غضب بريتني سبيرز المجروحة: "أريد استعادة حياتي"

03 نوفمبر 2021
بريتني سبيرز في نيويورك عام 2008: ضيق أم غضب أم جُرح؟ (جيمس دفايْني/ وايرإيماج)
+ الخط -

"أناسٌ كثيرون يقولون إنّها مجنونة. أنا أكره هذه الكلمة. ألا يُمكنكم القول إنّها متضايقة أو غاضبة أو مجروحة؟ أنا أختار هذه الأوصاف كلّها، قبل أنْ أختار (تعبير) مجنونة". يقول عدنان غالب، مُصوّر باباراتزي مولود في أفغانستان عام 1972، ومُقيم في الولايات المتحدّة الأميركية بعد انتقاله إليها من لندن، حيث عاش طفولته مع أهله المهاجرين إليها وهو صغير. كلامه هذا، النابع من حبٍّ ومعرفة وصدق، يختصّ بالمغنية الأميركية بريتني سبيرز (1981)، التي يرتبط معها بعلاقة عاطفية، بعد ملاحقته إياها كمُصوّر فوتوغرافي. كلامٌ يختصر سيرة شابة، يستولي والدها على حياتها، مُرغِماً إياها، وفقاً لقانون الوصاية، على العيش في جحيمٍ، يؤدّي بها إلى خيبات وانكسارات وآلام، جاعلاً منها امرأة "متضايقة" و"غاضبة"، والأقسى: امرأة "مجروحة".

11 عاماً عقوبة بريتني سبيرز بتهمة غير واضحة تماماً. نجاحها الفني؟ ثروتها الطائلة؟ شعبيتها غير الموصوفة؟ علاقاتها العاطفية والزوجية المرتبكة؟ طمع الوالد جيمس (جيمي) برنال سبيرز في أموالها، بسبب مشاكله المالية والكحولية (بلوغ حافة الإفلاس، وسوء إدارة مالية في حياته المهنية)؟ يصعب معرفة السبب، وهذا لن يكون مهمّاً، فمُشاهدة الوثائقي الجديد "بريتني ضد سبيرز" (2021، 93 دقيقة، "نتفليكس") للأميركية إلِن لي كار (1988) يعتمد مسارات عدّة لسرد حكاية المغنية، في تداخل يصنعه توليفٌ (جايزون سايجر وتيم كاي سميث)، يمزج صُوراً أرشيفية كثيرة (أشرطة بصرية مختلفة، لقطات قليلة من حفلاتٍ عدّة، تسجيلات صوتية، صُور فوتوغرافية، مستندات ووثائق) بلقاءاتٍ حديثة، ومعها تظهر المخرجة لي كار رفقة الصحافية الأميركية جيني أليسكو (1972)، المقرّبة من المغنية منذ أول لقاء معها ومقالة عنها في "رولينغ ستون"، قبل "اعتقالها".

في فترة ما عام 2020 (غير مُحدّدة بدقّة)، تحصل لي كار ومنتجو فيلمها على تقارير من "مصدر" (غير مذكور اسمه)، يتصل بهم لرغبته في كشف حقيقة ما يجري في مسألة الوصاية. التدقيق في التقارير المسرّبة يتطلّب وقتاً وجهداً لمعرفة مصداقيتها، والمختار منها يقول بعض المخبّأ. الطبيب الوحيد، المذكور اسمه في تقارير طبية ونفسية، يُدعى جي. إدوارد سْبار (طبيب نفسيّ للمسنين. متقاعد، لكنّه يُقدِّم المشورة إلى محامين، بما فيها الوصايات المطعون فيها أحياناً). يُشير الفيلم إلى أنّ لسْبار دوراً في استمرار الوصاية، بسبب تقييم طبي لبريتني سبيرز: "لو أنّكِ تأتين إليّ بمستند مُوقَّع عليه باسمي، سأتحقّق من توقيعي"، يقول أمام الكاميرا، لإبعاد كلّ شُبهةٍ عنه في هذه المسألة.

رغم هذا، يؤكّد سْبار، بناءً على تجاربه الخاصّة بالوصاية، أنّ المُطالِب بفرض وصاية على أحدهم "يظنّ أنّه يتصرّف وفقاً لمصالح الخاضع للوصاية"، وأنّه "يحاول حمايته من شيءٍ ما". يقول أيضاً، انطلاقاً من معظم القضايا المُشارك فيها، إنّ الذي يسعى إلى الوصاية "شخصٌ مفتر، يريد أموال الخاضع للوصاية".

