22 أكتوبر 2021
+ الخط -

هل تصبح حياتنا كفيلم "أفاتار"؟ اتّجاه يبدو أنّه يتعزّز يومياً، مع اعتزام شركة "فيسبوك" الانخراط في "الميتافيرس"، على الرغم من أنّها ليست الوحيدة، لكنّ تأثيرها على قطاع الإنترنت وتوجّهاته يشير إلى تحوّل قادم خلال السنوات الخمس المقبلة في كيفيّة استخدامنا للإنترنت، وشكل حياتنا الافتراضيّة عليها. رفع الوباء والإغلاق الوعي بمصطلح "ميتافيرس" Metaverse، كما عجّل بتشكيله، خصوصاً بسبب ممارسة تفاصيل الحياة والعمل عبر الإنترنت على مدار فترة الجائحة، وتطور المحتوى، وسلوك المستهلكين ورغباتهم، بحسب ما تقول وكالة "رويترز"

ففي هذا العقد الجديد، سيتواصل الناس اجتماعياً في عوالم افتراضية تطورت من الألعاب بدلاً من منصات التواصل الاجتماعي التقليدية مثل "إنستغرام" و"تويتر" و"تيك توك". سيصبح بناء الأشياء مع الأصدقاء في عوالم افتراضية أمراً شائعاً، وستصبح الأحداث الكبرى في العوالم الافتراضية الأكثر شعبية، وستطغى كلمات مثل "ميتافيرس" على حديث الناس. 

بداية، ما هو هذا الـ"ميتافيرس"؟

"ميتافيرس" أو "الكون الماورائي" هو المرحلة المُستقبلية، مرحلة ما بعد الإنترنت أو ما الذي سيأتي بعد الإنترنت. إنه مساحة افتراضية حيث يمكن للبشر المرتبطين بالعالم المادي العمل باستخدام الصور الرمزية التي تعمل بالواقع الافتراضي والمعزز وتوجد في كلا المكانين، بحيث يفقدون الاتصال بما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، إذ يمتزج العالمان الحقيقي والافتراضي إلى حد الاندماج. 

ومن المفترض أن يتيح الـ"ميتافيرس" زيادة التفاعلات البشرية عبر الإنترنت من خلال تحريرها من القيود المادية، بفضل تقنيتي الواقع الافتراضي والواقع المعزز خصوصاً. فهو يمكن أن يوفر مثلاً إمكان الرقص مع أشخاص على بعد آلاف الكيلومترات، وشراء أو بيع سلع أو خدمات رقمية لم يتم بعد اختراع الكثير منها.

جذور اسم "ميتافيرس"

"ميتافيرس" مفهومٌ طوره الكاتب الأميركي نيل ستيفنسون، في رواية الخيال العلمي "سنو كراش" snow crash عام 1992 (النسخة الفرنسية المترجمة للرواية تحمل عنوان Le Samouraï virtuel "الساموراي الافتراضي")، وهو عبارة عن فضاء إلكتروني موازٍ للواقع المادي، يستطيع المستخدمون التلاقي فيه بهدف التفاعل أو المناقشة أو حتى الترفيه، ويتخذون لذلك شكل صور رمزية تمثلهم، أو ما يعرف بالـ"أفاتار".

ويشكل الـ"ميتافيرس"، وهي كلمة تجمع كلمتي "ميتا" و"يونيفرس" بالإنكليزية، أي "الكون الفوقي/الماورائي"، نوعاً من البديل الرقمي للعالم المادي، ويمكن الوصول إليه عبر الإنترنت.

عقارات "ميتافيرس"

شرع عشاق "ميتافيرس" في شراء أرضٍ افتراضية بشكل يشبه ذلك التزاحم القديم على أسماء النطاقات في الأيام الأولى للإنترنت. يوجد حالياً بضعة آلاف من مالكي الأراضي على المنصات الرئيسية القائمة على البلوكشين.

نظريتهم هي أنه مع تجمع المزيد من الناس في هذه البيئات، ستكون قطع الأراضي في المواقع المركزية مطلوبة للغاية بسبب حجم الزيارات. هذه الأماكن سوف تجتذب المزيد من الاهتمام، ويمكن تحقيق الدخل منها بعدة طرق مختلفة كما يؤكد الخبراء. 

حتى الآن، هناك عدد قليل نسبياً من الأشخاص الذين يدفعون المال مقابل الأراضي في هذه العوالم، لكنهم ماضون نحو الارتفاع.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

تزايد الاستثمار في "ميتافيرس"

دشّنت مجموعة من سبعة مستشارين من مختلف الصناعات، بما في ذلك الصحافة والألعاب، صندوقاً للتداول في بورصة نيويورك يكون سلّة من الأوراق المالية التي يتم تداولها مثل الأسهم، تجمع الشركات التي قد تكون الأفضل لوضع بناء "ميتافيرس".

