ما بعد الحقيقة... إنها كعكة وليست كائناً فضائياً

23 سبتمبر 2023
تجهيز فني ليايوي كوساما (آيزاك لورانس/فرانس برس)
+ الخط -

دشن عصر دونالد ترامب، حين تولى الرئاسة بين عامي 2017  و2021، مرحلة جديدة من حكايات الفضاء، إذ أنشأ عام 2019 "فرقة الفضاء العسكريّة" التابعة للجيش الأميركي، لحماية مصالح الولايات المتحدة خارج الغلاف الجويّ. وردت "نتفليكس" بمسلسل من بطولة جون مالكوفتش، يحمل ذات الاسم، للسخرية من تلك الفرقة العسكريّة التي، حسب المسلسل، تهدر أموال دافعي الضرائب لإيصال بيتزا إلى الفضاء، وترسيخ الحكاية الوطنيّة عن التفوق الأميركي.

منذ تلك اللحظة، تغير مفهومنا عن حرب الفضاء، تلك التي لم تحصل بعد، لكن "ناسا" مثلاً ضربت لنا درساً عام 2022 في إمكانية حصولها، إذ أرسلت مكوكاً لإزاحة "نيزك" لم يكن بالأصل سيضرب في الأرض. كل هذا التحشيد "الرسمي" ومحاولة التأكيد على أهمية الجوانب العسكرية في الفضاء يشكل نوعاً من إعادة الاعتبار لـ"ناسا"، بعد أن تحولت رحلات الفضاء إلى سياحة للأغنياء غذت نظريات المؤامرة التي تعود للحرب الباردة.

ترامب نفسه غذى الأوهام حول المنطقة 51. وحتى بعد انتهاء مدة حكمه، بدأ الكونغرس والبنتاغون ينشران صوراً وفيديوهات يدّعيان أنها لكائنات فضائية ولأجسام طائرة، جميعها تؤكد رسمياً أن لا شيء خارج الأرض. هذا التهافت العالمي حول كائنات الفضاء تلقفته شبكات البث. "نتفليكس" بثت وثائقياً بعنوان Top Secret UFO Projects Declassified عام 2021، وأشعلت الجدل بـ"وثائقي" Ancient Apocalypse الذي يقدمه أشهر مروجي نظريات المؤامرة والعلوم الزائفة غراهام هانكوك الذي يرى أن هناك كائنات فضاء قديمة هي المسؤولة عن تطوير عالمنا والجنس البشري.

الفضاء وكائناته، إذن، هما "محتوى" مثير، وشديد الانتشار، سواء كان حقيقياً أو وهمياً. المفارقة أنه، في أيام الحرب الباردة، كان الجمهور يعلم سبب رواج هذه الأفكار، إذ تمثّل الأمر بالسباق على الفضاء بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، إلى حد إرسال الأخيرة صاروخاً يحوي "كائناً فضائياً" نحو الاتحاد السوفييتي لتخويف سكّانه.

لكن الآن أصبح الأمر أشد غرابة، ومترافقا مع عودة ترامب إلى الساحة؛ إذ أطلق البنتاغون موقعاً يحوي معلومات سريّة عن أجسام طائرة، بعضها موجود في الشرق الأوسط. لكن لماذا؟ ربما لخلق المحتوى؟ أمن المعقول أن يكون البنتاغون يبحث عن متابعين على وسائل التواصل الاجتماعي؟

علوم وآثار
التحديثات الحية

نبرة السخرية والإشارة إلى السياق السياسي هي محاولة لفهم الكائنات الفضائية التي كشف عنها في البرلمان في المكسيك، تلك التي تمتلك ثلاث أصابع، سبق لذات المختبر في السنوات السابقة أن كشف عما يشبهها. على الرغم من انتشار الخبر في الصحافة العالميّة، وطرح تساؤلات حول شكل الكائنات الفضائية البشريّ، فإن أفضل رد من الرأي العام (وهنا مبالغة) هو الفيديو الساخر الذي يستخدم ذات الكائنات للإجابة عن سؤال "قالب حلوى أم حقيقة"، لتدخل السكين كاشفة أنهم قالب حلوى. هكذا إذاً عالمنا الآن، إما كائنات فضائيّة أو قالب حلوى! لا نمتلك تحليلاً دقيقاً عن سبب ظهور هذه الكائنات التي تتكاثر بالبيض: لفت الانتباه؟ صناعة ترند؟ محاكاة التشريح الوهمي لفيلم الكائن الفضائي الذيّ بث عام 1995؟ وأين بُث؟ على شبكة فوكس.

ربما ما حصل في برلمان المكسيك واحد من أعراض "ما بعد الحقيقة"، تلك التي أصبحت شأناً يومياً لسلطات بأكملها تمارس هذه الألاعيب، فالإعلان عن الكائنات الفضائية كان من جهات رسميّة، سياسية وعسكرية، لا مصادر مؤامراتيّة. بالتالي، وهنا اللافت، سرديّة المؤامرة لم تعد هامشيّة، بل حاضرة بوضوح أمام السرديات الأخرى.

وباء كوفيد-19 وترامب كانا الضربة القاسمة. هناك أرض مسطحة، ومبيضات الغسيل عوضاً عن الأدوية، والآن كائنات فضائية تتكاثر عبر البيض. هنا، تمكن قراءة الفيديو الذي يظهر فيه كائن الفضاء كقالب حلوى كعلامة على ما يحصل في عالمنا، الفيديو الذي ينتمي إلى سلسلة Real or Cake (للمصادفة، هناك برنامج على نتفليكس يحمل ذات الاسم) يكشف مقدار "التسليّة" و"الشك" اللذين نختبرهما.

لا شيء حقيقياً من حولنا ربما، و"كلنا" قد نقع في فخّ الالتباس: هل هو وباء أم مؤامرة عالميّة؟ هل مات زعيم "فاغنر" أم لا؟ لا حسم في ظل ما نشهده. كل هذا، في النهاية، عبارة عن مادّة، تتلقفها المنصات لتنتج "محتوى" آخر. وهكذا حتى نصل بالنهاية إلى سؤال: هل نحن "ضحايا" سياسات الاستعراض أم قوالب الحلوى؟

المساهمون