أناسٌ عديدون يظهرون أمام كاميرا شاين سغْلر ومغان ستايسي، وهم يروون تفاصيل وحكايات ونزاعات وأحوالاً، في سياق يُبسِّط المسائل، القانونية والنفسية تحديداً، وينتقل ـ بين حينٍ وآخر ـ إلى لي كار وأليسكو، اللتين تتبادلان أحاديث مختلفة، بناءً على وثائق ومستندات تحصلان عليها من مراجع ومراكز ومكاتب معنية بالقضاء والمحاماة. أحياناً، تجلس أليسكو أمام الكاميرا كإحدى الشخصيات، التي تمتلك معلومات، مع أنّها مُشاركة في صُنع الوثائقي، الذي يُخصَّص أولاً لتناول "فنّها (بريتني سبيرز) وصورتها الإعلامية"، كما في قولٍ للراوية: "لكنّها أيضاً قصّة عن القوة والسيطرة. قصّة مليئة بالمؤامرة والشائعات، ولم يكن أحدٌ يتكلّم... حتّى تكلّموا أخيراً".

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

اللقطات الأولى مأخوذة من حفلةٍ لبريتني سبيرز، التي تصعد درجاتٍ عدّة، ملتفتةً إلى جمهورها، أكثر من مرّة، بابتسامة ساحرة. بعد لحظات، يُسمع صوتها في حوارٍ، تقول فيه إنّها، ببلوغها الثامنة من عمرها، تُدرك والدتها لين أيرين بريدجز أنّه بوسعها أنْ تُغنّي: "لطالما أردتُ أنْ أغنّي. إنّه شيءٌ لطالما أردتُ فعله". أما الراوية، فتقول: "الأمر ليس مجرّد حظ. الجميع يحتاجون إلى قليلٍ من الحظ، لكن الأمر سيتطلّب كمّاً هائلاً من الموهبة والعمل الشاق". تقديمٌ متنوّع ومكثّف، يختزل قصّة شابّة ستعيش أسوأ مرحلةٍ في حياتها، رغم شهرتها وشعبيتها وثروتها. تقديمٌ يشي بأنّ "بريتني ضد سبيرز" يميل إلى الشابّة، راغباً في كشف خفايا، وطامحاً إلى صُنع شهادة بصرية موثَّقة بمستندات، وبتوليفٍ يقول سياقه المتكامل ما ينفضّ كثيرون عن الاعتراف به.

رغم أهمية التوليف، الهادف إلى سرد حكاية الوصاية، من دون التغاضي عن لحظات ومراحل وتفاصيل منبثقة من قسوة يومية تعانيها بريتني سبيرز، وعن علاقات وحبّ وعائلة وأهل، يُعتبر "بريتني ضد سبيرز" فيلماً وثائقياً تلفزيونياً، يُنجز عشية جلسة أخيرة (23 يوليو/ حزيران 2021) لنزع الوصاية عنها. ويُستكمَل بمعلومات مكتوبة عن وقائع مختلفة: استقالة لاري رودولف من إدارة أعمال المغنية بعد 25 عاماً، قائلاً إنّ الوصيّ عليها يُكلّفه بتولّي مهام الوصاية، فهو "ليس جزءاً منها (الوصاية)"؛ استقالة سام إنْغَام، محامي المغنية المُعيَّن من المحكمة (3 ملايين دولار أميركي يحصل عليها لقاء مهمّته هذه)؛ ماثيو روزينغارت يُصبح محامي بريتني سبيرز (14 يوليو/تموز 2020)، ويبدأ فوراً مهمّة تنحية جيمي سبيرز من منصبه كوصيّ؛ إلخ.

معلومات كتلك تقول، مواربة على الأقل، إنّ أموالاً كثيرة يجنيها منتفعون من وصاية الأب على ابنته، ويجنيها الأب نفسه أيضاً، ما يجعلهم يُضيّقون الحصار عليها، ويدفعونها إلى إحياء حفلاتٍ لجني أرباحٍ إضافية، رغم إرهاقٍ جسدي ـ نفسي تتعرّض له المغنية، فتختفي أياماً مديدة، بسبب انهيار عصبي، كما يُشاع. لكنّ الوصف الأصدق سيبقى قول عدنان غالب: "إنّها متضايقة وغاضبة ومجروحة".

مسائل كثيرة يتناولها "بريتني ضد سبيرز". التكثيف الزمني يخدم المحتوى، الهادف إلى تبيان جوانب حكاية الوصاية، من دون الابتعاد كثيراً عن بريتني سبيرز المغنية والشابّة والعاشقة والمرتبكة والقلقة والأم والحنونة واللطيفة والمتألمة والمُرهَقة والمصدومة. هذا ينسج شيئاً من جمالية الوثائقيّ، رغم اهتمامه الأول بالوصاية وما يحوم حولها من تفاصيل، أو كما قيل سابقاً: من مؤامرات وشائعات.

الوصاية؟ "أريد استعادة حياتي. مرّ 13 عاماً. هذا يكفي".

المساهمون