كلير دينيس: ركزوا على الصدق ونبض المشاعر

16 مارس 2021
كلير دينيس في الدورة 77 من مهرجان البندقية 2020 (Getty)
+ الخط -

منذ فيلمها الأول "شوكولاتة" (1988) ظل هاجس المخرجة الفرنسية الشهيرة كلير دينيس أن تقف ضد التفكير المركزي الذي يقسم الأرض والبشر من منطلق القوة والهيمنة، متناولة الفكر الاستعماري الفرنسي في القارة الأفريقية وما يرتبط به من أزمات ومشاعر انتماء مختلطة. تقول دينيس في ندوة من ملتقى "قمرة" الذي أطلقته مؤسسة الدوحة للأفلام "لم أنشأ على الإيمان بهذه السيطرة العرقية وما زلت أراها من دواعي الشعور بالخزي والعار في مجتمعنا اليوم". 

قدّمت دينيس نصيحةً لصناع الأفلام الواعدين من واقع تجربتها في صياغة الأعمال السينمائية التي لامست قلوب الجماهير حول العالم وسلّطت الضوء على قضايا حيوية، حيث خاطبتهم قائلةً "ركزوا على الصدق ونبض المشاعر وابحثوا عن أهم ما يمكنكم التعبير عنه من خلال أفلامكم". أدار الندوة ريتشارد بنيا، مدير البرامج بجمعية الفيلم في مركز لينكولن ومدير مهرجان نيويورك السينمائي في الفترة من 1988 وحتى 2012. وعلى مدار الندوة، تعرّف الجمهور إلى مشوار كلير دينيس الحافل، كما تحدثت دينيس عن أسلوبها الإخراجي الذي اتّبعته بدءاً من أول أفلامها "شوكولاتة"، والذي نافس على جائزة السعفة الذهبية في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي. 

لا شك في أن العمل الأول في مشوار أي مخرج هو الأصعب

بعد استعراضه لمقتطفات من أفلامها، أطلق بنيا النقاش مع دينيس، متناولاً أبرز المحطات وأهم الأعمال على مدار مشوارها السينمائي، والتي تشمل فيلمها الأول الذي يُعد سيرة شبه ذاتية. وعن هذا الفيلم، قالت "لا شك في أن العمل الأول في مشوار أي مخرج هو الأصعب، وقد أردتُ أن يعبّر فيلمي عن موضوعات مهمة لا تتعلّق بي أو بحياتي الشخصية، بل بمكانٍ نشأت فيه وما زالت ذكرياته تعيش معي". وأضافت "لم يكن من السهل إطلاقاً أن أجد التمويل الذي يمكّنني من إنجاز فيلمي الأول، وتصويره في الكاميرون، لكنني بحثت طويلاً عمَن يمكنه أن يتحمس لدعم التجربة وقد استغرق ذلك وقتاً طويلاً". 

هذا المكان الذي صورت فيه فيلمها "شوكولاتة" كان إضافة إلى كونه تحت نير الاستعمار هو أيضاً مكان طفولتها. أشارت دينيس إلى أنها صُدمت من حجم المعاناة اليومية للناس في أفريقيا، فقد "اعتدنا على تصوير القارة الأفريقية على أنها مكان يعيش فيه البيض كأسياد، وأذكر أنني عندما كنت طفلة، كنت أشعر بحزن كبير عندما أرى الآخرين وهم يقدّمون لي وجبات الطعام، كما لاحظتُ أننا لم نكن بحاجة لتنظيف المنزل، على عكس ما كنا نقوم به في فرنسا. وجدتُ نفسي أعيش في طبقة اجتماعية مختلفة فقط لأن بشرتي بيضاء، وهو استعلاء زائف وفوقيّة عرقيّة لا تنم سوى عن الجهل". 

ونصحت دينيس صنّاع الأفلام بالتعمق في كل مشهد من مشاهد أفلامهم، واستغلال فترة نضوب الأفكار أثناء مرحلة الكتابة، للبحث عن مدخل شعوري يمكنه أن يوصل فكرة العمل". وأشارت إلى أنه في الكثير من الأحيان، قد يضم العمل السينمائي أفضل نص وفريق تمثيلي يمكن استقطابه، إلا أنه لا يخرج إلى النور بالشكل الأمثل، فحتى لو كانت مشاهده جميلة، فإن ذلك لا يضمن أنه قد أصبح عملاً متكامل الأركان، وعلى صناع الأفلام أن يبحثوا عن نبض المشاعر التي يمكن أن تثريه، على حد تعبيرها.

وبشأن نمطها الإخراجي، أكدت دينيس سعيها الدائم للبحث عن أهم الرسائل التي يجب إبرازها من خلال أفلامها. وضربت مثلاً على ذلك قائلة: "ما زلتُ أذكر إحدى جولات البحث عن مواقع التصوير لأحد أعمالي، وعلى الرغم من مروري بالعديد من التضاريس الخلّابة والأماكن الطبيعية الساحرة التي بدَت مثالية لأي عمل سينمائي، شعرتُ في البداية بأن الحظ قد حالفني، لكنّ صوتاً ما بداخلي حدّثني بأن هذا ليس المكان الأنسب للفيلم، فعندما أغلقت عينيّ، وجدتُني أتخيّل مكاناً مختلفاً، وهذا ما أردت أن أحققه في فيلمي الأول". 

وأكدت دينيس أنها استلهمت بعض أفلامها من حياتها وتجاربها الشخصية، ومنها فيلم "35 رشفة رم" (2009) والذي تناول العلاقة بين أب وابنته في مجتمع مختلط من المهاجرين. وعنه قالت: "كنت سعيدةً للغاية بسرد قصة شخصية تعني لي الكثير، ولم يكن موضوع الأزمات العرقيّة غريباً بالنسبة لي، فقد نشأتُ في مجتمع يشكّل السود جزءاً لا يتجزأ منه، وقد رغبتُ في تصوير ما ألمسه وأراه يومياً من حولي، كالحيّ الذي أعيش فيه والأشخاص الذين أصادفهم في حياتي".

ولعل أبرز ما يميز أعمال دينيس هو البصمة الإنسانية التي تثبت حضورها بقوة حتى في أعمال الخيال العلمي التي قدّمتها.
وعن ذلك قالت دينيس "في شبابي، كنتُ أقرأ العديد من قصص الخيال العلمي، فقد كانت دائماً ما تذكّرني بسرّ هشاشتنا البشرية، ولغز الوقت الذي يغلف حياتنا، فهل هو عذاب نعانيه يومياً أم مجرد وحدة قياس لمصير كلّ منا؟ لم أكن يوماً مهتمة بالخيال العلمي كنمط سينمائي مُعتاد، ولا تستهويني تلك الأفلام الخيالية التي تتناول حروباً أو غزوات".

 كما تحدثت عن فيلمها المقبل الذي يحمل اسم "نجوم الظهيرة" من بطولة روبرت باتينسون ومارغريت كويلي، وقالت "أتمنى تصويره خلال خريف 2021 مع انتهاء توزيع اللقاحات". وعن روبرت باتينسون قالت: "قابلته بشكل مفاجئ فقد كان هو من أراد مقابلتي، وقد تملكّني الخجل والدهشة، لكنني أدركت أن الأقدار قد جمعتنا لكي نتعاون معاً، فقد شعرت وكأنني أعرفه بالفعل وأُعجبت بصراحته وعطائه الإبداعي وغموضه الذي يفتح آفاقاً فنية مميزة".

المساهمون