"فن على فن"... عصر النهضة اليوم

22 سبتمبر 2023
جانيت ماي (وسط الصورة) في المعرض (صفحة الفنانة على فيسبوك)
+ الخط -

يستضيف متحف الفنون في جامعة برينستون في الولايات المتحدة، حتى الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المُقبل، معرضاً تحت عنوان "فن على فن: روائع عصر النهضة بعيون المصورين المعاصرين". يضم المعرض 13 فناناً وفنانة يستلهمون أعمالهم في الفوتوغرافيا والفيديو من أعمال عصر النهضة والباروك.

لا يخلو المعرض من الجدية بلا شك، غير أنه يحمل قدراً أكبر من الطرافة، ويقدمها مصورون بارزون على الساحة الدولية. الأعمال التي يضمها المعرض تحاكي الأعمال الشهيرة لفناني عصر النهضة والباروك، لكنها محاكاة تتمتع بروح الدعابة، أو هي محاولة لتصور هذه الأعمال من منظور معاصر.

تركز المصورة جانيت ماي، مثلاً، على الأعمال الكلاسيكية للفنانين الهولنديين الذين تناولوا الطبيعة الصامتة في أعمالهم، كباقات الزهور أو ثمار الفاكهة وأباريق النبيذ وغيرها. هذه النوعية من الأعمال كانت إحدى الموضوعات الشائعة في لوحات الفنانين الهولنديين خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. تتساءل ماي: ماذا لو أتيح لهؤلاء الفنانين القدامى أن يعيشوا في عصرنا الحالي؟ ما الذي كان يمكن أن يثير انتباههم؟ وأي وسيط كانوا سيبدعون من خلاله؟

انطلاقاً من هذه التساؤلات، استبدلت المصورة العناصر التقليدية التي اشتهرت بها هذه الأعمال بعناصر أخرى انتقتها بعناية، وتحمل قدراً من الحنين إلى الماضي. استعانت ماي بالتجهيزات وتأثيرات الإضاءة نفسها، وحاكت هيئة الطاولات والمفارش التي كان يستخدمها فنانو القرنين السادس عشر والسابع عشر. ولكن بدلاً من أباريق النبيذ وثمار الفاكهة وباقات الزهور استعانت الفنانة بمجموعة من الإصدارات المُبكرة للهواتف المحمولة، إلى جانب عدد من الأقراص المضغوطة وآلة للطباعة وكاميرا قديمتي الطراز. تعمدت الفنانة في انتقائها لهذه العناصر أن تكون دالة على تواريخ قديمة، ومثيرة للحنين إلى الماضي. راعت ماي في انتقائها كذلك أن تكون هذه العناصر ذات ألوان قريبة من هذه اللوحات القديمة، وفي ترتيب يحاكي وضعية عناصر المشهد الكلاسيكي في لوحات الفنانين القدامى.

يرى روني باير، أحد منسقي العرض، أن المعرض يعكس الأهمية الكبيرة للأعمال الكلاسيكية القديمة ومدى تأثيرها المستمر على الفنانين المعاصرين. حرص القائمون على العرض، كما يقول باير، على ترك الحرية للفنانين لوضع تصوراتهم المختلفة عن الأعمال الكلاسيكية، فجاءت هذه التصورات معبرة عن الحاضر، كما كانت تلك الأعمال القديمة معبرة عن حاضرها.

بعض الفنانين لم يغيروا من هيئة الأعمال كما فعلت جانيت ماي، بل استنسخوها كما هي، ولكن بخامات مختلفة. أنشأ المصور البرازيلي، فيك مونيز، نسختين للوحة الموناليزا لليوناردو دافنشي، ولكن على طريقة آندي وارهول. إحدى اللوحتين اللتين عرضهما مونيز مصنوعة من زبدة الفول السوداني، والأخرى بالجيلي. عُرف الفنان البرازيلي بهذا الأسلوب في معالجة الصور الكلاسيكية باستخدام الخامات المهملة والقمامة.

موسيقى
التحديثات الحية

أما الفنان الياباني ياسوماسا موريمورا، فقد عثر على إلهامه في أعمال الفنانين جان فان آيك ودييغو فلاسكيز. ينتقي موريمورا واحدة من لوحات هؤلاء الفنانين الكبار ويعيد صياغتها في أجواء لها علاقة بثقافته اليابانية. استعان موريمورا بأشخاص يابانيين للقيام بدور الشخصيات الشهيرة في أعمال هؤلاء الفنانين. بين أعماله، ستطالعنا مثلاً صورة فينوس بسحنة يابانية وهي تجلس على أريكة مُزينة بكتابات وعناصر زخرفية من التراث الياباني. يشارك موريمورا في هذا المعرض بعمل مُستلهم من لوحة "رجل بعمامة حمراء" للفنان الفلمنكي فان آيك.

يضم المعرض أيضاً مجموعة من أعمال الفيديو القصيرة، بينها عمل للفنان أوري غيرشت، يمزج فيه بين الجمال والعنف كما يقول. في هذا الفيديو، جمّع غيرشت أنواع الفاكهة والخضروات نفسها التي كان يصورها الفنانون الفلمنكيون في أعمال الطبيعة الصامتة.

مشهد يتسم بالسكون وباعث للراحة بلا شك، غير أن هذا السكون لا يستمر طويلاً، إذ سرعان ما يتحول إلى فوضى، بعد أن تنفجر إحدى ثمار الرُمان فجأة وتتطاير أجزاؤها فوق بقية العناصر. يقول غيرشت إنه أراد من خلال الجمع بين الجمال والعنف تحدي المفاهيم المسبقة وإطلاق الأحكام على الآخرين بناءً على المظهر، فخلف الجمال قد تختبىء القسوة أحياناً.

أما المصور بيل فيولا، فقد استلهم عمل الفيديو المشارك به من وجوه المتفرجين في لوحات صلب المسيح، وهو موضوع شهير ومتكرر عند فناني عصر النهضة. في معظم هذه الأعمال يتم التعامل مع هؤلاء الأشخاص كعناصر ثانوية مُكملة للمشهد، وقد لا ننتبه للمجهود الذي بذله الفنان في إبراز ملامح التأثر على وجوه هؤلاء المتفرجين أو الشهود على عملية الصلب. في عمله يقترب فيولا من وجوه هؤلاء الأشخاص ويبث الحياة في صورهم ببعض الحيل، فنراهم يتحركون أو يبالغون في إظهار مشاعرهم.

المساهمون