لا حفلات موسيقيّة في ليالي الحجر الصحي الطويلة في فيينا

30 ديسمبر 2020
قامت النمسا بإعادة تفعيل تدابير الإقفال مرتين (Getty)
+ الخط -


لن تغيب حفلة رأس السنة الموسيقية التقليدية عن فيينا هذه السنة، لكنها ستقام من دون جمهور، إذ إن جائحة كوفيد-19 ضربت عاصمة الثقافة بشدّة وحوّلتها إلى ما يشبه مدينة أشباح.

كانت مؤسسات فيينا في مطلع يونيو/ حزيران الفائت من بين تلك السبّاقة في أوروبا إلى إعادة فتح أبوابها. وأرادت النمسا الحفاظ على ثروتها الموسيقية التي اشتهرت بها، ولكن منذ تنوفمبر/ شرين الثاني الفائت، أعيد تطبيق تدابير الإقفال مرتين في العاصمة النمساوية التي يبلغ عدد سكانها 1,8 مليون نسمة، وعاد الصمت يسود مسارحها وقاعات حفلاتها.

إلا أن حفلة موسيقية واحدة ستقام رغم كل شيء، وتجعل موسم الأعياد هذه السنة فريداً من نوعه، لكنها بلا شك الأكثر رمزية من بين الحفلات الخمسة عشر ألفاً التي درجت فيينا على أن تشهدها سنوياً قبل الجائحة.

وقال مدير الأوركسترا الفيلهارمونية دانييل فروشوير لوكالة "فرانس برس" في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الفائت، عندما أثار الارتفاع الحاد في عدد الإصابات مخاوف من حدوث الأسوأ، إن "الإلغاء سيكون بمثابة إشارة مروعة إلى العالم بأسره".

وشدّد فروشوير على أن "من غير الوارد" التفكير في عدم إقامة هذه الحفلة. فحفلة رأس السنة التي تشكّل تحيةً لأسرة شتراوس الموسيقية، تُعرَض عادة في أكثر من 90 دولة وتصل تالياً إلى 50 مليون مشاهد. أما المحظوظون الذين يملكون امتياز حضورها داخل القاعة ذات اللون الذهبي في دار "موزيكفارين" للحفلات، فيتم اختيارهم بالقرعة في بداية السنة.

إلا أن الموسيقيين سيعزفون في الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل بقيادة الإيطالي ريكاردو موتي أمام قاعة فارغة، للمرة الأولى منذ بدء إقامة هذه الحفلة العام 1939.

ولملء لحظات الصمت، وخصوصاً بعد معزوفة البولكا العاصفة، ستبث محطة "أو.آر.إف" الحكومية التصفيق المباشر لسبعة آلاف من عشاق الموسيقى الذين يتابعون الحفلة عبر الإنترنت من منازلهم.

 

 

وحمل فروشوير منذ الربيع لواء قضايا الموسيقى والفنانين، ويسعى بكل قواه إلى العمل لمعالجتها، ولم يتردد في الاتصال حتى بالمستشار النمساوي سيباستيان كورتز في هذا الشأن. ووصف فروشوير أوركسترا فيينا الفيلهارمونية "فيينر فيلهارمونكر" بأنها، بالنسبة إلى النمسا، "ككرة القدم بالنسبة لإنكلترا".

وأكد فروشوير أن أي إصابات لم تسجّل خلال الأشهر القليلة التي عاودت فيها الأوركسترا نشاطها وحفلاتها.  وأضاف: "كنا نخضع للفحوص بانتظام وكان الجمهور منضبطًا للغاية"، وملتزماً وضع الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي.

في المقابل، تغيب كلياً الحفلات الراقصة التي تساهم 450 منها في بث بعض البهجة في الشتاء النمساوي، ما بين نوفمبر وفبراير، وهي حفلات تقيمها فئات مهنية وغير مهنية عدّة، لكلّ منها حفلتها.

منذ القرن الثامن عشر، لم تعد الحفلات الراقصة في بلاط أسرة هابسبورغ المالكة حكراً على الطبقة الأرستقراطية. ويتسبب هذا الوضع بالحزن لتوماس شيفر إلماير، وهو مدير إحدى أشهر مدارس الرقص في فيينا التي أسسها جده قبل 100 عام.

وقال إلماير (74 عاماً) الذي تولى إدارة بعض أرقى الحفلات الراقصة، وهو يشير إلى قاعة الرقص الفارغة "نحن عاجزون كلياً"، معتبراً أنها "كارثة" و"فوضى لا تصدق". ويسأل إلماير: "كم عدد الذين سيتمكنون من الصمود"؟ من الراقصين والآلاف الذين يكسبون لقمة العيش من حفلات فيينا الراقصة، كالعاملين في الفنادق وصالونات تصفيف الشعر والمتخصصين في صنع البزات الرسمية والفساتين، وباعة الزهور، وسواهم.

واستقطب موسم الحفلات الراقصة العام الفائت نحو نصف مليون شخص، من بينهم 55 ألفاً حضروا خصيصاً من خارج النمسا، وبلغ متوسط إنفاقهم 290 يورو للفرد. وبالتالي، ضاع على اقتصاد فيينا نحو 150 مليون يورو هذه السنة، على قول مدير مكتب السياحة في فيينا نوربرت كيتنر.

لكنّ قيمة حفلات فيينا الراقصة لا تقتصر على هذه المكاسب المالية، بل هي "تجسّد نمط الاحتفال" في المدينة، إذ تمزج الحنين إلى العصر الذهبي للعاصمة النمساوية مع "جو احتفالي جداً".

وفي ظل تراجع عدد الإقامات الفندقية أكثر من 70 في المائة بين يناير ونوفمبر 2020، رأى كيتنر في حفلة رأس السنة الموسيقية "رسالة إيجابية" تطوي صفحة سنة كانت فظيعة بالنسبة إلى الثقافة التي تشكّل محرّك اقتصاد العاصمة النمساوية.

ودعا كيتنر السيّاح للعودة إلى فيينا، لكنه يبقى "واقعياً". وقال: "يمكننا أن نأمل في عودة الوضع إلى طبيعته في صيف 2021 ، لكننا ندرك أن لا شيء مضمون".

(فرانس برس) 

المساهمون