في صيف 2018، نشرت صفحة على "فيسبوك" تحمل اسم "صور الأسطورة ليونيل ميسي" نكتة، إذ طلبت من المتابعين "كتابة كذبة رياضية لا تُصدّق". وكتبت: "بنزيمة سيأخذ الكرة الذهبية". في ذلك الوقت، كانت مسألة حصول كريم بنزيمة على الكرة الذهبية نكتة بالفعل، فالصفحات المتخصصة بالرياضة على "فيسبوك" كانت تستخدم اسم اللاعب الفرنسي في سياقات ساخرة، وتنشر دورياً فيديوهات للاستهزاء برعونة المهاجم في منطقة الجزاء، وتجمّع بفيديوهاتها الفرص السهلة التي يضيعها بنزيمة بطريقة عجيبة.
المثير للاهتمام في المنشور هو أنه قد كُتب في وقت كان "ريال مدريد" متسيداً لكرة القدم في أوروبا، وكريم بنزيمة كان لاعباً أساسياً في تشكيلة النادي الملكي الذي حقق دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات متتالية. لكنّ هذه النجاحات لم تنقذه من سهام النقد، فكان ضحية ماكينة صناعة المحتوى الرياضي الساخر على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ يتم اختيار لاعب أو أكثر في كل فترة، لتُنسج حولهم النكات في الصفحات الساخرة، فاليوم هاري ماغواير وجيرارد بيكيه، وقبلهما كان كريم بنزيمة وجيسي لينغارد ومروان فيلايني وغيرهم.
ربما تكون أسباب اختيار هذه الأسماء منطقية في بعض الأحيان، وفي حالة بنزيمة فقد كان الأمر يتعلق بكون اللاعب هو العنصر الأضعف في هجوم النادي الملكي في تلك المرحلة. ويتعلق أيضاً بالمنافسة التاريخية بين ميسي وكريستيانو رونالدو، الذي كانت شريحة كبيرة من جمهوره تحمّل بنزيمة مسؤولية خسارته في سباق صناعة الأهداف أمام ميسي، لأن بنزيمة هو المهاجم الذي يضيع الفرص السهلة التي يصنعها رونالدو. لذلك، كان عدو جمهور رونالدو المتعصب، وخصم برشلونة في الوقت نفسه، وبالتالي فإن انتقاده تحول إلى أمر يتفق عليه الطرفان.
قنوات "يوتيوب" العربية مليئة بالفيديوهات التي تتحدث عن بنزيمة. القديمة منها لا تخلو من النبرة الساخرة، إذ يحاول أصحابها البحث عن السر وراء استمراره ما يقارب عشرة أعوام في "ريال مدريد". ونادراً ما تكون التحليلات موضوعية ومنطقية، وقد يكون أفضلها فيديو للمحلل الرياضي محمد عواد. أما الفيديوهات الجديدة، فهي غالباً ما تغالي في مديح بنزيمة، وكثير منها يراجع مسيرته بمنظور عاطفي، إذ يُصوَّر كضحية للماكينة الإعلامية التي لا تعطي المواهب حقها. ونادراً ما يمر تحليل يتحدث بموضوعية عن انفجار موهبة بنزيمة في مرحلة متأخرة، من دون رسم معالم أسطورية لحكايته مع كرة القدم.
التناقضات تبلغ أوجها عند متابعة الفيديوهات التي يحاول فيها اليوتيوبر سرد حكايات شاملة تلخص مسيرة بنزيمة، لأن الحكايات تختلف كلياً ما بين الماضي والحاضر. المثال الأبرز هي الفيديوهات التي قدمها أحمد الغندور (الدحيح) حول مهاجم الميرنغي، فما بين الفيديو القديم الذي يحمل اسم "الظاهرة كريم بنزيمة" والفيديو الجديد الذي يحمل اسم "بنزيمة" تختلف الحكاية التي ترصد مسيرته 180 درجة. في الفيديو القديم يصفه "الدحيح" بأنه "الإجابة عن سؤال الملايين... لماذا كريم بنزيمة؟"، ويتحدث الدحيح عن المبررات التي جعلت اللاعب الفرنسي يستمر في "ريال مدريد" لسنوات طويلة رغم ضعف مستواه. أما الفيديو الجديد، فيرسم معالم مسيرة أسطورية لكريم بنزيمة، ويرفع من شأنه ليساويه بكريستيانو رونالدو، أو ليجعله أعلى شأناً في بعض المحطات. ويلجأ "الدحيح" إلى السخرية من الانتقادات التي كان يتبناها في الفيديو القديم، لكنّ هذه السخرية لا تبرر التناقضات، بل تبدو وكأنها إطار لها.
قد تكون الإيجابية الوحيدة هي المشهد التمثيلي الافتتاحي الذي يبدو كلوحة درامية ختامية مناسبة لحكاية بنزيمة. المشهد يختلف عن السرد الذي يليه، ففيه تبدو الانتقادات وكأنها كانت حافزا جعل بنزيمة يتطور ليتفوق على نفسه في هذه المرحلة المتأخرة من مسيرته، وهو الأمر الذي يغفله "الدحيح" في الحكاية التي يسردها عن مسيرته، كما تغفله معظم الفيديوهات والمنشورات التي تمحورت حول إنجاز بنزيمة.