لعبة Among Us: كائنات في إثر المخادع

13 أكتوبر 2020
لا تتطلّب اللعبة تسجيلاً معقداً أو حساب مستخدم دائماً (Getty)
+ الخط -

عندما عُرِض فيلم The Big Lebowski عام 1998، لم يكن أحد يتوقع نجاته لأكثر من 20 عاماً وتحوّله إلى العمل الكلاسيكي كما نعرفه اليوم، لأنه نال حينها انتقادات شديدة، و"أخفق" تجارياً في شباك التذاكر. لكن لماذا؟ يعزو البعض ذلك إلى قصر نظر النقاد حينها، وعجزهم عن تقدير عالمٍ مبتدع كالذي يقدمه الفيلم. ويشير آخرون إلى تزامن عرضه مع فيلم "تايتانيك" ببساطة. إلا أن ثمة سبباً آخر يطرح أحياناً للإجابة عن هذا السؤال؛ وهو أن لحظته لم تكن قد حانت حينها، ولن تحين إلا حين يعود جورج بوش آخر إلى البيت الأبيض، ويتغير المشهد السياسي في العالم كله بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي سيتبعها بعد قرابة العام مؤتمر "الليبوسكيين" الأول (2002).

تدلنا هذه الحادثة، وغيرها، سواء تعلقت بالسينما أو بالفنون بشكلٍ عام، أن ثمة لحظات معينة تؤثر في تلقينا لأعمالٍ موجودة سلفاً، وتغير الطريقة التي نراها بها، وهو بالضبط ما جرى مع لعبة الفيديو Among Us، التي أُطلِقت عام 2018 من دون إقبالٍ يذكر، ونالت اليوم التقدير "الذي تستحقه".


عن اللحظة التاريخية
فلنرسم بعض التقاطعات. تتمحور اللعبة حول مجموعة من الكائنات التي توجد في مكانٍ مغلق وعليها أداء بعض المهام واكتشاف المخادع/ين بينهم، الذين سيمنعون ذلك، سواء عبر قتل اللاعبين الآخرين أو تخريب المكان. ولكي ينجح اللاعبون، يجب أن يتعاونوا لتأدية المهام والتصويت على من يُشتبَه في أمرهم، كل مرة على حدة، بالاعتماد على نافذة دردشة تتوافر ضمن شروط معينة. 

يشبه ذلك، إلى حدٍ معين، ما نعيشه اليوم. فبعد أكثر من ستة شهور ضمن عالم الوباء، صار الجميع على دراية تامة بشعور الانعزال في مكانٍ مغلق مع كل مشاعر الشك في الآخر والذات من جهة، ومحاولات التبرئة من جهة أخرى. ولا شك في أن أي لاعبٍ سيشعر بهذه التقاطعات حالما يبدأ اللعب ويحاول التعايش مع ما هو "يومي" أثناء مواجهة خطرٍ محدقٍ ومجهول، وذلك في حالة كانت القرعة قد اختارت اللاعب ليكون جزءاً من الطاقم، وليس مخادعاً.

أما في الحالة الأخرى، فإن فكرة خداع عدة لاعبين وإحداث بعض الفوضى ليست تماماً مرتبطة بما نعيشه اليوم (ونأمل ألا تكون كذلك، بكل حال)، إلا أنها في الوقت ذاته واحدة من أساسات اللعب، وهي تجربة مختلف الأدوار التي لا نعيشها حقيقةً، وهو أمر التفتت إليه استوديوهات الألعاب، وعملت على تطويره عبر مد اللاعبين بالمزيد من الخيارات اليوم في دفع القصة قدماً وتجربة مواقف معقدة تترك للاعب حرية التصرف خلالها. وفي حالة Among Us، فإن مزيج الشك والثقة والخيانة يخلق إغراءً للاعبين وحالة درامية ممتعة ببساطة. 

إضافةً إلى ما سبق، وتفاوت إجراءات الحظر حول العالم، يجد كثيرون اليوم في اللعبة صغيرة الحجم وسهلة التعلّم وسيلةً للتسلية من المنازل والأرائك وقتل الوقت، وتشكل بذلك بديلاً آنياً لبعض الألعاب التي كانت تعتمد على الحضور الشخصي ومهارات التواصل، التي أضرت جائحة كورونا بها من جهة، والتحول نحو الإلكتروني من جهة أخرى، كبعض ألعاب الورق والطاولة.


