لعل الألبوم الأخير لنجم موسيقى الكونتري الأميركي الراحل كيني روجرز (Kenny Rogers)، الذي صدر أول الشهر الماضي، يتعدّى أن يكون بوستثومس (Posthumous)؛ أي عمل أو أعمال تُنشَر بعد رحيل مُبدعه بمجهود أسرته، أقربائه أو ناشريه ومنتجيه.
ثمة حميمية حقيقية ليست انتهازية تجارية تُميّز تراكات الألبوم العشرة الرئيسية، لعله غَرْس زوجته المغنية واندا ميلر (Wanda Miller) التي أشرفت بنفسها على سير الإنتاج، إذ يبدو عنوان الألبوم Life Is Like A Song كما لو أنه قصة حياتهما معاً.
ضرب على أوتار آلة البانجو يفتتح التراك الأول المعنون Love Is A Drug. بصوتها ذي الطبيعة المعدنية، تُعدّ تلك الآلة واحداً من أركان موسيقى الكونتري الشعبية. يليها إيقاع هدّار يكاد يتكون من ضربة واحدة تُقرع على طبل باص كبير، تُسمع كخبطة قدم، فتوحي بجوّ أميركي راقص. يُسلَّم لحن البلوز المتكرر من البانجو إلى آلة الغيتار الكهربائي في تسخين تصاعدي على طريقة الروك أند رول. ثمّ جسر هارموني مُشيّد على انحلالات نغمية ستقود إلى قسم الكورس. خلاله يلفظ روجرز عنوان الأغنية.
تُميّز I Wish It Could Rain أجواء موسيقية تُعيد الأذن إلى حقبة الثمانينيات، وذلك عبر خصائص الإيقاع اللونية وجملة المؤثرات المُركبة إلكترونياً. نغمات متكررة متتابعة، تتساقط كالشهب، تصدر عن أورغ كهربائي مُشبع بخلفية موسيقية إلكترونية، ترسم مشهد سماء ليلية.
في تلك الأجواء الحالمة الواسية، يبدأ روجرز الغناء، طارحاً موضوعة تُعد تقليداً ثابتاً في إرث موسيقى الكونتري، ألا وهي الهجر الذي يقترن بفروسية الكاوبوي. يقصّ الرجل واصفاً مشاعر حزنه، كيف تركته امرأته وحيداً. إلى أن تُفرج أسارير المقطع الأول حين يُناجي السماء مستعيراً عنوان التراك، فيما هو مُعتكف حبيس المكان. من خلال أمنيته بأن يهطل المطر، يُعبّر عن رغبة عارمة بالبكاء تكْبتها رجولته، فيسعى لترحيلها مجازاً إلى السماء، عساها تبكي نيابةً عنه.
تنتمي Am I Too Late إلى فئة الأغنية العاطفية البطيئة، أو ما يُعرف بالبالاد (Ballad). لأجلها، استُحضِرت الآلات الأكوستية، أي تلك التي يصدر عنها الصوت بصورة طبيعية من دون تكبير صناعي كهربائي. نسمع لحناً ممتداً بفعل انسحاب قوس التشيلو على الوتر، تزركشه نغمات تُعزف على الغيتار.
تُقدّم كلمات الأغنية على شكل حوار مُتخيّل يدور بين الحبيب والحبيبة، يحوي مصارحة وعتاباً، كما يحوي أيضاً بوحاً ومناجاة. من خلال الأمل ألا يكون الوقت قد تأخر لكي يقول لها "أحبك"، يعرب روجرز عن رغبته في أن يكون ثمة من فرصة أخيرة تُصلح الحال وتمد الحب بقبس الحياة. تدخل الحبيبة بصوت المغنية كيم كيز (Kim Keyes) لترد على كلام الحبيب، قبل أن يتعانق صوتهما ضمن دويت Duett أي غناء ثنائي تتداخل به حنجرتان، مختلفتا الطبقة والنغمة، ضمن انسجام هارموني وائم.
يعود إيقاع الكونتري الراقص من جديد عبر تراك Tell Me That You Love Me. على صوت الأكف والكعوب وضرب أوتار البانجو، مصحوباً بالغيتارات والإيقاعات، يصدح صوت روجرز أولاً، ثم يليه صوت المغنية دولي باترون (Dolly Patron) على فارق زمني محدد، قبل أن يتداخلا هارمونياً. تتسم الأغنية برقة ورشاقة وبهجة، تعترضها عند الجسر جهارة صوت الغيتار الكهربائي، قبل أن يعود شبيه المقطع الأول حيث ستنقلب الأدوار، فتبدأ الغناء ليرد عليها روجرز.