وكان الرئيس التنفيذي لشركة "إيبيك غيمز"، تيم سويني، صريحاً في نيته أن تصبح لعبة "فورتنايت" جزءاً كبيراً من "ميتافيرس". 

وفي الوقت نفسه، طرحت منصة الألعاب "روبلوكس" التي سمحت لجيل من اللاعبين بإنشاء عوالم وتجارب افتراضية خاصة بهم.

وفي الصين، تمتلك "تينسنت"، التكتل التكنولوجي الذي يمتلك حصصاً كبيرة في شركات الأفلام واستوديوهات الألعاب، محفظة متنوعة تشمل استثمارات في Epic Games.

بالإضافة إلى ذلك، يوصف تطبيق "وي تشات" أصلاً بأنه "ميتافيرس ثنائي الأبعاد"، وهو مكان يمكن للعملاء فيه فعل أي شيء عملياً. يمكن للمستخدمين التواصل الاجتماعي والتسوق والإبداع والدفع مقابل الأشياء في العالم الحقيقي والتواصل من أجل العمل، يذكّر موقع "نازداك".

وعلى "ديسنترالاند"، وهي منصة على الإنترنت تعتبر واحدة من رواد "ميتافيرس"، أصبح من الممكن الآن الحصول على وظيفة مدير لعبة في كازينو افتراضي.

وأبدى كثيرون، بينهم الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا، اهتماماً كبيراً بـ"ميتافيرس"، ونيتهم الإنفاق والاستثمار في هذا المجال.

"فيسبوك" و"ميتافيرس"

ليست الشركة وحدها، لكنّها الأبرز في مجال الاستثمار في "ميتافيرس". فقد اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك"، مارك زوكرببرغ، في يوليو/تموز الفائت، أن "الميزة الرئيسية للـ(ميتافيرس) ستتمثل في الوجود - الشعور بالوجود فعلاً مع الناس". وأوضح أيضاً في مقابلة بالفيديو خلال معرض "فيفاتك" في يونيو/حزيران الفائت أن الأمر لا يقتصر على توفير "تجربة جديدة رائعة"، بل يؤدي كذلك إلى إطلاق "موجة اقتصادية يمكن أن تؤمّن فرصاً للناس في العالم كله". وقال مؤسّس "فيسبوك" في مقابلة مع موقع "ذا فيرج": "آمل في أن ينظر الناس إلينا في غضون خمس سنوات، كشركة ميتافيرس، قبل أيّ شيء آخر". وكتب زوكربيرغ على حسابه الشخصي عبر "فيسبوك": "لتحقيق رؤيتنا للميتافيرس، نحتاج إلى بناء النسيج الرابط بين مختلف المساحات الرقمية بغية تجاوز القيود المادية وإتاحة التنقل بينها بسهولة التنقل بين الغرف في المنزل". 

هذا الأسبوع، أعلنت "فيسبوك" (التي تنوي تغيير اسمها خلال أيام) أنها تعتزم توظيف عشرة آلاف شخص من دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس المقبلة، للعمل على تطوير عالم "ميتافيرس" الرقمي الموازي الذي يطمح إلى تحقيقه مؤسس الشبكة الاجتماعية الأميركية العملاقة ورئيسها مارك زوكربيرغ.

واعتبر البريطاني نيك كليغ والإسباني خافيير أوليفان، المسؤولان الكبيران في المجموعة التي تضم راهناً 63 ألف موظف، في مقال، أن "هذا الاستثمار هو بمثابة منح الثقة لقوة صناعة التكنولوجيا الأوروبية وإمكانات المواهب التقنية الأوروبية". وكرر المسؤولان أن "فيسبوك" لا تسعى من خلال "ميتافيرس" إلى بناء عالم مغلق جديد على غرار شبكتها الاجتماعية. وأكدا أن "أي شركة لن تمتلك (ميتافيرس) أو تستثمره". وشرحا أن "ميزته الرئيسية ستكون الانفتاح وقابليته للتشغيل البيني مثل الإنترنت. وسيكون التعاون بين الشركات والمطورين والمبدعين وصانعي السياسات ضرورياً لإحيائه".

