يواصل الشاعر كريم العراقي حربه ضد مرض السرطان، مؤكداً أنّ به من القوة والعزم والإيمان بقضاء الله، ما يمكّنه من خوض المعركة والانتصار على المرض الخبيث الذي أصاب جسده، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّه ما زال منذ نهاية العام الماضي، متواجداً في مستشفى "الشيخ شخبوط" في أبوظبي يتلقى العلاج من سرطان الأمعاء والبروستات.
وأجرى العراقي عدة عمليات لإزالة الأورام، ويخضع حالياً لجلسات علاج كيميائي في رحلته العلاجية التي سماها رحلة الأمل والصبر. ويكتفي العراقي منذ عدة أشهر بتصوير مقاطع فيديو قصيرة، ينشرها على صفحته الرسمية على "إنستغرام" يطمئن من خلالها الجمهور على وضعه الصحي.
وفي حوار "العربي الجديد" معه (الذي أنجز طوال شهر كامل نظراً لظروفه الصحية)، أكد العراقي أنه يقضي فترة النقاهة من جلسات العلاج بين القراءة والكتابة، مشيراً إلى أنه يقضي ساعات طوالا في تحفيز قريحته الشعرية حتى لا ينقطع عن الكتابة، ويضيف: "خلال مرضي كتبت أوبريت (هذول العراقيين) الذي لحنه الفنان علي بدر، وتم تقديمه في الحلقة الأخيرة من برنامج اكتشاف المواهب (عراق أيدول) بأصوات الشباب الموهوبين. كما أنجزت مع الفنان كاظم الساهر بعض القصائد التي ينوي تقديمها في ألبومه الجديد، وأنتظر رأي الجمهور الذي غمرني بمحبته في مرضي بهذه الأغنيات، فأنا أشعر بمحبتهم وخوفهم وقلقهم عليّ دائماً".
وحول علاقته بالقصيدة التي يكتبها، يقول العراقي: "أشياء كثيرة تلهمني وليست محصورة في شخص واحد، أنا ابن الحدث فأينما أكون أستثمر المكان الذي أتواجد فيه وأخلق منه قصيدة، لا أخطط لكتابة نص أو أغنية، أنا أصنع من الحدث الذي يمر أمامي قصيدة، فأنا صادق وأمين مع ما أعانيه، فلو راجعنا القصائد التي كتبتها مثل (المحكمة) والتي تحولت إلى أغنية على لسان كاظم الساهر، وأسماء لمنور، تجدها قصة حقيقية منقولة من واقعي ومحيطي الذي أعيش فيه".
وعن سر ارتباطه الوثيق بالفنان كاظم الساهر فنياً، يقول: "أنجز الساهر لي بصوته وألحانه خلال أكثر من ثلاثين عاماً أكثر من 100 أغنية، حتى صار كاظم هو صوت قصائدي، فعلاقتنا تتعدى علاقة شاعر بملحن ومطرب، نحن رفاق رحلة واحدة، وإذا أردت أن استرجع نجاحاتي معه، فلا بد أن أتوقف عند قصيدة، كثر الحديث، التي قدمها عام 1994 والتي شكلت انقلاباً في وقتها في طريقة وأسلوب الغناء للوطن غزلاً، فأكثر ما يستطيعه الإنسان أن يفدي بلده بروحه ودمه، ورغم أن البعض وصفوا وضع اسمينا في القصيدة بغرور مني ومن كاظم في البداية، لكن مع انتشار الأغنية ووضوح فكرتها أدرك من انتقدها أن الإنسان يضحي بنفسه في سبيل بلده وهو الشيء الأعز عليه. وهو أيضاً ما كان في قصيدة، تذكر كلما صليت ليلاً، التي كتبتها من واقع أطفال العراق الذين كانوا يعانون الجوع والبرد والفقر أثناء الحصار الأميركي على العراق في تسعينيات القرن الماضي، وعندما غناها الساهر، تحركت قوافل المساعدات الغذائية والطبية من مختلف دول العالم".
وعن تقييمه للجيل الجديد من الشعراء العراقيين الذين ظهروا في السنوات القليلة الماضية، ولاقوا انتقادات حول نوعية الكلام الذي يكتبونه، يقول العراقي: "لكل زمن أدواته ووضعه وتركيبته، وبالتأكيد يجب أن يحدث تحول في كل شيء بعد أي مرحلة يمر بها أي بلد، وما يحدث حالياً في العراق هو انعكاس مباشر للظروف الصعبة التي مر بها الناس طيلة السنوات الماضية. وتاريخياً الشارع العراقي مثقف منذ سبعينيات القرن الماضي، لأننا كنا نعيش انفتاحاً وازدهاراً اقتصادياً فضلاً عن سيطرة الحس القومي، وكنا نشكل عمقاً عربياً مع مختلف أرجاء العالم العربي، بحيث يميز من يعيش في العراق بين الغث والسمين، وإذا ركزنا على حال الأغنية وقتها، فلم تكن تجاز إلا بعد أن تمر على لجان متخصصة لفحص الأصوات والكلمات والألحان، بمعنى أن الأغنية الهزيلة لم تكن تجد من يروج لها، لكن نتائج الحروب الأخيرة وما أعقبها من انفلات، فضلاً عن الانتشار المدوي للفضائيات، جعلت أي شخص يصف نفسه بالشاعر دون حسيب ولا رقيب، وتجدهم يخطئون في الوزن الشعري وفي المفردات التي يستخدمونها من كلمات ليس بها حياء والتي سيطرت لاحقاً على الذوق العام بنسبة كبيرة قد تصل الى 80 في المائة".
ويستدرك العراقي وضع الشعراء الجدد، مشيداً ببعض التجارب التي حجزت لنفسها مكاناً في أرشيف الشعر العراقي، موضحاً: "ظهرت في السنوات الأخيرة، بعض الأصوات الشعرية التي استطاعت بمخيلة جميلة وذهن صاف أن تقدم أنفسها للناس بثقافتها ووعيها، لأنه بالنهاية لن يبقى الا العمل الأصيل، ومن هؤلاء الشعراء: ضياء الميالي، ومأمون النطاح، وقصي عيسى، وحازم جابر، وآخرون، لأن هؤلاء وغيرهم يقدمون نصوصاً وقصائد تحارب الغث المتوافر بكثرة والذي تخجل أن تستمع اليه، فهؤلاء تحتوي قصائدهم على أفكار فنية وصور شعرية، ولا يركضون وراء كلمات السباب والشتائم بل يفرضون ذوقهم على الجمهور، لأن بعض الأغاني التي تسمى شعبية هذه الأيام، أعتبرها فضيحة مخجلة بحق الغناء العراقي".