- سهام أسباغ وريما حسن، ناشطتان فرنسيتان، تواجهان استدعاءات بتهم تتعلق بدعم الفلسطينيين، مما يعكس استخدام الاتهامات بتمجيد الإرهاب كأدوات للقمع السياسي.
- حملات ضد الداعمين للفلسطينيين، مثل ريما حسن ومزنة الشهابي، تبرز التحديات والضغوط التي تواجه الأصوات المدافعة عن الفلسطينيين في فرنسا، في ظل تزايد الحساسية تجاه النقاش حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
في تحقيق نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، يوم الخميس الماضي، تحدّث عدد من الفرنسيين المسلمين (جميعهم من أصول عربية)، عن رغبتهم بمغادرة فرنسا نتيجة تراكم الخطاب المعادي لهم في السنوات الأخيرة، وقد بلغ أوجه بعد عملية طوفان الأقصى وبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. أغلب الفرنسيين الذين تحدّثت معهم الصحيفة قالوا إن قرارهم هو تتويج لمسيرة هجرة بدأها مسلمون كثر في السنوات الأخيرة، مع تعاظم المد اليميني والخطاب الإسلاموفوبي بشكل واضح في الشارع والمؤسسات الإعلامية. جاء هذا التحقيق ليفتح مجدداً قضية العنصرية ضد العرب في فرنسا، وهي العنصرية التي منحتها وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة هامشاً واسعاً مع ضيوف ملأوا الصحف والاستديوهات، ووجّهوا اتهامات بالإرهاب والتخلّف والبربرية للعرب، والفلسطينيين بشكل خاص، والمسلمين. هذا الخطاب تُرجم أيضاً باستدعاءات لصحافيين وناشطين فرنسيين، عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين، ومع المقاومة في قطاع غزة، في وجه آلة القتل الإسرائيلية.
استدعاء سهام أسباغ
آخر هذه الاستهدافات طاولت الصحافية والناشطة سهام أسباغ، التي استدعتها الشرطة الفرنسية بسبب منشور عبر حسابها على منصة إكس، يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جاء فيه أن "المسؤول الوحيد (عن عملية طوفان الأقصى): دولة إسرائيل الاستعمارية. الحل الوحيد: نهاية الاستعمار وتحرير فلسطين. المسار السياسي الوحيد: الحديث عن أسباب ما حصل، أي الاستعمار والعنف (الإسرائيلي)، إلى جانب إدانة الدول المتواطئة ودعم المقاومة الفلسطينية".
أسباغ نشرت فيديو، يوم السبت الماضي، على "إكس"، قالت فيه إنها ليست الأولى أو الأخيرة التي تُستدعى للإدلاء بشهادتها بسبب تعبيرها عن دعمها للفلسطينيين والنضال الفلسطيني. وأضافت أنه منذ السابع من أكتوبر الماضي، تعرض مئات الأشخاص للمضايقة للأسباب نفسها، وذكّرت بأن هذا الضغط موجود في عالمَي السياسة والإعلام، مؤكدةً أن هناك أشخاصاً معتقلين، أو يتعرّضون لتفتيش منازلهم، أو يواجهون أحكاماً قانونية أو عقوبات في المدارس، أو يُطرَدون من وظائفهم للأسباب نفسها.
وكانت أسباغ قد سخرت في منشور سابق من ادعاءات حرية التعبير والديمقراطية في فرنسا قائلة: "مؤتمرات حول فلسطين مع (زعيم حزب "فرنسا غير الأبية" جان لوك) ميلانشون و(مرشحة "فرنسا الأبية" في البرلمان الأوروبي، ريما) حسن؟ محظورة. مسيرة ضد العنصرية في 21 إبريل/ نيسان محظورة. الناشطون الذين يستذكرون السياق الاستعماري ويدعمون نضالات فلسطين؟ تم استدعاؤهم و/أو الحكم عليهم بالسجن مع وقف التنفيذ. بصحتكم الديمقراطية".
