الاحتلال يصفي حساباته مع الصحافيين الفلسطينيين

30 يوليو 2024
تظاهرة للصحافيين الفلسطينيين في رام الله، 3 مايو 2024 (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

تثبت غالبية التهم التي وجهت للصحافيين الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الاول الماضي أنّ الاحتلال الإسرائيلي وضباط استخباراته فتحوا باب تصفية الحسابات مع العاملين في الصحافة، عبر اختراع تهم مرتبطة بعملهم الصحافي أو بالاستناد إلى منشورات عادية على منصات التواصل لمحاسبتهم بدعوى "التحريض". وتعرض الصحافيون خلال اعتقالهم لعمليات تعذيب وتنكيل، وعاشوا تجارب قاسية مثلهم مثل بقية الأسرى الفلسطينيين، وكان أبرز ما عانوه هو التجويع المتعمد من قبل الاحتلال، والذي أدى إلى فقدانهم الكثير من الوزن.

ووثّقت نقابة الصحافيين الفلسطينيين قرابة 500 انتهاك إسرائيلي بحق الصحافيين في عموم الأراضي الفلسطينية منذ مطلع العام 2024، كما تعرّض 26 صحافياً وصحافية للاعتقال خلال الفترة نفسها. كما تشير إحصائيات للنقابة إلى أن سلطات الاحتلال تواصل اعتقال 51 من العاملين في الحقل الصحافي من مجمل 100 جرى اعتقالهم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

تهم تتعلق بالعمل الصحافي

كان مقطع فيديو لمجموعة من الشبان يرقصون الدبكة بشكل فكاهي مع صورة لمخيم جنين من ضمن الأدلة التي استندت إليها النيابة العامة الإسرائيلية لتوجيه تهمة "التحريض" بحق المصور الصحافي معاذ عمارنة من مخيم الدهيشة، جنوبي الضفة الغربية. وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت عمارنة البالغ من العمر 37 عاما، من منزله في 16 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، ولم تفرج عنه سوى في التاسع من يوليو/ تمّوز الحالي، بعدما واجه 12 تهمة، جميعها تتعلق بعمله الصحافي، منها مرتبط بمنشورات عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي.

وقال عمارنة في حديث مع "العربي الجديد": "على الرغم من أن المحكمة العسكرية الإسرائيلية أقرّت بأن كل تلك التهم لا تتضمن أي تحريض وأنها تندرج ضمن عمل الصحافة، فإنني حولت إلى الاعتقال الإداري الذي أمضيت فيه تسعة أشهر كاملة تقريباً"، كما لفت إلى أنّ القاضي طلب منه في إحدى جلسات الاستئناف الابتعاد عن العمل الصحافي ووسائل التواصل الاجتماعي لفترة تقرّرها المحكمة، ورغم موافقته على ذلك، إلّا أن القرار جاء بتمديد اعتقاله أربعة أشهر إضافية.

وخسر عمارنة إحدى عينيه بعد إصابته برصاصة قناص إسرائيلي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، خلال عمله في تغطية الأحداث الميدانية. أما خلال اعتقاله الأخير، فقد تعرض للتعذيب الشديد والتجويع، وكسرت نظارته الطبية، كما منع من استخدام العين الاصطناعية التي يضعها بدل العين التي خسرها، فضلاً عن حرمانه من أدوية مرض السكري الذي يعاني منه.

تلفيق التهم

من جهته، قال الأسير المحرر الصحافي محمد الأطرش، من مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، في مقابلة مع "العربي الجديد"، إنّ الاحتلال الإسرائيلي اعتقل الصحافيين كأسرى حرب عقب السابع من أكتوبر، وكانت نيابة الاحتلال والمحققين يكيفون لهم تهم التحريض لإبقائهم داخل السجن. لفت الأطرش إلى أنّه مرّ في مرحلتين من التحقيق، الأولى هي التحقيق الرسمي من قبل الشرطة الإسرائيلية، وقال: "تم سؤالي عن منشورات عادية جداً، وعن فيديو كان على ذاكرة هاتفي المحمول أنتجه مؤثر عربي بعنوان (الاحتلال سرطان)، وكان هذا الأمر كافياً لتوجيه لائحة اتهام لي بالتحريض، علماً أن هذا الأمر لو حدث قبل السابع من أكتوبر لكان أفرج عني فوراً كما أبلغني أحد المحامين، لكن هذا يؤكد من جديد أنّ اعتقالنا سياسي لا أكثر".

