"ع مفرق طريق": كوميديا غير مكتملة وتصوير أقرب إلى السياحة

15 ديسمبر 2022
"ع مفرق طريق": سعيٌ إلى خلاص روحي بنَفَسٍ كوميدي غير مكتمل (الملف الصحافي)
+ الخط -

مأزقان اثنان يعاني لبنان تأثيراتهما السلبية، يمرّ "ع مفرق طريق" (2022) للمخرجة اللبنانية لارا سابا عليهما، من دون إطالةٍ، بل باختزال مُكثَّف، يكفي لقول موقفٍ واضح منهما، رغم نتائجهما الكارثيّة في البلد: سطوة نجوم/نجمات الدراما اللبنانية على كلّ مشروعٍ جديد، بما فيهم/فيهنّ من تشاوفٍ ونرجسية ولامبالاة وتعالٍ وجهلٍ في أصول المهنة، كما من انعدام سلوكٍ سويّ في الاشتغال؛ وتسلّط تجّار على مزارعين، من دون اكتراثٍ بغير مصالحهم الذاتية، لاهتمامهم الفاقع في تحقيق أرباحٍ مالية تتجاوز كلّ تخيّلٍ ومعقول.

لكنّ "ع مفرق طريق" غير معنيّ بتفكيك هذين المأزقين، لاهتمامه بسرد قصّة ممثل نجم يُدعى هادي نجم (شادي حداد)، يواجه ضغوطاً كثيرة في مهنته ونجوميته، كما في حياته اليومية رفقة والدته (هيام أبو شديد)، التي يُضيف اهتمامُها الكثير به ضغوطاً على أعصابه ونفسيّته. شابٌ وسيمٌ، يُسحر كثيراتٍ، لكنّه لا يُتقن فعل أشياء عدّة، تُعتبر عادية للغاية، لانتمائه إلى طبقة اجتماعية ميسورة، ولكونه ممثلاً مشهوراً. اختياره للقاء بابا الفاتيكان، مع ممثل أجنبي آخر، في إطار مشروع سينمائيّ يتناول سيرته الحياتية (يُفترض بهادي أنْ يؤدّي شخصية البابا شاباً، في حال اختير للدور، علماً أنّه مؤدّي شخصية المسيح في فيلمٍ سابق)، هذا الاختيار يُثير فيه حماسةً وحيويةً وفرحاً، لكنّه سيكون سبباً إضافياً (لعلّه مطلوبٌ) للهرب من المدينة وصخب المهنة والشهرة وضغط الوالدة، فينتقل إلى منطقة ريفية شمالية، ويلتقي صدفةً، بعد حادث سير مع راكبة درّاجة هوائية شابّة تُدعى سيلين (ربى زعرور)، 4 راهبات، ستكون الأم باولا (جوليا قصّار) بينهنّ عمّتها. الأخت ماري برنار (بيتي توتل) مسحورةٌ به، والأختان غابي (ميرنا مكرزل) وسيلستين (سينتيا كرم) تفرحان به. الراهبات الثلاث، باستثناء ماري برنار، يبدّلن عجلة سيارة هادي (فهو لا يعرف هذا إطلاقاً)، ويُقرّرن دعوته إلى الإقامة معهنّ في الدير، الذي تُقيم سيلين فيه أيضاً، بعد عودتها من فرنسا، إثر صدمةً نفسيةً (تكشفها سيلين لهادي لاحقاً).

التفاصيل الأخرى، في "ع مفرق طريق" ـ المعروض دولياً للمرّة الأولى في برنامج "روائع عربية"، في الدورة الثانية (1 ـ 10 ديسمبر/كانون الأول 2022) لمهرجان البحر الأحمر السينمائي ـ ترتكز على نَفَسٍ كوميديّ مُبسَّط للغاية، لمتابعة التغيّر النفسي لهادي نجم، قبل لقائه بابا الفاتيكان، وفي الوقت نفسه لمتابعة خروجه من مآزقه الحياتية والمهنية، باستعادة سكينةٍ وهدوء وسلام في ذاته وروحه.