تجربة اللعب
ثمة كثير من المغريات لتجربة Among Us (ومن ثم إضاعة كمية معتبرة من الوقت أثناء ذلك)؛ فهي لا تتطلّب تسجيلاً معقداً أو حساب مستخدم دائماً، ويمكنك تغيير الاسم بلحظة واحدة. أكثر من ذلك، لا تقدم اللعبة عالماً معقداً أو خريطة تحكم معقدة، ويمكن بعد عدة محاولات أن يتمكن اللاعب من إتقان التعامل معها وتذكر الخريطة إلى حدٍ ما. وبعيداً عن خيارات التحرك البسيطة (الأزرار الأربعة لمن يستخدمون الكومبيوتر أو دائرة التحرك على الهاتف الذكي)، لن يواجه اللاعب صعوبة في تأدية المهام الموكلة إليه، والتي تتسق مع رسوم اللعبة وشخصياتها الميالة إلى التبسيط المقصود. 

ثمة جانب آخر يستحق الذكر عن هذه التجربة، يتعلق باحتمال التعرض للمضايقة الذي بات مرادفاً للعب على الإنترنت مع لاعبين آخرين ومشكلةً تحاول الشركات إيجاد حلولٍ لها، إذ إن هذه المجتمعات عرضة لظهور لاعبٍ غاضب في أي ثانية، فضلاً عن أولئك الذين يتقصدون الإزعاج أحياناً أو الإساءة العنصرية أو الجندرية أو غيرها. 

تكنولوجيا
التحديثات الحية

وبينما لا يمكن القول إن اللعبة آمنة بشكلٍ كامل من هذه الناحية، إلا أن طريقة التسجيل الآمنة نسبياً لا تترك معلومات شخصية عرضة للخطر، كما أن نافذة الدردشة المحدودة تجعل من التطرق لأي موضوع خارج نطاق اللعبة أمراً صعباً بعض الشيء، عدا عن احتواء هذه النافذة على نظام فلترة لبعض المفردات المؤذية. 

تقدم اللعبة أيضاً خيار استضافة لعبة مغلقة، بحيث يمكن دعوة أشخاص معينين من دون الحاجة للمشاركة مع غرباء، وبالتالي خلق بيئة آمنة لمجموعة من الأصدقاء الذين يبحثون عن طريقة لقضاء بعض الوقت وأكثر متعة من اتصال جماعي.
على الجهة الأخرى، ثمة بعض التحسينات التي يمكن أن تحسّن تجربة اللعب. إذ لا يمكن إنكار الحقيقة بأن اللعب كمخادع أكثر متعة من اللعب كفرد من أفراد الطاقم والخوف من الاتهام أو الإقصاء أثناء الانشغال بإصلاح التوصيلات، إلا إذا كان أحدنا يفضل دور المحقق.

ونتيجة لذلك، من الشائع أن نلاحظ خروج بعض اللاعبين حالما تبدأ اللعبة ويعرفون أن الاختيار وقع عليهم للعب الدور الاعتيادي. ويمكن تفادي ذلك مستقبلاً بجعل التجربة على الشق الآخر مسليةً بقدرٍ متكافئ.

إضافةً إلى ما سبق، يواجه اللاعبون على الهاتف الذكي وقتاً عصيباً خلال الدردشة، إذ يكون الوقت محدوداً أحياناً ويتعرض بعضهم للاتهام بسبب صمتهم، لا لشيء سوى أن صياغة جملة تدفع بالبراءة صعبة بعض الشيء على لوحة مفاتيح الهاتف. 
عربياً، سيحبط بعض اللاعبين لأن اللعبة لا تدعم خيار الكتابة باللغة العربية حتى الآن، ما يجعل اللعبة إقصائية لهم إذا ما كانوا لا يتقنون اللغة الإنكليزية، أو يفضلون ببساطة استخدام اسمٍ عربي!

لا يبدو أن Among Us متجهة بأي طرق سوى إلى مزيد من الشهرة، بعد هذا الاكتشاف المتأخر لها. إذ أعلن استوديو Innersloth المطوّر للعبة أنه أوقف العمل على الجزء الثاني من اللعبة مؤقتاً للتركيز على تحسين وتطوير النسخة الحالية بعد ازدياد الإقبال عليها، وإذا ما افترضنا أن الإجراءات الاحترازية لن تختفي فجأةً في المدى المنظور وبأن حيواتنا بشكلٍ عام لا تحتوي على قدرٍ كافٍ من الدراما، فلا سبب يدعو لاختفاء هذه اللعبة من أجهزتنا أو حذفنا لها لتوفير مساحة لواحدة أخرى، ويبقى السؤال متعلقاً بجهوزية مطوّري اللعبة للتعامل مع عالمهم الجديد هذا وضبطه ومن ثم تطويره. 

المساهمون