"لهيب الثلاجات"... مجاز فلسطيني بوجه الإذعان

21 اغسطس 2024
خلال النقاش بعد عرض "لهيب الثلاجات" في لوسيل، 20 أغسطس 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **قصة الفيلم الوثائقي "لهيب الثلاجات"**: يتناول الفيلم قصة أسامة أبو سلطان الذي استلم جثمان ابنه أمجد بعد شهر من الاحتجاز في ثلاجات الاحتلال الإسرائيلي، ويعرض معاناة أربع عائلات فلسطينية تعيش كابوس احتجاز جثامين أبنائها.

- **الجوائز والعروض**: حصل الفيلم على الجائزة الفضية في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس، وعُرض في مقر التلفزيون العربي بمدينة لوسيل القطرية، تبعه نقاش مع القائمين على الفيلم.

- **أهمية الفيلم وتأثيره**: يسلط الفيلم الضوء على معاناة العائلات الفلسطينية ويهدف إلى إحداث أثر إنساني عميق لدى المشاهدين، ويبرز الجهود المستمرة للمجتمع الفلسطيني في مواجهة هذه الانتهاكات.

كان العشرون من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 اليوم الذي وقف فيه أسامة أبو سلطان أمام جثمان فتاه أمجد ذي الأربعة عشر عاماً، وقد أصبح أمام عينه قالباً من الجليد. طلب من المشيعين ألا يتدافعوا لحمله قبل أن يدخل المستشفى ويكمل إجراءات المعاينة والتشريح. خشي الوالد المكلوم أن يقع قالب الجليد من بين أيديهم فينكسر، بعد أن قرر الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عن جثمان نجله وقد مكث شهراً في درجة برودة أربعين تحت الصفر إلى ذويه كي يدفنوه في تربة دافئة، وكي يواصل المحتل النظر إلى أي مدى نجح في استعمال جثة شهيد للابتزاز والتنكيل بمن بقي على قيد الحياة.

هذه واحدة من أربع قصص تناولها الفيلم الوثائقي "لهيب الثلاجات"، من إنتاج التلفزيون العربي، ونال الجائزة الفضية بعد عرضه الأول في الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون التي أقيمت في تونس تحت شعار "نصرة فلسطين"، في يونيو/ حزيران الماضي. وأقام التلفزيون العربي في مقره بمدينة لوسيل القطرية، عصر أمس الثلاثاء، عرضاً للفيلم تبعه نقاش مع القائمين على الفيلم الوثائقي. واستبقت العرض كلمة مسجلة ألقاها المخرج كمال الأزرق من مكان إقامته في فلسطين، قال فيها إن الفيلم "لم يكن مجرد إنتاج وتصوير، بل رحلة عميقة في إنسانية من يعانون بصمت".

السابع والعشرون من هذا الشهر يصادف "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة، والكشف عن مصير المفقودين" في سجون الاحتلال السرية الذي انطلق عام 2008، وهي المناسبة التي تعلو فيها أصوات الأحياء بنداءاتهم ومواظبتهم على عدم ترك أبنائهم وذويهم نهباً للنسيان. وقد اختار الفيلم أيضاً الذهاب مباشرة إليهم في خلواتهم بينما تظهر خلفهم صور معلقة على الجدران ومتعلقات هنا وهناك تخص شهداء يقبعون في ذاكرة غير باردة.

استطاع الفيلم وضع المشاهد أمام كابوس الأهل وألمهم الذي قد يمر في شريط الأخبار دون أن يثير الانتباه. فكل غائب في مقبرة أرقام أو ثلاجة هو انتهاك منهجي تواصله سلطة الاحتلال منذ عقود، وصولاً إلى حرب الإبادة المفتوحة في غزة التي وفرت له فوائض من جثامين الشهداء تركت لأهلها، أو طمست أدلة الوصول إليها، بينما زادت عددها في الثلاجات ومقابر الأرقام ليفوق 500 شهيدة وشهيد.

لكل روح قصتها، وكل واحدة منها يمكن أن تحدث الأثر الذي يبتغيه صناع الفيلم، وهم يمنحون المتلقي فرصة الدخول إلى هذه الثلاجة ذات اللهيب، بحسب ما أشارت إليه كل من رئيسة قسم الوثائقيات في التلفزيون العربي دينا الدمرداش، ومنتج الفيلم خالد الدعوم في جولة حوار أدارها المذيع في التلفزيون العربي نضال حمدي. ويرى الدعوم أن صعوبة مثل هذه الأعمال هي في كيفية قطع الطريق نحو إحداث أثر يتركه مجرد الإصغاء للضحايا ودفع الخبر إلى أن يصبح قصة إنسان أمام احتلال يدرك إيمان ضحاياه الراسخ بأن إكرام الميت دفنه، فيقرر إهانة هذا الحق الذي تقر به جميع الثقافات مهما اختلفت.

الصورة الكاملة في "لهيب الثلاجات"

وأضافت الدمرداش من ناحيتها أن مقابر الأرقام وحجز الجثامين في الثلاجات ليست أمراً جديداً، بيد أن الفيلم حاول تقديم الصورة الكاملة التي تكشف ما تقوم به القوة المستعمرة وما يتكرر بسبب انتهاكاتها من أوجه معاناة قد يغفل المشاهد العربي عنها، وها هو الآن يمكنه الاستماع إلى عذاب أربع عائلات، لا بل يدفعه الفيلم ليتخيل كما لو أنه في مكان أي واحد منهم.

أنتج التلفزيون العربي أكثر من عشرة أفلام عن غزة تناولت، بحسب الدمرداش، الطواقم الإنسانية والعاملين في المشافي وكذلك النازحين من أرض إلى أرض، وفي فيلم قادم قريباً سيكون موضوعه نضال الصحافيين اليوم، وكلها مجتمعة في غزة لا تلبي إلا القليل من قصص المأساة الإنسانية التي تطحنها عجلة الأخبار والتقارير اليومية عن حرب الإبادة. استعمل الفيلم في عنوانه "لهيب الثلاجات" الذي راج في فلسطين منذ سنوات، مجازاً يقوم على التناقض بين الثلاجة غاشمة البرودة واللهيب.

ما زال عبد الحميد أبو سرور المحتجز جثمانه منذ 2016 والشهيد فادي غطاس منذ 2022 وكلاهما كانا في عمر التاسعة عشرة لحظة استشهادهما، ومقابلهما يظهر في الفيلم والد الشهيد أمجد أبو سلطان الذي استقبل جثمانه بعد شهر من الاحتجاز، وكذلك حسين جفال زوج الطبيبة مي عفانة التي استشهدت عام 2021، ومعه طفلتهما سلاف وقد استقبلا جثمان الشهيدة بعد عام من الاحتجاز.

عائلتان لا تكفان عن الانتظار وأخريان لا تنقطعان عن زيارة قبرين وسقاية الزهر، كما يصور الفيلم الوثائقي. وإذا كان المستعمر كما يصفه شعوان جبارين، من مؤسسة الحق لحقوق الإنسان والقانون الدولي، في الفيلم، يلجأ لعقاب المجتمع الفلسطيني "لهدف سياسي أبعد ما يكون عن الأخلاق"، فإن المجتمع الفلسطيني لم يتعلم الإذعان رغم الفارق الفادح في ميزان القوة.

المساهمون