نهاية العالم، كانت ولا تزال إحدى أكثر الموضوعات الدرامية رواجاً في عالم السينما. قد يكون السبب في ذلك يتعلق بطبيعة البشر، الذين يخافون دائماً من فكرة النهاية، ولا يتوقفون عن رسم سيناريوهات تفترض انقراض الجنس البشري. جمهور يميل أيضاً لمتابعة الحكايات المأساوية؛ وبالتالي فإن موضوع نهاية العالم سينمائياً يستهلك بوفرة، لأنه يملك كل مقومات النجاح التجاري.
وفي كل عمل درامي يتحدث عن نهاية العالم، يتم نسج فرضية مختلفة حول كيفية انتهاء الحياة على كوكب الأرض، أو عن الشروط التي سينقرض فيها الجنس البشري. هذه الفرضيات، غالباً، ما تصاغ من خلال قوانين الاحتمالات، وبالاعتماد على النظريات العلمية التي تحمل في طياتها أبعاداً تشاؤمية؛ لينتج عن ذلك أفلام ديستوبيا الخيال العلمي، التي تذهب بإحدى الاحتمالات العلمية التشاؤمية حتى الأقصى، لتصور الأيام الأخيرة قبل انتهاء وجود البشر.
ومن أكثر النظريات العلمية شائعة الاستخدام في هذا النوع من السينما نظريات التغير المناخي والتلوث البيئي والأوبئة الفيروسية، وكل ما يتعلق بالتغيرات الجذرية بحركة الأجرام السماوية والنيازك أو العوالم المختلفة غير المكتشفة في الفضاء الخارجي. وبالمقابل، هناك عدد كبير من الأفلام التي تتحدث عن نهاية العالم، من دون الاستناد إلى أي فرضية علمية، لتكون أفلام ديستوبيا مستقبلية مبنية على الخيال المحض، أو على التنبؤات الدينية.
وبغض النظر عن مصادر الفرضيات المتخيلة، فإننا نلاحظ أن أفلام الخيال العلمي التي تتمحور حول نهاية العالم، تمر في الوقت الحالي بمرحلة حساسة في تاريخها، وتشهد تغيرات عنيفة، بسبب الأحداث التي مرت منذ عام 2020 وحتى اليوم، والتي جعلت البعض يظنون أننا نعيش بداية النهاية، ولا سيما جائحة كورونا والحرائق الناجمة عن الاحتباس الحراري، وكل الكوارث التي تزامنت معها. ذلك جعلنا نشهد ولادة أفلام تتحدث عن نهاية العالم بشكل مختلف عن كل ما سبق، مثل Don’t look up الذي بدا أكثر واقعية، لأنه جاء بعد إدراك سلوكيات البشر في الظروف المشابهة؛ إذ لم تعد فكرة الكارثة التي تهدد بنهاية العالم غريبة عنا، لا نعرف كيف يتصرف البشر إذا ما حلت. ففي Don’t look up لم تعد فكرة نهاية العالم هي الفكرة المسيطرة على حياة جميع البشر إذا ما اقتربت، بل ستخضع للمأسسة، وتصبح أكثر شبهاً بنمط حياتنا. ذلك أثّر بشكل جذري على عملية البناء الدرامي في الفيلم ككل، لتمر النظريات والاكتشافات العلمية وما يصاحبها من قلق وجودي على الهامش الدرامي لعرض من نوع آخر، يكشف فساد المؤسسات السياسية والإعلامية والصناعية.
والأغرب من ذلك هي تلك المشاهد الترفيهية الخارجة عن السياق، التي تمر بالفيلم والتي لم يكن من الممكن أن نتنبأ بوجودها في أي فيلم يتمحور حول ديستوبيا نهاية العالم قبل جائحة كورونا. فهل كان أحد يتوقع أن تقدم أريانا غراندي استعراضاً غنائياً ضخماً ضمن فيلم يتحدث عن نهاية العالم؟ هذه المشاهد بدت بغاية العبثية رغم أنّها تعيد استهلاك مشاهد ترفيهية مألوفة للجميع.
أثر جائحة كورونا لا يقتصر في السينما على أفلام خيال العلمي المستقبلية، بل هو يمتد أيضاً إلى بعض الأفلام التي تحاول أن تقرأ مجريات الزمن الحاضر برؤية شاملة، كما هو الحال في فيلمي Death 2020 وDeath 2021 ، ففيهما يتم تفكيك شكل الريبورتاج الوثائقي، ليعاد تركيبه بما يتناسب مع عبثية الأحداث التي مرت على البشرية في العامين الأخيرين، لتميل بهما الكفة أيضاً نحو الهزلية.
قد يكون الأمر المشترك بين جميع الأفلام التي أنتجت بهذه المرحلة، والتي تفاعلت بالحد الأدنى مع جائحة كورونا، هي العبثية التي جعلت الكوميديا تخترق مساحات درامية كانت عصيةً عليها، كاللحظات الميلودرامية المتكررة التي تتحدث عن نهاية العالم، والشهادات الشخصية في الريبورتاجات والأفلام الوثائقية، التي تتمحور حول الحقائق والمعاناة الذاتية والشخصية.