تخرُج المُراهقة من عالمها الاعتيادي، بعد تلقّيها أول نداء للمغامرة، في "فتاة أميركية" (2022)، لمايك باركر. تقع في أيدي الأعداء، الذين افترضت أنّهم أصدقاء. تتعرّض لمحنةِ كُلفةِ رفقة السوء. بعد دفع ثمن المغامرة، تعايشت مع محنتها وقتاً طويلاً. في عشريناتها، قرّرت أنْ تفعل ما تفعله جميع البنات: أنْ تبحث عن زوج. بعدها، تُبرز الخاتم الكبير للتباهي. تُعلن عن سعادتها بضجيج. احترفت التملّق، لتجد لها مكاناً في القمّة. تُغالط روحها، لتصنَّف مع الأغنياء. إلى أنْ أتيحت لها فرصة تمزيق القِناع المثالي للدمية الميكانيكية، التي اعتادت أنْ تبرمج نفسها لتلائم متطلّبات المجتمع. حين برز عنصر الحلّ، مزّقت البطلة القناع، وكشفت ما جرى، لتتصالح مع ذاتها. هكذا تنبعث البطلة ذات الألف وجه، كما في كتاب "البطل بألف وجه" (1977) لجوزف كامبل.
يرصد الفيلم رغبات الشخصية النسائية المَدينيّة، والعوائق التي تواجهها. يحاول عنوانه تعميم حالة خاصة. توجد لعبة بالاسم نفسه (american girl). فعلاً، تعرّضت الشابة الأميركية للكثير مما تعرّضت له مارلين مونرو في مُراهقتها. يبدو عمر الممثلة ميلا كونيس أكبر من الدور الذي تؤدّيه في "فتاة أميركية".
يُعمّم العنوان حالة فتاة أميركية على أبواب الثلاثين من عمرها، كما تناول "جمال أميركي" (1999)، لسام مانديس، حياةَ مُراهقةٍ أميركية، بينما روى وودي آلن حياة امرأة خمسينية مُنهارة (أداء العبقرية كايت بلانشيت) في "بلو جاسمين" (2013). هكذا تَنْحت السينما تمثالاً مُنمّطاً لكل مرحلة عمرية نسائية.
مع تأخّر سنّ الزواج، يتّضح أنْ الواقع أقوى بكثير من توقّعات المتفائلات. كلّ نظرة لامرأة تقترب من الثلاثين تثير أسئلة. للردّ على الساخرين، قرّرت صديقة البطلة ألاّ تتزوّج، إلاّ حين تصير امرأة ما رئيسة لأميركا. بانتظار ذلك، أفضل طريقة لدى البطلة، للخلاص من أمّها، أنْ تجد رجلاً ثرياً يتزوّجها. نجحت في ذلك. التمثيلية مستمرة، ومُكلفة.
تتراجع الشابة المتمرّدة، وتجد أنّ عليها الزواج سريعاً. تُسدّد على العريس المثالي. تعْرض عليه وجهها المثالي، بينما تعيش حياة مزدوجة: هناك نواة وغشاء. تعيش البطلة بمنطق في مواجهة ذاتها، وبمنطق آخر في مواجهة العالم. تجهد لتقول للآخرين ما يريدون سماعه. فبركت صورة محبوبة. تتفاخر بمنجزاتها. في لحظات الغضب، تنكشف أمام نفسها، ونرى ـ نحن المتفرّجين ـ كيف يحتال البشر على أنفسهم أكثر ممّا يحتالون على غيرهم.
تراكمت الأكاذيب، وحقّقت الأهداف المعلنة. لكنْ، في القلب والمزاج، لا شيء يحدث كما تريد البطلة. ثم حانت لحظة الحقيقة. تمزّقت الصورة المثالية المفبركة.
"فتاة أميركية" مُقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2015)، للأميركية جيسيكا نول، حقّقت نجاحاً جماهيرياً. احتفظ الفيلم بكثيرٍ من سمات النصّ الأدبي. فيه كلام كثير. أسلوبه تلفزيوني. تستخدم البطلة مونولوغاً طويلاً، لتشرح ما يَغلي في أعماقها. تتكلّم فيه متحسّرة بينها وبين نفسها. في المونولوغ، لمسة توضيح تجارية، تستجيب لحاجات المتفرّج ـ الزبون العادي. قُدِّمت معلومات عدّة، تُشبع كلّ توقّعات المتفرّج، حتّى إنّه يتساءل: ماذا بعد؟
نكتشف غشاء الشخصية في النصف الأول، ونواتها في النصف الثاني. تعي الشابة حقيقة أصلها الاجتماعي. تتصرّف بهستيرية. تحاول تحقيق ذاتها. تفهم نظرات الآخرين. إنّها حسّاسة تجاه كلّ ملاحظة.
بعد 70 دقيقة (المدّة الكاملة 115 د.)، لا تزال هناك أسرار شخصية، سيترتّب عن كشفها قرارات صعبة. قرّرت البطلة أنْ تسبح ضد التيار، لأول مرة، لتجديد هويتها. كيف يدلّ الاختيار والقرار على هوية الشخصية؟
تلميذة من أصول اجتماعية فقيرة، تعشق رفقة أبناء الأغنياء مهما كان الثمن. يدفعها طموحها إلى أمكنة لا تلائمها. تطفو بُقع داكنة على روحها. فجأة، ينبعث الماضي في اللحظة الأسوأ. في لحظات الانفعال، تتسبّب الحركات الصغيرة في تخريب الصورة المثالية التي تُسوّقها عن نفسها. كلّما تعمّقت معرفة خطيبها بها، تمزّقت الصورة المثالية. تعود البقع الداكنة لتنغِّص حياتها.
يظهر أنّه بسبب حبّها للتظاهر، تُعطي قيمة كبيرة لمواقف الآخرين وآرائهم. تعيش بأنصاف الحقائق، وتتّخذ أنصاف القرارات. تهرب إلى الأمام بين زمنين، الماضي والحاضر.
كيف تُشكّل المراهقة مرحلة نضج الشخصية؟ تحمل مرحلة النضج بصماتٍ كثيرة من مرحلة المراهقة.
الفيلم ذهاب وإياب بين حياة المراهقة والمرأة المقبلة على الزواج. الرابط ليس "فلاش باك"، بل وثائقيّ عن مرحلة الدراسة الثانوية. للانتقال، جرى استخدام القَطع بكثرة، لجعل مرور الزمن واضحاً في مزاج الشخصيات ووضعياتها.
يستخدم مايك باركر الكاميرا باقتصاد. ليس هناك أيّ تبجّح أسلوبيّ في فيلمٍ لن يُعرض في مهرجانات سينمائية، لأنّ فيه إيقاعاً سريعاً، وأحداثه تجري في مدينة كبيرة. بينما تفضّل لجان التحكيم أفلاماً ذات إيقاع بطيء لتفهمها. غالباً ما يُلائم الإيقاع البطيء أمكنةً معزولة ونائية ومقفرة.
هكذا يُصبح الإيقاع البطيء معياراً مُعتَبَراً. هذا يتعارض مع كون ثلثيّ سكّان العالم يسكنون في مدن مكتظّة، فيها إيقاع حياة سريع، وليس في بوادي مُقفرة ورتيبة. لا توجد شابة تهجر مدينة كبيرة للعيش في الخلاء. لكنّ أذواق أعضاء لجان التحكيم تكره زحام المدن، وتُفضّل لقطات المناطق القاحلة.