- الدراسة أكدت على أن القانون، رغم نيته الحسنة، يفتقر إلى الشفافية والمساءلة، مما يزيد من خطر الرقابة والتمييز ضد المحتوى الذي يدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني.
- تم التأكيد على التحديات الناجمة عن التسييس والتأطير الإشكالي للقانون، مع التحذير من أن الإفراط في الامتثال قد يؤدي إلى إزالة غير عادلة للمحتوى القانوني، مقمعًا السرديات الفلسطينية.
تناول مركز حملة، أي "المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي"، ومقره حيفا، في دراسة جديدة، "العلاقة المعقدة بين السياق الإسرائيلي/ الفلسطيني وتشريعات الاتحاد الأوروبي، وخاصة قانون الخدمات الرقمية"، وبحث "جوانبه السلبية والإيجابية خارج الحدود الإقليمية لقانون الخدمات الرقمية، لا سيّما بخصوص الصراع والأزمات التي تستمر آثارها عالمياً على عمليات المنصات الرقمية الخارجة عن حدود الاتحاد الأوروبي، وخاصة إثر الحرب على غزة ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
كما تناولت الدراسة المنشورة الاثنين، وعنوانها "الحقوق الرقمية الفلسطينية وأثر قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي خارج الحدود الإقليمية"، انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية، والمخاوف من التمييز والرقابة داخل الاتحاد الأوروبي التي تؤثّر على الفلسطينيّين والمدافعين عن حقوقهم.
دخل قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي حيّز التنفيذ في نهاية أغسطس/ آب الماضي، وهو يجبر المواقع الاجتماعية، مثل "غوغل" و"فيسبوك" و"إكس" و"تيك توك"، على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد المنشورات التي تحتوي على معلومات كاذبة وخطابات كراهية، تحت طائلة دفع غرامات باهظة قد تصل إلى 6 في المائة من الإيرادات العالمية للشركة، أو حتى الحظر. يعد هذا القانون البالغ الأهمية جزءاً من الترسانة القانونية للاتحاد الأوروبي، الرامية إلى إجبار شركات التكنولوجيا على الامتثال وفرض نظام في ما وصفه مسؤولون بأنه "الغرب المتوحش" على الإنترنت.
في الدراسة الجديدة، تخوف مركز حملة من "الإفراط في الإزالة، لا سيّما عند التعامل مع المحتوى الفلسطيني، أو المحتوى الذي يدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني". ورأت الدراسة أن التهديد الأكبر "يتعلق بافتقار المنصات إلى المساءلة والشفافية".
وفقاً للدراسة، فإن واحدة من أخطر عواقب القانون الأوروبي، في ما يتعلق بالحقوق الرقمية الفلسطينية، هي "إمكانية انخفاض الدقة في تحديد المحتوى غير القانوني، إلى جانب زيادة عمليات إزالة المحتوى غير المبررة"، وذكرت أنه "على الرغم من أن النص يفرض على ما يبدو قيوداً على عملية صنع القرار الآلي، وأن المنصات ملزمة باتخاذ موقف محايد في ما يتعلق بمحتوى مستخدميها، فإن هناك حالات قد تلجأ فيها المنصات حتماً إلى آليات للإشراف على المحتوى مثل فلترات التحميل، وأحياناً حتى بنسبٍ أعلى مما تفعل عادةً.... وهذا يؤدي إلى تفاقم خطر الرقابة والتمييز"، وأشارت إلى أنه "يمكن للسلطات أن تقع فريسة للتسييس وإلزام المنصات بإجراء مراقبة عينية للمحتوى الذي ثبت أنه غير قانوني أو أنه غير قانوني بشكل واضح"، و"عندما يتعلق الأمر بالحقوق الرقمية الفلسطينية، أو اللجوء إلى التعريف العملي لمعاداة السامية وفقاً للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، أو الضغط من المؤسسات في لحظات الأزمات، فإنّ أخطار الأتمتة من حيث الإفراط في عمليات الإزالة واضحة".
وفي حالة خطاب الكراهية، قد يحدث الإفراط في الامتثال أيضاً بدون أتمتة، إذ قد تختار الشركات الإفراط في الحذر وحذف جزء المحتوى في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وحتى على مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، قد لا تكون لدى مشرفي المحتوى المعدين للتعامل مع المواقف داخل الاتحاد الأوروبي معرفة كافية بتفاصيل السياق أو اللغات في سياق ما يواجهه الفلسطينيون.