تستجيب دقّات الأنغمام على مفاتيح آلة البيانو إلى كلمات مطلع القسم الأول من أغنية Straight Into Love؛ إذ يغني روجرز: "تلك هي اللحظات يا حبيبتي، أفضل ما يمكن"، فيتناهى البيانو أشبه بساعة تدق الثواني. بهذا تُعبّر الأغنية عن موضوعة أخرى شائعة لدى الحديث عن الحب، ألا وهي الإمساك بالزمن بنيّة إبطائه، وعليه، الاستغراق المديد بالحب، في مسعى يائس في رفض الاستعجال الذي عادة ما يُميّز الوقوع بالحب. تشاركه المسعى المغنية جيمي أونيل (Jamie O'neal) قبل أن ينطلق الاثنان في غناء مشترك، يرافقهما الأورغن الكهربائي، قبل أن تنضم جوقة نسائية على طراز الغناء الديني الأميركي المعروف بالغوسبل (Gospel).
صفيرٌ ناءٍ مُعدّ إلكترونيا ذو لون كوني تبدأ به أغنية Wonderful Tonight. بعدها، يدلف صوت روجرز ترافقه آلة الغيتار. تتميز الكلمات بخاصية شعرية قصّية (Storytelling) وثيقة الصلة بالأدب الغربي الحديث، الأميركي تحديداً، ألا وهي استحضار وصفي لمشاهد الحياة اليومية من دون بوح أو خطابة ذاتية؛ إذ ثمّ عشيق يشاهد عشيقته وهي تُعد نفسها للخروج لينتهي المقطع الأول عند إجابة عشيقها لها عن سؤالها "هل أبدو على ما يرام"، والتي ستمنح الأغنية عنوانها.
إن تداول موضوعة الروعة (Wonder) على مدار المقاطع ومن خلال مشاهد متعددة تجمع الحبيبين ضمن يوميّاتهما معاً، يجعل من الأغنية جامعة لصفتي العمق والضحالة في آن واحد، وبالتالي يهبها سحراً خاصاً يكمن في النظر إلى العابر اليومي بعين شعرية تُلقي بضوءٍ وجودي على الحياة.
ينطلق تراك Catchin' Grasshoppers عوداً مجدداً إلى الثمانينيات. ائتلافات نغمية شاعرية مصحوبة بمداعبة صنوج الطبول وصوت آلة غيتار كهربائي، جميعها مظاهر تعود بالأذن إلى نوستالجيا صبا الفنان. بيد أن الشاعرية ههنا عائلية تُفارق الحب الرومانسي وتُقارب الحب داخل الأسرة. يستحضر روجرز ذكرياته مع ولديه التوأمين جستن وجوردان، في ما تبدو نزهة في المروج يلتقطون الجنادب. يبعث كورس الأغنية رسالة اجتماعية محافظة، عادة ما تُوجّه إلى الشريحة المسيحية البيضاء التي تتماهى بموسيقى الكونتري؛ إذ يُثمّن النص الوقت الذي يقضيه المرء مع عائلته، داعياً إلى إمساك اللحظة أملاً في إبطائها.
في تراك That's Love To Me، وبمصاحبة غيتار أكوستي، يطرح روجرز على نفسه وعلى مستمع أحد أكثر الأسئلة الوجودية شغلاً للناس، ألا وهو ماهية الحب. وكما يوحي عنوان الأغنية، ليس طرح السؤال سوى تمهيد خطابي لاقتراح إجابة. هكذا، فإن معنى الحب بالنسبة إليه سينساب عبر مقطع الكورس من خلال أمثلة من الحياة عن مواقف وانطباعات يتجلّى فيها الحب كما يؤمن به روجرز؛ إنه ذلك الشعور الذي يتّقد في الوجدان لدى اشتباك ذوات العاشقين عند موقف، مُفارقة، مشادّة أو معانقة.
مقدمة موسيقية آلية يُستهل بها تراك I will Wait For You تتصدرها آلة السيلسيتا الكهربائية (Celesta)، وهي أشبه ببيانو، لمفاتيحه صوتٌ كأجراس صغيرة، تتبعها موجة عارمة من وتريات، تنحل في وصلة شاعرية منفردة على آلة الغيتار. تحلّ أجواء الثمانينيات من جديد، تحمل كلمات عشق رومانسية. تطغى الوتريات على موسيقى التراك مصحوبة بنقرات إيقاعية لا تكاد تُدرك. تُحاكيها نقرات بالأصابع على آلات الكمان. تغصّ الأغنية التي تدوم وقتاً وجيزاً بجميع مكونات الأغنية الرومانسية.
وعلى ذات المنوال الرومانسي المشحونة سماؤه بأجواء الآلات الوترية، يُختتم الألبوم بأغنية حب، كما لو أريد له أن يحمل لكيني رسالة من زوجته واندا، وإن كانت بصوته، عنوانها Goodbye.