Je suis convoquée par la police pour un tweet sur la Palestine
— Sihame Assbague (@s_assbague) April 20, 2024
Comme Émilie, Anasse, Rima, comme tant d’autres avant & comme ceux qui vont suivre. Les procédures pour « apologie du terrorisme » se multiplient avec un objectif : museler le soutien à la 🇵🇸pic.twitter.com/MWcM3NR1QZ
وأضافت سهام أسباغ في منشور أن "الاتهامات بتمجيد الإرهاب تشكّل أدوات قوية لنزع الأهلية والقمع السياسي. يجب علينا أن ندعم الناشطين والمنظمات المستهدفة، نعم، ولكن يجب أن نعمل أيضاً على تفكيك هذه الترسانة القمعية التي تتفاقم في كل مكان، بما في ذلك في المدارس"، وأكّدت في منشور آخر أن "لا إهانة، لا تهديد، لا ضغط، لا تخويف، لا إجراءات قانونية، لا تشويه للسمعة على منصات التواصل ستجعلنا نحيد عن خطنا السياسي. لا شيء أبداً. وهنا تحية لفلسطين وكل الشعوب المظلومة حتى النهاية، مهما حدث". وأضافت أن "الكثير منكم يسأل من أين تأتي الشكاوى حول دعم الفلسطينيين. هناك على الأقل منظمتان مؤيدتان لإسرائيل تعملان منذ أسابيع، مع أسطول من المحامين، على استهداف شخصيات وجمعيات مناهضة للصهيونية".
استدعاء ريما حسن
استدعاء سهام أسباغ جاء في اليوم نفسه الذي استدعيت فيه مرشحة حزب فرنسا الأبية لانتخابات البرلمان الاوروبي، الناشطة والمحامية الفرنسية ــ الفلسطينية ريما حسن، إلى المديرية الوطنية للشرطة القضائية من أجل الاستماع إليها بشأن "وقائع تمجيد علني لعمل إرهابي" على شبكة الإنترنت بين 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وكشفت صحيفة لوموند، يوم الجمعة الماضي، أن موعد الاستماع لحسن هو 30 إبريل/ نيسان الحالي، علماً أن حسن منذ السابع من أكتوبر كررت بشكل متواصل أن عملية طوفان الأقصى كانت نتيجة لجرائم الاحتلال المتواصلة منذ 76 عاماً، مطالبة الإعلام والرأي العام بالتعامل معها وفق سياق تاريخي كامل وليس كلحظة مفصولة عن التاريخ. وكانت حسن قد كررت في جولاتها الانتخابية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، استنكارها "للضغوط السياسية التي تهدف إلى المساس بحريتي في التعبير". بينما عبر حزب فرنسا الأبية عن دعمه لريما حسن في منشورات وبيانات جاء فيها أن "هذا الاستدعاء هو محاولة لترهيب وتجريم كل الأصوات التي ترتفع في وجه المجازر المستمرة في غزة".
ورغم الاستدعاء، واصلت حسن منشوراتها وكلامها عن الفلسطينيين وعن حرب الإبادة في غزة، سواء على مواقع التواصل أو خلال اللقاءات الانتخابية الشعبية التي تنظمها "فرنسا الأبية" في مختلف المدن الفرنسية. وقد أعلنت في أكثر من منشور أن الاستدعاء لن يخيفها ولن يمنعها من قول ما تفكّر به وما تؤمن به، في مختلف القضايا، خصوصاً القضية الفلسطينية.