وتنبع الكثير من القضايا من التسييس، فبعد أيام قليلة من العدوان على غزّة أكد المفوّض الأوروبي تييري بريتون على التأثير العالمي لقانون الخدمات الرقمية، من دون إشارة صريحة إلى الفلسطينيين. لكن "القضية الأساسية تكمن في تأطير الوضع الذي يتماشى بشكل وثيق مع الرواية السائدة المتحيزة التي تهمل المنظور الفلسطيني والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان من قبل إسرائيل. هذا التركيز الضيق يديم سردية أحادية الجانب تتجاهل التعقيدات والفروق الدقيقة الأساسية لفهم النطاق الكامل للوضع، ممّا يقوّض الجهود المبذولة لمعالجة قضايا حقوق الإنسان الفلسطينية. لا تتجنّب هذه التدخلات فقط ذكر كيفية استخدام المنصّات الإلكترونية للتحريض على العنف ضد الفلسطينيين وانتهاك الحقوق الأساسية الأخرى لكل من الفلسطينيين والفلسطينيين الذين يدعمون حقوق الإنسان، إلا أنها تسلّط أيضاً الضوء على سبل إجبار المنصات على الإفراط في الامتثال والتمييز بين ممارسات الإشراف على المحتوى"، وفقاً لمركز حملة.
وتماشياً مع الإطار الإشكالي المذكور سابقاً، لا سيما في ما يتعلّق باستغلال الإرهاب، أشارت توصية المفوضية الأوروبية إلى "الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس في إسرائيل" والحرب في أوكرانيا. وتطرق رئيس المفوضية الأوروبية إلى هجوم عبر الإنترنت "لمحتوى شنيع وغير قانوني يروّج للكراهية والإرهاب". وفي هذا السياق، كشفت وثيقة سربتها منظمة "ستيتووتش" Statewatch، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، عن خطة صاغتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا. تحدّد هذه الخطة التي تتميز بلغةٍ غامضة ونطاق واسع استراتيجيات لمواجهة أنشطة حركة حماس، وتتضمن قسماً حول مراقبة وإنفاذ الالتزامات على المنصات الإلكترونية، وهو ما يثير مخاوف من أن الحكومات المختلفة قد تستغل الفضاء الإلكتروني لاتخاذ المزيد من الإجراءات ضد الحقوق الرقمية الفلسطينية.
يتفاقم هذا الوضع بسبب حقيقة أن المنصات تنخرط باستمرار في الإفراط في الإنفاذ التعسفي والخاطئ لسياسات مكافحة الإرهاب، وغالباً ما تقصر عن تلبية معايير الإجراءات القانونية الواجبة. جانب آخر مثير للقلق في الإطار الحالي هو الخلط في معاملة القانون الأوروبي للمحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة. وبسبب التأطير الإشكالي للسياق، هناك خطر من أن تصنيف المحتوى المشروع على أساس أنه "معلومات مضللة" قد يزيد من قمع السرديات الفلسطينية وإدراكها للواقع على الأرض.
ونبهت دراسة مركز حملة إلى أنه "بدلاً من الالتزام بالمبدأ القائل إن أي تقييد لحرية التعبير يجب أن يكون ضرورياً ومتناسباً، فإنّ تنفيذ قانون الخدمات الرقمية الأوروبي بعد السابع من أكتوبر يعكس إزالة غير عادلة وغير متناسبة للمحتوى القانوني الذي ينتجه المستخدمون من الاتحاد الأوروبي الذين يدافعون عن حقوق الإنسان للفلسطينيين".
يذكر أن مرصد انتهاكات الحقوق الرقمية (حرّ) رصد سابقاً 127 حالة انتهاك مبلغ عنها، بين السابع من أكتوبر وأواخر يناير/ كانون الثاني، بينت أن المنصات الإلكترونية أزالت المحتوى القانوني المتعلّق بالفلسطينيين وعلّقت الحسابات المتعلقة بالفلسطينيين داخل الاتحاد الأوروبي. تؤكد هذه الأدلة البيانات التي جمعتها منظمة هيومن رايتس ووتش أثناء إعداد تقريرها "وعود ميتا المنكوثة: الرقابة الممنهجة على المحتوى الفلسطيني على إنستغرام وفيسبوك". سلّط التقرير الضوء على 68 حالة انتهاك على منصات "ميتا" في الاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال التحريض على العنف من داخل الاتحاد الأوروبي ضد الفلسطينيين - الذي غالباً ما يكون مصحوباً بمعلومات مضللة - قضية خطيرة للغاية. على الرغم من الجهود المبذولة للإبلاغ عن هذا النوع من المحتوى باعتباره غير قانوني بموجب قانون الخدمات الرقمية. ولا بد من الإشارة إلى أن جزءاً من المحتوى الذي ينتجه الفلسطينيون بواسطة منصات الإنترنت حذف استجابة لطلبات من "وحدة السايبر" الإسرائيلية.