الألعاب في "ميتافيرس"

تعمل الألعاب اللامركزية على ما يسمى "العب لتكسب"، حيث تتم مكافأة الألعاب بأصول داخل اللعبة. للاعبين أيضاً سيطرة وملكية على أصولهم، إذ تزداد قيمة هذه الأصول كلما لعبوا اللعبة أكثر. يشكّل هذا صلب فكرة "ميتافيرس". وحققت فكرة "العب لتكسب" في ألعاب مثل Axie Infinity عائدات تصل إلى ما يقرب من 250 مليون دولار في غضون ثلاث سنوات. وهناك Star Atlas وMOBOX وIlluvium التي تمثل أمثلة أخرى على المشاريع اللامركزية التي تم إنشاؤها من أجل "ميتافيرس"، بالإضافة إلى منصات أخرى لليانصيب والتسوق وغيرها. 

"ميتافيرس" و"أن إف تي"

"أن إف تي" (non-fungible tokens) هو أسلوب تشفير عبر الرموز غير القابلة للاستبدال، يمكنه منح شهادة تثبت أصالة أي منتج رقمي سواء أكان صورة أو رسماً تعبيرياً أو فيديو أو مقطوعة موسيقية، أو مقالة صحافية أو سوى ذلك.

و"أن إف تي" طريقة لتسجيل من يملك سلعة افتراضية معينة، وإنشاء ونقل السلع الافتراضية هو جزء كبير من "ميتافيرس". وبالتالي فإن"أن إف تي" هي بنية مالية مفيدة محتملة لـ"ميتافيرس". بعبارات أكثر عملية: إذا اشتريت قميصاً افتراضياً من محل في "ميتافيرس"، فيمكن لـ"أن إف تي" إنشاء إيصال دائم والسماح باسترداد نفس القميص للمحل.

لكننا نشهد بالفعل بعض التقاطع مع خدمات "ميتافيرس". على سبيل المثال، تقوم شركة Polygonal Mind ببناء نظام يسمى CryptoAvatars يتيح للأشخاص شراء صور رمزية ثلاثية الأبعاد مثل "أن إف تي" ثم استخدامها عبر عوالم افتراضية متعددة.

ما هو الفرق بين "ميتافيرس" والإنترنت؟

وصف مارك زوكربيرغ الـ"ميتافيرس" بأنه "إنترنت متجسد"، وهو في الأساس نسخة مطورة من الإنترنت حيث يمكن أن تكون للناس "تجارب مختلفة لا يمكن القيام بها بالضرورة على تطبيق ثنائي الأبعاد أو صفحة ويب".

الاختلاف الأبرز بين الإنترنت و"ميتافيرس" هو "التواجد"، أي الشعور بأنك تتفاعل جسدياً مع الأماكن والأشخاص بدلاً من مشاهدتها من النافذة. 

ويمكن أن ينطبق هذا على جمع زملائكم في العمل حول طاولة افتراضية في خدمة مثل "فيسبوك هورايزن"، بدلاً من "زوم" كما هو عليه الحال الآن. 

تكنولوجيا
التحديثات الحية

مشاكل متوقعة في عالم "ميتافيرس"

قد تكون أجهزة الكمبيوتر المتطورة ووحدات التحكم في الألعاب وسماعات رأس الواقع الافتراضي التي تدعم البيئات الافتراضية التفصيلية باهظة الثمن.

وقد يجد الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في المعدات أو اتصالات الإنترنت البطيئة نقل صورة رمزية حول عالم ثلاثي الأبعاد في الوقت الفعلي أمراً غير مريح. 

ويمكن للأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر أو انعدامه استخدام برامج قراءة الشاشة للوصول إلى نص على صفحات الويب، بينما قد يكون التنقل في بيئة تعتمد على الصور أكثر صعوبة. 

ويمكن للخبراء المساعدة في التخفيف من هذه المشكلات، ولكن لا يزال هناك طريق طويل قبل حل هذه المشاكل.

الـ"ميتافيرس" والأكوان المتعددة

بعد منتديات الويب ومنصات الويب وتطبيقات الأجهزة المحمولة، ندخل مرحلة جديدة من وسائل التواصل الاجتماعي، عصر الأكوان المتعددة، حيث تتوسع العوالم الافتراضية للألعاب لتصبح مراكز رئيسية للتفاعل الاجتماعي والترفيه.

ويقول موقع "تِك كرانتش" إنه، في غضون عشر سنوات، سنكون قد خضعنا لتحول نموذجي في وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل بين الإنسان والحاسوب، ونبتعد عن التطبيقات ثنائية الأبعاد التي تركز على نشر المحتوى نحو الخلاصات المشتركة، وعصر يمزج فيه الواقع المختلط (يُنظر إليه باستخدام سماعات رأس خفيفة الوزن) بين العالمين الافتراضي والمادي.

المساهمون