تحتفل دار الأوبرا المصرية بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور، هذه الأيام، بذكرى ميلاد الموسيقار كمال الطويل، الذي يعد واحداً من أهم الملحنين المصريين في العصر الحديث. وذلك عبر مجموعة من الحفلات الموسيقية والغنائية، التي تحييها فرقة أوبرا الإسكندرية بقيادة المايسترو عبد الحميد عبد الغفار.
ولد كمال الطويل في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1923 بمدينة طنطا بالدلتا لأسرة غنية، وكان والده محمود زكي بك الطويل من أعضاء حزب الوفد البارزين، لكنه لم يلتفت إلى موهبة ابنه المبكرة بالرغم من كونه شاعراً. تلقى الطويل تعليماً جيداً منتظماً برعاية جده الذي تكفل به أثناء سفر والده إلى إنكلترا في بعثة لدراسة الهندسة، فألحقه جده بمدرسة الأورمان، ثم اتجه بعد دراسته الثانوية إلى كلية الفنون الجميلة لدراسة الزخرفة. بعد تخرجه في الجامعة انتقل الطويل إلى الإسكندرية حيث عُين هناك رساماً في وزارة الأشغال العامة.
أما حياته الفنية فقد بدأت مبكراً بالتوازي مع دراسته، ففي الطفولة تفتحت ذائقته على حفلات الإنشاد الديني وتلاوة القرآن، وقد نصحه زكريا أحمد مبكراً بأن يتعلم العزف على العود. عُرف الطويل في مدرسة الأورمان بصوته الجميل الذي كان يقلد به أغاني الفنان محمد عبد المطلب، وسيكبر الطويل ويلحن لمحمد عبد المطلب أغنية "الناس المغرمين". في رحلته للإسكندرية تعرف على الشيخ علي الحارث أحد أساتذة معهد الموسيقى، الذي انتسب إليه الطويل في الفترة المسائية، فتعلم منه الموشحات والأدوار القديمة. وتعرف على الفنان محمد عفيفي الذي تعلم منه العود والمقامات والنوتة الموسيقية.
انتقل عمل الطويل إلى القاهرة سنة 1947، فالتحق بمعهد الموسيقى العربية، وتعرف هناك على عبد الحليم شبانة قبل أن يُعرف باسم عبد الحليم حافظ. وكانت المفارقة أن الطويل التحق بقسم الصوتيات ليكون مطرباً، بينما التحق عبد الحليم بقسم الآلات ليكون موسيقياً. ولكن الأقدار أبدلت مكان كل منهما بالآخر. وقد احترف الطويل التلحين طوال حياته ولم يقدم على الغناء مرة أخرى، بل إنه كان يمتنع عن تسجيل أي شيء بصوته!
في مرحلة المعهد لحن الطويل لزميلته في المعهد المطربة فادية كامل أغنية دينية، ولكن أول تعاون مع عبد الحليم كان من خلال قصيدة "لقاء" لصلاح عبد الصبور سنة 1950 بعد أن أتم الطويل والعندليب دراستهما في معهد الموسيقى، وعين في قسم الموسيقى بإذاعة القاهرة. بعدها توالت ألحانه لعبد الحليم حافظ التي بلغت حوالي 50 لحناً. ففي فترة الخمسينيات لحن له الطويل: "إحنا الشعب" من كلمات صلاح جاهين، "إني ملكت في يدي زمامي" و"بيني وبينك إيه" و"حلفني" و"صدفة" و"في يوم من الأيام" و"كفاية نورك" و"نعم يا حبيبي نعم" وهي من كلمات مأمون الشناوي. و"بتلوموني ليه" و"الحلو حياتي" و"ذات ليلة" و"في يوم في شهر في سنة" و"قولوا له الحقيقة" و"هيَّ دي هيَّ" لمرسي جميل عزيز. و"بيع قلبك" و"حبيب حياتي" و"اللي انشغلت عليه" لحسين السيد". و"سمراء" لعبد الله الفيصل. "على قد الشوق" و"لا تلمني" و"يوم وارتاح" لمحمد أحمد علي. و"يا جمال يا حبيب الملايين" لإسماعيل الحبروك.
