فرقة Apocalyptica... متلازمة التشيلو في الخلية رقم صفر

15 نوفمبر 2020
يبدو أن البشر ضاعوا في مكان ما وراء النجوم (Getty)
+ الخط -

قبل أيام، أصدرت فرقة الميتال الفنلندية، Apocalyptica، ألبوماً موسيقياً جديداً حمل عنوان Cell-0؛ وهو الألبوم التاسع في مسيرة الفرقة، وقد جاء بعد ما يقارب خمسة أعوام عن آخر ألبوماتها، Shadowmaker، لتكون بذلك أطول فترة انقطاع عن الإنتاج الموسيقي في تاريخ الفرقة.

وقد تم تسجيل الألبوم بعد أن أنهت Apocalyptica جولتها الفنية الأطول في تاريخها، إذ أطلقتها سنة 2016 للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين على تسجيل ألبومها الأول Plays Metallica، والتي استغنت فيها عن الموسيقى الإلكترونية، وعادت فيها لتعتمد بشكل كلي على الآلات الموسيقية الحية. هذا الأمر ترك أثراً بالغاً أيضاً على الألبوم الجديد، ليكون أول ألبوم للفرقة يعتمد على الآلات الموسيقية بشكل كامل منذ سنة 2003. 

يتكون العمل من تسع مقطوعات موسيقية، تعود فيها Apocalyptica إلى تركيبتها الخاصة التي تعتمد بشكل رئيسي على آلة التشيلو، والتي يرافقها غيتار الباص وضربات الدرامز العنيفة. هذا المزيج الموسيقي، يبدو مثالياً للتعبير عن البعد المفاهيمي للألبوم، الذي قامت الفرقة بنشره ضمن بيان خاص سبق طرح الإصدار بأسابيع؛ المفهوم الذي يتمحور حول فلسفة روحية بقشور مادية، بالإشارة إلى جسيمات روحية تسيطر على الكون، سمتها بـ"الجسيمات الإلهية".

ومن خلال هذا المفهوم، تحاول الفرقة أن تضفي بعداً روحياً على النظريات العلمية المادية بواسطة الموسيقى الصرفة؛ فالجسيم الإلهي هو الخلية رقم صفر، وهو المعادل الروحي للذرات الصغيرة.

تشكل هذه المقدمة الفلسفية دليلاً يساعد على تلقي الألبوم، والاستمتاع به على النحو الأفضل؛ فهي تفسر بشكل كافٍ العلاقة الغريبة والتضارب ما بين مسار آلة التشيلو، التي تبدو تجسيداً للسكون الروحي، وما بين الباص والدرامز، اللذين يمثلان الوجود المادي العنيف.

ومع المقطوعة الافتتاحية، Ashes Of The Modern World، تعطي الفرقة مساحة كبيرة بالبداية للتشيلو، قبل أن تنفجر ضربات الدرامز دفعةً واحدة، وتسحب البساط نحوها؛ لتتمكن الفرقة خلال ست دقائق ونصف من رسم علاقة واضحة بين العوالم المادية والروحية، بالتنافر بين سكينة التشيلو وضجيج الآلات المعدنية؛ لتشكل بها مدخلاً جذاباً لمقطوعتها الرئيسية التي حملت عنوان الألبوم "Cell-0"، التي تمتد على مدار عشر دقائق، وتبدو فيها العلاقة بين الأصوات المتنافرة قد باتت أكثر تعقيداً، وكأنها أصبحت تتصارع للبقاء والوجود، فتتناغم بملحمة وترية حيناً، وتفترق في مقاطع سولو بأحيان أخرى، لترسم صورة مبهمة عن حدود العلاقة.

تدور الآلات بالمقطوعات التالية في الدوامة ذاتها، ويزداد هامش العنف حتى تصل إلى المقطوعة الأخيرة، Beyond The Stars، التي يفاجئنا بها صوت بيرتو كيفيلاكسو ليكسر السياق بالمطلق، ويبدأ بترديد نص شعري قصير، بطريقة الــ"ديث غرول" في الدقائق الأخيرة من الألبوم، حيث يقول:

"من رماد العالم الحديث، ستنهض أسس الطور الجديد، طور لرعايةٍ أفضل ولأملٍ أفضل؛ خليةً تلو الأخرى، ستشفي الطبيعة نفسها بنفسها، لتستعيد الأرض توازنها. أصبح الجهل أخطر خطايانا، لأننا لم نبك حتى على كوكبنا المحتضر. هذه الأنانية أدت إلى تدميرنا. يتوجب علينا التراجع عن مفاهيم الذكورة. ثلاثة، اثنان، واحد ... هيا انطلق. يبدو أن البشر ضاعوا في مكان ما وراء النجوم. تصبحون على خير".

وبعد أن يصل الصخب لأوجه في المقطع الغنائي، تنتهي رحلة الألبوم التي امتدت على مدار خمسين دقيقة بصمت مريب، يبدأ بضربات ناعمة على آلة التشيلو، يتردد صداها حتى يتلاشى تماماً، وكأن الوجود قد غاص في العدم، وعادت جميع الخلايا النشطة إلى حالتها الصفرية.  

المساهمون