"لآخر العمر"... الرومانسية الحربية لإعلام النظام السوري

12 يناير 2021
رنا شميس ووائل رمضان في لقطة من الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -

بدأت صالات السينما السورية أخيراً بعرض الفيلم الروائي الطويل "لآخر العمر"، للمخرج باسل الخطيب والكاتب سامر محمد إسماعيل. يشارك في بطولة العمل وائل رمضان ورنا شميس وعارف الطويل وترف التقي، وهو من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري. 

اخترع صناع العمل تصنيفاً جديداً أدرجوا الفيلم ضمنه، وهو "رومانسي حربي"، ليشيروا بذلك إلى ولادة نوع جديد في السينما السورية؛ إلا أن الفيلم بالحقيقة لا يختلف عن الأفلام التي واظبت مؤسسات النظام السوري على إنتاجها منذ اندلاع الثورة عام 2011، ضمن سعيها لتقديم رسائل مباشرة، هدفها الوحيد تقديس وتبجيل ممارسات الجيش العربي السوري، ووسم جميع المعارضين بالإرهابيين. 

وعلى بقايا حي جوبر، المتاخم للعاصمة السورية دمشق، الذي دمره جيش النظام بشكل كامل وأخرج منه سكانه قسراً، تم تصوير الفيلم لرسم ملامح بطولية لعقيد في وحدة العمليات الخاصة لجيش النظام، "العقيد عيسى"، الذي أدى دوره وائل رمضان، مخاطراً بحياته لإنقاذ الصحافية "لارا" (رنا شميس)، التي تم اختطافها من قبل إحدى الجماعات الإرهابية أثناء تغطيتها للعمليات الحربية التي ينفذها جيش النظام.

يستند الفيلم إلى قصة إنسانية مؤثرة حدثت قبل أعوام، وهي اختطاف مراسلة قناة "الإخبارية" يارا صالح، وفريق التصوير المرافق لها، من قبل جماعات متطرفة في منطقة التل بريف دمشق عام 2012 في محاولة لتبييض صورة إعلام النظام السوري، وبالأخص الإعلام الحربي

من خلال هذه الحكاية، يعود الفيلم للعناوين والكليشيهات التي استهلكها إعلام النظام السوري في أعوام الثورة الأولى، مثل "التضليل الإعلامي" و"فبركة الأخبار"، ليعيد صياغة الاتهامات التي واظب على توجيهها للقنوات العالمية والعربية، التي قامت حينها بتغطية المظاهرات والمجازر الدموية التي تعرض لها السوريون على يد النظام؛ ليكون الفيلم بذلك حلقة جديدة يتوج بها روايته الإعلامية التي تم تصميمها لتخدم أجندته السياسية؛ ليكون "لآخر العمر" هو الفيلم الذي تم إعداده فعلياً لتسليط الضوء على بطولات المراسلين الحربيين الذين رافقوا الجيش السوري خلال معاركه المزعومة ضد الإرهاب.

وفي محاولة لتبييض صورة إعلام النظام السوري، وبالأخص الإعلام الحربي، يستند الفيلم إلى قصة إنسانية مؤثرة حدثت قبل أعوام، وهي اختطاف مراسلة قناة "الإخبارية" يارا صالح، وفريق التصوير المرافق لها، من قبل جماعات متطرفة في منطقة التل بريف دمشق عام 2012؛ حيث قام المسلحون بتصفية المصورين بطريقة وحشية حينها، ونشر فيديو ليارا برفقة تلك المجموعة التي أعلنت اختطافها. 

لا يمكن النظر للفيلم سوى كمحاولة جديدة يقوم بها النظام لاستثمار معاناة الناس الذين وقفوا بصفه، فهي مجرد حكاية تنسجم مع البروباغندا الإعلامية الخاصة به، ولا تُعنى أبداً بتقديم طرح جاد لمشكلة الخطر الذي يحيط بالإعلاميين السوريين في الداخل. إذ لم يشر الفيلم إلى الأساليب الوحشية التي لجأ إليها النظام لمنع الإعلاميين السوريين من توثيق المظاهرات في تلك الفترة. ولم يذكر الإعلاميين المعتقلين الذين كانوا يقبعون في أقبية النظام سنة 2012. على العكس من ذلك، فإن الفيلم يحاول أن يستثمر حكاية يارا صالح، للخروج بنتيجة مفادها أن إعلام النظام كان ينقل الحقيقة كاملةً، وأن مراسليه عرضوا حياتهم للخطر في سبيل ذلك.

الفيلم كان يحتاج ربما إلى إضافة بعض الإشارات أو التقارير الإخبارية التي توثق جرائم النظام بحق الإعلاميين، كقيام النظام السوري بتصفية عدد كبير من الصحافيين والإعلاميين الأجانب الذين قدموا إلى سورية لتغطية الوقائع، أبرزهم الصحافية الأميركية ماري كولفن، إذ قُتلت خلال قصف النظام للبناء الذي تقطن فيه في مدينة حمص، خلال تغطيتها للمجازر هناك، والصحافي أوستين تايس، الذي تم اختطافه من قبل النظام منذ عام 2012، ولا يزال مصيره مجهولاً إلى يومنا هذا.

 ينتهي الفيلم بالطريقة ذاتها التي تنتهي بها جميع الأفلام السورية التي أنتجها النظام أخيراً، بنهاية "وطنية" سعيدة، يعود فيها الإرهابيون إلى حضن الوطن بعد إدراكهم لخطأهم، ويتمثل ذلك بما فعله "أنس"، الذي أدى دوره باسل حيدر، والذي قام بتسليم سلاحه في نهاية الفيلم، والتعاون مع الجهات المختصة للإيقاع بباقي الإرهابيين، بعد أن كان قد اختطف مراسلة "الإخبارية" وشارك في تعذيبها. وبالطبع، تفتح الحكومة السورية أذرعها لاحتضانه، في صورة مبتذلة تجسد تسامح النظام الوهمي وتساهلها مع من تسميهم "إرهابيين"، ويرافق ذلك سيل من العبارات المبتذلة، التي تشبه الوطن بالأم الحنون التي تغفر لأبنائها وتسامحهم.

المساهمون