لماذا تثير "فيسبوك" كلّ هذه الضجة في الهند؟

30 يناير 2022
زار ناريندرا مودي مقر "فيسبوك" عام 2015 (سوزانا بيتس/فرانس برس)
+ الخط -

تعدّ ممارسات شركة "فيسبوك" (ميتا حالياً) في الهند من الأكثر إثارة للجدل، بدءاً بتورطها في خطاب الكراهية ضد المسلمين وغيرهم من الأقليات، مروراً بعلاقة مؤسّسها مارك زوكربيرغ برئيس الوزراء ناريندرا مودي، وصولاً إلى مساهمتها في تأجيج العنف وانتشار الأخبار الكاذبة والمضللة، قبل تفشي جائحة فيروس كورونا وبعده.

في يناير/كانون الثاني الحالي، جددت مسربة البيانات والموظفة السابقة في "فيسبوك" فرانسيس هاوغين وآخرون مطالبتهم للشركة بنشر تقرير طال انتظاره حول تأثيرها في الهند، زاعمين أنها تتعمد التعتيم على المخاوف بشأن حقوق الإنسان. وانضمت أكثر من عشرين منظمة إلى مسربتي البيانات، فرانسيس هاوغين وصوفي زانغ، ونائب الرئيس السابق في "فيسبوك" بريان بولاند، لمطالبة عملاقة التواصل التي غيرت اسمها إلى "ميتا" بنشر نتائج أبحاثها.

وخلال موجز صحافي نظمه ناقدو "فيسبوك"، قال الرئيس السابق لـ"لجنة الأقليات في دلهي"، ظافر الإسلام خان: "نتيجةً للسيل المستمر للكراهية على مواقع التواصل، جُرّد الهنود المسلمون من إنسانيتهم، وأصبحوا عاجزين ولا صوت لهم". وقالت هاوغين إنّ "فيسبوك" تسمح بـ"المحتوى التحريضي غير المراقب الذي أصبح أداة لاستهداف الأقليات وطائفة الداليت والنساء في الهند".

وردّت مديرة سياسة حقوق الإنسان في "فيسبوك"، ميراندا سيسونز، في بيان صحافي قالت فيه: "نظراً لطبيعة هذا العمل المعقدة، فإننا نريد أن تكون هذه التقييمات شاملة. سنقدم تقريراً سنوياً عن كيفية معالجتنا لتأثيرات حقوق الإنسان، بما يتماشى مع سياسة حقوق الإنسان الخاصة بنا".

كانت "فيسبوك" قد كلفت شركة المحاماة "فولي هوغ"، عام 2020، إجراء مراجعة مستقلة لتأثيرها في الهند التي تعد السوق الأكبر لها، حيث يصل عدد مستخدميها إلى 349 مليون شخص. لكن إصدار التقرير يؤخر مراراً وتكراراً، وفقاً لناشطين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أخبرت مجموعات حقوقية صحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ شركة التواصل ضيقت نطاق مسودة التقرير وأجّلت عملية إصداره.

سلطت المزيد من الأضواء على دور "فيسبوك" في الهند، بعدما كشفت وثائق مسربة أن المنصة كانت انتقائية في الحد من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة والمنشورات التحريضية، ولا سيما المحتوى المعادي للمسلمين، في البلاد. واستناداً إلى بحث أجري العام الماضي، سلّطت مستندات الشركة الداخلية في الهند الضوء على معاناة "فيسبوك" المستمرة في التصدي للمحتوى المسيء على منصاتها في أكبر ديمقراطية في العالم وأكبر سوق نامية للشركة. ولدى التوترات الطائفية والعقائدية في الهند تاريخ من الغليان على وسائل التواصل وتأجيج العنف. وأظهرت الملفات أن شركة "فيسبوك" كانت على دراية بالمشكلات منذ سنوات، ما أثار تساؤلات عما إذا كانت قد فعلت ما يكفي للتصدي لهذه المشكلات. ويقول العديد من النقاد والخبراء الرقميين إن الشركة فشلت في القيام بذلك، ولا سيما في الحالات الضالع فيها أعضاء من حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن مسؤولة العلاقات العامة في الشبكة في الهند، أنخي داس، رفضت سحب تعليقات معادية للمسلمين نشرها نائب قومي هندوسي، بحجة عدم الإضرار بمصالح الشركة في البلاد. وعلى إثر هذه الاتهامات، أعلنت "فيسبوك" أن داس غادرت منصبها، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

سياسة "التعاطف" مع حزب ناريندرا مودي بدت واضحة كذلك في إبريل/ نيسان 2019. إذ قبل أيام من بدء التصويت في الانتخابات العامة في الهند، أعلنت "فيسبوك" حذف "صفحات غير أصيلة مرتبطة بالجيش الباكستاني وحزب المؤتمر الهندي"، وهو الحزب الرئيسي الذي ينافس "بهاراتيا جاناتا". في الوقت نفسه، لم تغلق الشركة أي صفحة من تلك التي تنشر أخباراً كاذبة مرتبطة بالحزب الحاكم "لأن أنخي داس منعت ذلك"، وفق ما صرّح موظفون سابقون في "فيسبوك".