بداية التحريض في فرنسا
تواجه الناشطة والحقوقية الفلسطينية الفرنسية ريما حسن، منذ بدء العدوان على غزة، حملةً من الكراهية والترهيب من قِبَل الأوساط الفرنسية الداعمة لإسرائيل. بدأت الحملة بعد قيام مجلّة فوربس الاقتصادية بتصنيفها ضمن قائمتها السنوية التي تخصّصها لأكثر 40 شخصية نسائية تأثيراً في فرنسا. تصنيفٌ لم يرق لداعمي الكيان الصهيوني، وخصوصاً أن الناشطة تُعَدّ من أبرز الوجوه الناقدة في فرنسا للمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحقّ أهالي غزّة. ومع أن أشهراً قد مضت منذ أن كشفت المجلّة الاقتصادية الأميركية عن قائمتها هذه لعام 2023، إلّا أن موجة الضغوط والتنمّر لم تندلع إلّا في 28 يناير/ كانون الثاني المنقضي، بعدما تهجّم آرتور، وهو أحد مقدّمي البرامج المعروفين في الأوساط الفرنسية المُحافِظة، على الناشطة البالغة من العمر 31 عاماً، موجّهاً لها التهمة التي تُوَجَّه في فرنسا لمَن يدافعون في وسائل الإعلام البارزة عن القضية الفلسطينية: "معاداة السامية". وكتب الإعلامي الفرنسي على حسابه في إنستغرام، الذي يتابعه أكثر من 3 ملايين شخص: "إذا أردتم الظهور في تصنيف العام المقبل من مجلة فوربس بفرنسا، فأسهل طريق إلى ذلك هو أن تقوموا بالدفاع عن حماس وأن تكونوا من المعادين للسامية المخضرمين".
وريما حسن المولودة عام 1992 في مخيّم النيرب للّاجئين الفلسطينيين بالقرب من حلب، شمال سورية، حقوقيةٌ متخصّصة بالقانون الدولي. انتقلت مع عائلتها إلى فرنسا وهي في سنّ العاشرة، وأنشأت عام 2019 "مرصد مخيّمات اللاجئين"، ثم منظمة "العمل فلسطين ـ فرنسا" عام 2023. وكانت "فوربس" قد اختارتها كإحدى أبرز الشخصيات النسائية المؤثرة في فرنسا لعام 2023 بناءً على المسار الاستثنائي الذي قطعته منذ خروجها من المخيّم، وهي التي اختارت أن تكون مهمّتها في الحياة "التحقيق والتوعية بأحوال مخيمات المنفيين حول العالم"، كما تكتب المجلة الأميركية.
مزنة الشهابي
في السادس من نوفمبر بُلّغت خبيرة التنمية والاتصالات الفلسطينية ــ الفرنسية مزنة الشهابي، بفصلها عن عملها في منظمة كير غير الحكومية (الفرع الأميركي للمنظمة)، وذلك بسبب منشوراتها عن فلسطين، وحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.
في حديث مع "العربي الجديد"، تشرح الشهابي، أنها تلقت اتصالاً من مكتب المنظمة في فرنسا، رغم أن عملها مع الفرع الأميركي، وعقدها موقّع في فلسطين، وقيل لها إنها تكتب منشورات تظهر أنها مع العنف ضد إسرائيل، "ولمّا سألت ما هي هذه المنشورات، لم أتلقّ أي رد". كما تلقت ايميلاً، يبلغها أن بعض الممولين سيتوقفون عن تمويل المنظمة نتيجة ما تكتبه على مواقع التواصل، "وقد تأكدت من زملاء أن ذلك غير صحيح" تقول.
وتوضح أنها لم تخضع لأي تحقيق، ولم تتلقّ أي إنذار أوليّ كما يحصل عادة قبل الفصل. ورغم أن لا علاقة لها بالفرع الفرنسي للمنظمة، كان التواصل عبر مكتب باريس "مشكلتي أنني مقيمة في فرنسا، لو كنت في بيروت مثلاً لما كان حصل أي مشكلة".
وقد كلّفت الشهابي محامية في فلسطين لمتابعة القضية التي أقفلت قبل شهرَين فقط. وتقول الشهابي "أنا أكتب عن فلسطين فقط على مواقع التواصل، منذ سنوات، منذ ما قبل السابع من أكتوبر، وتحديداً منذ استشهاد (الصحافية) شيرين أبو عاقلة، لذا ما أكتبه ليس جديداً".
وتتحدّث الشهابي عن ضغوط كبيرة تمارس على كل الأصوات المدافعة عن الفلسطينيين في باريس، من جماعات مناصرة للصهيونية، وشخصيات بارزة، تنشط في الحياة اليومية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وقد روّج هؤلاء لاستدعاء الشهابي من الشرطة الفرنسية للتحقيق كما حصل مع الصحافية والناشطة سهام أسباغ، والمرشحة عن حزب فرنسا الأبية للبرلمان الأوروبي ريما حسن، إلا أن ذلك لم يحصل.