؤلات لدى بعض السيدات (غير المهتمات برياضة كرة القدم)، إلى حد اتهام أزواجهن بأنّهم يتخذون كرة القدم ذريعة للهروب من المنزل. في الحقيقة، هناك أسباب مختلفة تجعل الرجال مولعين بهذه الرياضة، إليكم أبرزها:

المتعة والإشباع

يستشهد أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا، مارتن سليغمان، أحد آباء حركة علم النفس الإيجابي، بالمتعة والإشباع كأحد الأعمدة الأساسية للسعادة. 
من الصعب المجادلة بأن مشاهدة كرة القدم لا تفي بهذا الغرض لكثير من الناس. فمشاهدة لاعبينا المفضلين وهم يتجاوزون خطوط دفاع الفريق الخصم، ليسجلوا هدفاً صعباً بحركة أكروباتية، من المحتمل أن تتسبب بإنتاج كمية كبيرة من الدوبامين وغيرها من الناقلات العصبية المسؤولة عن شعورنا بالسعادة والرضا. ليس هذا فقط، بل إنّ هناك كثيراً من المتعة الفطرية في مشاهدة التلفزيون على أرائك مريحة مع الطعام والشراب المفضل لدى المرء أثناء وجوده بصحبة آخرين يتمتعون برفاهية مماثلة.

الحاجة للشعور بالانتماء

يُدرج عالم النفس، ديفيد ماكليلاند، الانتماء في نظرية الاحتياجات الثلاثة التي طورها في منتصف القرن العشرين. تقترح النظرية أنّنا جميعاً بحاجة إلى الشعور بأننا ننتمي إلى مجموعة ما. سواء أكان ذلك نادياً للكتاب، أو فصل زومبا، أو فريق كرة طائرة ترفيهي، أو حتى عصابة عنيفة، أو مجموعة متعصبة دينياً، فهذه المجموعات، سواء كانت مقبولة أو غير مقبولة مجتمعياً، تبدو كأنّها الوعاء الذي يحمي هويتنا ويشكلها. 
لذلك، ليس مستغرباً أن تبيع الفرق الرياضية الكثير من البضائع التي تحمل شعار ناديها، كذلك السعادة التي تغمرنا بمجرد قولنا: نعم "نحن" حققنا النصر. 

إحساس صحي بالذات

نعتبر إنجازات فريقنا إلى حد كبير إنجازات شخصية لنا. ليس هناك من ينكر ذلك، فنرى في أيام رجالاً بالغين في غاية السعادة بعد فوز فريقهم، ثم مكتئبين بشدة بعد الخسارة. 
إنّ التمتع بتقدير الذات الصحي - وهو أحد أعلى مستويات التسلسل الهرمي للاحتياجات بحسب عالم النفس أبراهام ماسلو - يعني الارتداد سريعاً من الأحداث السلبية، وهو أمر تفعله فرق كرة القدم الناجحة جيداً. فكل فريق، مهما كان أداؤه مروعاً، لديه فرصة هذا الأسبوع للتعافي من الخسارة التي مُني بها الأسبوع الفائت. كما يوفر تشجيع فريق ناجح إلهاءً مناسباً بعيداً عن مشاكلنا الشخصية والقصص المدمرة للذات.

الغرض والمعنى

نحتاج جميعاً إلى أن يكون لدينا اتجاه واضح في الحياة، وأن نشعر كما لو أنّ لحياتنا معنى - فهذا من أهم ركائز السعادة بحسب سليغمان. ووجدت الدراسات أنّ أولئك الذين لديهم هدف في الحياة، يتمتعون برفاهية أكبر ويعيشون لفترة أطول، مثل بدء مشروع جديد في العمل أو شراء منزل جديد. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وعلى الرغم من أنّنا لا نملك سوى القليل من التحكم، إن وجد، في مصير فريق كرة القدم المفضل لدينا، لكن الحديث عنه، وتشجيعه في المدرجات، وشراء البضائع الخاصة به، كلّ ذلك يجعلنا نشعر بالارتباط بالفريق، وبطريقة ما، يجعلنا مسؤولين عن نجاحه.

طبيعة الرجال

في عالمنا الحقيقي، يخجل معظم الرجال من إظهار مشاعرهم؛ حتى أن بعضهم يعتبره تصرفاً غير رجولي عندما تكون عاطفياً. لكنّ كرة القدم تسمح لهم بإظهار أي استجابة عاطفية يشعرون بها، فيصبح الصراخ والغضب وحتى البكاء مبررة ومقبولة مجتمعياً، بعكس المواقف الحياتية الأخرى.
إلى جانب ذلك، غالبًا ما يكون التواصل بين الرجال محدوداً، وتمثل كرة القدم فرصة لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية، والتسكع مع الأصدقاء. ففي معظم الأوقات ليس لدى الرجال أي شيء يناقشونه، وكرة القدم هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتحدثوا عنه. 

لذلك، ليس من المستغرب أن نجد رجالاً يلتقون بعضهم بعضاً في الحافلة لأول مرة ويشاركون في محادثات ساخنة، أو يحللون أداء فرق كرة القدم لهذا الموسم. وطبعاً، ستدرك أنّ ما يتحدثون حوله له علاقة بالرياضة، من دون أن تكون مضطراً للاقتراب منهم للتأكد من ذلك، على عكس المرأة التي يمكن أن تتحدث عن أيّ شيء تقريباً، من الأمور الاقتصادية إلى ما أكلته في ذلك الصباح.
كذلك، لا يستطيع الرجال الأكبر سناً الذهاب إلى الملعب للعب كرة القدم كما اعتادوا في صغرهم، لذا فهم يكتفون بمشاهدتها. 
فبالنسبة لمعظم الرجال، يعتبر الحضور في المدرجات ومشاهدة مباراة كرة القدم، ثاني أفضل شيء في الملعب بعد اللعب. وربما يرتبط ذلك جزئياً بغرور الرجال، الذي يصل لدرجة أنهم يرتضون لأنفسهم مشاهدة كرة القدم، إذا لم يتمكنوا من اللعب بدلاً من نسيانها تماماً.
من جهة أخرى، استطاع الرجال من خلال كرة القدم، أن يجدوا بديلاً أفضل ومقبولاً من المجتمع لإيذاء إخوانهم من البشر بشكل مباشر. ففي حين أن معظم الرجال لا يمارسون العنف المقصود لإيذاء زملائهم، فإنّ كرة القدم توفر فرصة للعنف المقبول الذي يقتصر على عبارات مثل "سنقضي عليكم". طبعاً، هذا بعيداً عن أعمال الشغب والاشتباكات التي تحدث في المدرجات بين المشجعين بعد المباريات.
في النهاية، لكلّ رجل أسبابه في حبّ كرة القدم. أسباب تتجاوز فكرة مجموعة من اللاعبين يركضون وراء قطعة من الجلد، إنّها وسيلة لتلبية الرغبات الاجتماعية والنفسية، هي شعور بالانتماء وتقدير الذات، وأداة للتسلية والترفيه، بعيداً عن ضغوط الحياة.

المساهمون