تطول اللائحة التي تثبت بالدليل أنّ إدارة الموقع لم تتخذ أي إجراء فعلي لوقف التحريض على المسلمين في الهند، مثل ترويج بعض مناصري مودي أن المسلمين يقفون خلف نشر فيروس كورونا في البلاد. هذه الاتهامات وغيرها من نماذج التحريض تحوّلت إلى مجموعات منظمة على "فيسبوك"، وعلى تطبيق "واتساب" الذي تملكه الشركة أيضاً، وأدت إلى مواجهات في الشارع سقط على أثرها قتلى.

العام الماضي، كشفت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية أن "فيسبوك" سمحت لشبكة من الحسابات الزائفة بتضخيم شعبية نائب ــ لم تسمّه ــ عن "حزب بهاراتيا جاناتا" الحاكم في الهند. وفقاً لـ"ذا غارديان"، كانت الشركة الأميركية تجهز لحذف هذه الشبكة، لكنها تراجعت، بعدما قُدمت لها أدلة عن تورط النائب نفسه مباشرة فيها. قرار شبكة التواصل العملاقة بتأخير حذف شبكة الحسابات الزائفة، رغم تنبهها لها، هو المثال الأخير على أنها تفرض قواعد مخففة على النافذين من مستخدميها.

طبعاً هذه ليست المرات الوحيدة التي طرحت علامات استفهام حول علاقة "فيسبوك" بالحزب الحاكم في الهند، فقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في أغسطس/آب عام 2020، أن الشركة تساهلت مراراً، ومن دون مبرر، مع انتهاك قادة حزب "بهاراتيا جاناتا" لقواعدها.

في السياق نفسه، أشار محللون سابقاً إلى أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزب "بهاراتيا جاناتا" استغلا "فيسبوك" في الفوز بالانتخابات العامة التي أجرتها البلاد عام 2014. منذ ذلك الحين، أصبحت تكتيكات الخداع عبر مواقع التواصل شائعة في السياسة الهندية، إذ وجدت الموظفة السابقة في "فيسبوك"، صوفي زانغ، أن الأحزاب السياسية الرئيسية في الهند كلها تعتمد الأساليب الخادعة في الحصول على "إعجابات" وتعليقات ومشاركات وحتى معجبين زائفين. وقالت زانغ إنها عملت على حذف شبكات وهمية تابعة لأحزاب سياسية قبل الانتخابات العامة في البلاد عام 2019، شملت 2.2 مليون "رد فعل" (reaction) و1.7 مليون مشاركة و330 ألف تعليق من حسابات غير موثوقة أو مخترقة.

في ديسمبر/كانون الأول عام 2019، اكتشفت الموظفة نفسها أربع شبكات معقدة من الحسابات المشبوهة التي كانت تنتج تفاعلات زائفة على صفحات كبار السياسيين الهنود. خصصت اثنتان من الشبكات لدعم أعضاء حزب "بهاراتيا جاناتا"، بينهم النائب الذي ذكر سابقاً. تولى موظف في "فيسبوك" النظر في هذه الحسابات المشبوهة، وصنف النظام المعتمد في الشبكة "إكس تشك" أحدها باعتباره "شريكاً حكومياً" و"ذا أهمية قصوى ــ الهند". يستخدم النظام للإشارة إلى الحسابات البارزة وإعفائها من إجراءات إنفاذ آلية معينة. تنبهت الموظفة إلى أن هذا الحساب هو العائد للنائب الذي أبقت "ذا غارديان" هويته سراً.

مودي نفسه زار مقر "فيسبوك" عام 2015، في كاليفورنيا، حيث التقى المؤسس والمدير التنفيذي مارك زوكربيرغ. وأثنى حينها على النفوذ السياسي الذي تتمتع به منصات التواصل. وانتشرت حينها صورهما متعانقين، بعدما تحدثا علناً لنحو ساعة تخللتها لحظات "مؤثرة"، إذ بعدما أشار زوكربيرغ إلى والديه بين الحضور، انفجر مودي في البكاء متحدثاً عن والديه.

المساهمون