أما فترة الستينيات بصحبة عبد الحليم فقد ظهر فيها عبد الرحمن الأبنودي إضافة إلى المؤلفين السابقين وغيرهم مثل صلاح جاهين ومحمد حمزة وأحمد شفيق كامل، فلحن الطويل من كلمات الأبنودي مجموعة من الأغاني من بينها: "ابنك يقولك يا بطل" و"أحلف بسماها" و"اضرب اضرب" و"إنذار" و"بالدم" و"بركان الغضب" و"راية العرب". غير أن فترة السبعينيات شهدت انحساراً كبيراً في أعمال كمال الطويل، فلم يغن العندليب آنذاك من ألحانه سوى أغنية "خلي السلاح صاحي".
وبالرغم من أن الطويل يعد من أقل ملحني عصره إنتاجاً، فإنه يعد من المجددين الذين قدموا إضافات ملحوظة إلى الموسيقى العربية. فقد قدم في مشواره الفني ما لا يزيد عن ثلاثمائة لحن فقط، في حين لم تقل أعمال الواحد من ملحني عصره عن 1000 لحن.
فقد كان زاهداً في أعماله من ناحية الكم، وإن كانت على قدر كبير من الإبداع والتجديد. وإضافة إلى ذلك فإن كمال الطويل كثيراً ما كان ينقطع عن التلحين ويعتزل العمل الفني لفترات ممتدة، مثل الفترة من 1967 إلى 1973، حيث كانت حالته النفسية سيئة بسبب الهزيمة، بعد أن قدم عشرات الأغاني الوطنية التي تشيد بالجيش والقيادة السياسية.
إضافة إلى العندليب غنت نجاة الصغيرة من ألحانه أكثر من 20 أغنية، منها: "استناني"، "عيش معايا" و"الشوق والحب" و"أسهر وانشغل أنا"، و"بان عليا حبه" وغيرها. وكانت آخر إبداعات كمال الطويل تلحينه لقصيده "درس خصوصي" لسعاد الصباح، التي غنتها نجاة الصغيرة قبل سنوات قليلة من رحيله.
كما غنت "كوكب الشرق" أم كلثوم من ألحانه عدداً قليلاً من الأغاني، هي: أغنية "غريب على باب الرجاء" و"لغيرك ما مددت يدا" وكلاهما من كلمات طاهر أبو فاشا. ثم نشيد "والله زمان يا سلاحي" من كلمات صلاح جاهين، الذي أصبح النشيد القومي لمصر حتى عام 1971.
أيضاً كانت للطويل أعمال مشهورة مع آخرين من كبار مطربي عصره، مثل ليلى مراد في أغنية "ليه خلتني أحبك"، وفايزة أحمد في أغنيتي: "أسمر يا اسمراني" و"يا ما قلبي قال لي لأ". ووردة الجزائرية في أغاني: "بكرة يا حبيبي" و"الورد" و"أصلك تتحب" و"اسأل الحلوين". ومحمد قنديل في "يا رايحين الغورية"، و"بين شطين ومية"، ولمحمد منير "لسه الأغاني ممكنة" وغيرهم. ومن أغاني الأفلام والمسلسلات لحن لسعاد حسني أغاني فيلمي "خلي بالك من زوزو" وأميرة حبي أنا" ومسلسل "هو وهي"، وفي مجال الموسيقى التصويرية للأفلام قدم كمال الطويل مع يوسف شاهين موسيقى فيلميه "المصير" و"عودة الابن الضال"، وموسيقى فيلم تسجيلي عن نجيب محفوظ وغيرها. وقد أعاد يوسف شاهين تقديم موسيقى فيلم "المصير" في فيلم "إسكندرية نيويورك" الذي حمل إهداء خاصاً إلى الراحل كمال الطويل الذي توفي سنة 2003 وعمره 80 سنة.