وتابع الأطرش: "في المرحلة الثانية خضعت لتحقيق غير رسمي من ضابط الشاباك وبوجود ضابط المنطقة التي أقطن بها، الذي أبلغني بأنه سبق أن رفع ثلاث مذكرات لاعتقالي بسبب تقارير مصورة قمت بإنتاجها وخاصة حلقة من برنامج ما خفي أعظم لصالح قناة الجزيرة عن مجموعة عرين الأسود في البلدة القديمة من نابلس، وقال لي بالحرف الواحد: انتظرت حين أصبحت دولة إسرائيل من دون قانون حتى يتاح لي إمكانية اعتقالك وأدعس على راسك. هنا كان ردي: أنا صحافي وهذا عملي، كما يفعل الصحافيون الإسرائيليون. فهل إذا أعد أحدهم فيلماً عن تلك المجموعة ستعتقله؟! فما كان منه إلا أن اعتدى عليّ بالضرب المبرح".

واعتبر الصحافي أنّ اعتقاله وزملائه "جزءٌ من مشروع الاحتلال لتغييب الصوت الفلسطيني كوننا نغطي الأحداث بشكل دائم وبطريقة لا تروق له".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

تغييب الإعلام

أما الصحافي أمير ابو عرام، من بلدة بير زيت، شمال رام الله، وسط الضفة الغربية، فقد قال له الضابط الإسرائيلي لحظة اعتقاله: "خلصنا. فش إعلام". وفي أول جلسة تحقيق، اتهمه المحقق بأنه "محرض إعلامي في الميدان" بسبب تغطيته للمسيرات التي تخرج رفضا للعدوان على غزة وضد الاحتلال.

وقال أبو عرام لـ"العربي الجديد": "لاحقاً في لقاء مع محقق إسرائيلي آخر حاولت أن أشرح له طريقة عملنا، وهو بلا شك يعرفها تماماً، لكنه لم يتجاوب، وكان مصراً على اتهامي بالتحريض، وعندما قلت له إن الصحافيين الإسرائيليين يكونون موجودين في مواقع الأحداث وينقلونها، رفض المقارنة".

وأسوة بغيره من الصحافيين، لم يجد القاضي في المحكمة أي مستند قانوني للتهم التي وجهت لأبو عرام، وتحت الضغوطات أصدر حكماً عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، ولكن المحامي نجح في تخفيض العقوبة إلى ثلاثة أشهر، قبل أن تقرّر المحكمة العليا الإسرائيلية الإبقاء على المدة الأولى، مع الإفراج عنه فور انتهائها، وهو ما جرى.

من جهته، أشار الصحافي المختص بالترجمة عن الإعلام الإسرائيلي والأسير المحرر عماد أبو عواد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "أجهزة الأمن الإسرائيلية أكدت للقاضي على ضرورة وجودي في السجن خلال الأحداث الجارية، كوني بنظرهم أشكل تهديدا لأمن المنطقة، وأستغل الإعلام لتقديم وجهات نظر معادية لدولة الاحتلال وفق ادعائهم، لكنهم لم يقدموا شيئاً ملموساً ضدي".

فيما لفت مدير نادي الأسير في محافظة الخليل أمجد النجار إلى أنه يملك لوائح اتهام بالتحريض قدمت ضد الصحافيين الفلسطينيين بسبب نشرهم آيات من القرآن الكريم على منصات التواصل الاجتماعي. أضاف في حديث مع "العربي الجديد": "هناك صحافي لديه 17 تهمة بالتحريض، كلها مرتبطة بمنشورات على فيسبوك، تحوي دعوات لمسيرات ضد العدوان ودعماً للأسرى أو صوراً لجنازات الشهداء، وغيرها، وقد نشرها ضمن سياق عمله الصحافي الذي يتطلب منه ذلك".

تجاوزات خطيرة بحق الصحافيين الفلسطينيين

أكد محامي هيئة شؤون الأسرى جميل سعادة أن اعتقالات الصحافيين بتهمة التحريض تكشف تجاوزات الاحتلال ضد حرية التعبير، وتابع في حديث مع "العربي الجديد": "توجه تهم التحريض للصحافيين المعتقلين بناءً على منشورات وصور نشروها في إطار عملهم، لكن في الحقيقة تتم الاعتقالات بناءً على تقارير سرية أعدتها المخابرات الإسرائيلية".

وأشار سعادة إلى حالة الأسيرة رشا حرز الله، من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، وهي موظفة في وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية، وجهت إليها لائحة اتهام تتعلق بمعظمها بأعمالها الصحافية، التي تضمنت إعداد تقارير إخبارية، ولفت إلى أنّه لا يوجد فيديو أو صورة معينة تُعد دليلاً على التحريض، وأن الاتهامات ضدها تعتبر فضفاضة، لكنهم واجهوها بمنشورات لها عن شقيقها الشهيد محمد الذي استشهد قبل نحو عامين، وهي دوما تكتب عنه وتستذكر المواقف التي جمعت بينهما.

ونبّه سعادة إلى أنّ تهمة التحريض ليست حكراً على الصحافيين، إذ يمكن أن تشمل أشخاصاً عاديين، لافتاً إلى أنّ الكثير من الاعتقالات التي تجرى عشوائية ومن دون معايير واضحة.

المساهمون