لكنّ النَفَس الكوميديّ غير مُكتمل، وبعض الأداء مُبالغ به إلى درجة الافتعال، أحياناً. كما أنّه غير مُثير للضحك دائماً، باستثناء لقطات قليلة، إضافةً إلى الشخصية الطريفة لصاحبة الفرن، التي تؤدّيها جوزيان بولس، مع عجزها عن إتقان اللهجة الشمالية كما يجب (الأفضل عدم فرض هذه اللهجة، لصعوبة إتقانها أصلاً، علماً أنّ اعتمادها غير الموفَّق يُراد منه تحديد الجغرافيا، الذي لن يهتمّ به أي مُشاهد غير لبناني، وربما اللبناني أيضاً). بالإضافة إلى حيوية المُزارع (نقولا دانيال)، الذي سيتعرّف على هادي نجم لكونه (هادي) يلعب مع ابنه في طفولة ومراهقة سابقتين، رغم أنّ لقاءهما الأوّل (المُزارع والممثل) حاصلٌ فور وصول الراهبات وسيلين وهادي إلى الباحة الكبيرة، وطَلَبُ الأم باولا منه تصليح عجلة سيارة النجم المشهور، من دون أنْ يعرفه، وهذه زلّة درامية.

هادي نجم نفسه غير مُعبِّر عن معرفته بالمنطقة التي يُفترض به أنْ يمضي فيها أعواماً من حياته، كما يقول المُزارع. لكنّه (نجم) سيمضي أياماً عدّة فيها، بين راهباتٍ في دير، يزورهنّ كاهن يقترب من الشيخوخة (رفعت طربية، الذي يُبالغ في أداء دوره، خاصة بالنسبة إلى النبرة والحركة). سيتعرّف على سيلين أكثر، التي تعاني آثار صدمةٍ (منبثقة من أحد مآزق العمل في الغرب)، ستخرج منها بفضل علاقتها بهادي، واستراحتها في الدير والطبيعة المحيطة به. أما كيفية سفر الممثل إلى الفاتيكان، وعودته منها (لقطتان في مطار بيروت)، فيُراد منهما أنْ يزيدا جرعةً إضافية من الضحك، لكنّها (الجرعة) غير موفّقة، وفيها استخفافٌ بعقل المُشاهِد، لعدم واقعيّتها (وهذا يُمكن التغاضي عنه)، ولعدم اشتغالها بشكلٍ أفضل سينمائياً وتمثيلاً، رغم أنّ الهدف منها (الجرعة الإضافية) مزيدٌ من الضحك، غير الموجود إلا نادراً جداً، قياساً بمعنى الكوميديا وثقافتها.

كلّ شيءٍ هادئ وجميل وفَرِح في "ع مفرق طريق" (كتابة جوزفين حبشي)، باستثناء المأزقين (العمل في الدراما اللبنانية وتعامل التجّار مع المُزارعين) وصدمة سيلين. كلّ شيءٍ سلسٍ وطبيعي في فيلمٍ (تبدأ عروضه التجارية اللبنانية في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022)، يُروَّج له بكونه "قصيدة بصرية تُبرز لبنان الجمال نقيضاً لبشاعة الزمن" (الملف الصحافي)، وتوصف الكوميديا فيه بأنّها "نظيفة وراقية وعفوية". للفيلم حقٌّ في ترويجٍ كهذا، وإنْ يكن غير صحيح؛ وللمُشاهد حقّ في التمتّع بهذه الكوميديا، إنْ يعثر عليها، وفي هذا الجمال المناقض للبشاعة، إنْ يشعر بهما (الجمال والبشاعة) في بلدٍ يغيب فيه كلّ جمال، حتّى في طبيعته "الجميلة"، فطالما أنّ روح البلد معطوبةٌ، سيغيب كلّ جمالٍ عنه. لكنّ المُنجز البصري هذا يصعب أنْ يكون فيلماً لمخرجةٍ (لارا سابا)، لها "قصّة ثواني" (2012)، الأهمّ درامياً وجمالياً، والأفضل فنياً واشتغالات، والأجمل والأصدق سردياً.

محاولة إبراز الجمال في طبيعة لبنان الشمالي (مدير التصوير جوني أبي فارس) تتمثّل، في جانبٍ منها، بتصوير الطبيعة نفسها، جبلاً وودياناً وفضاءات، بلقطاتٍ تقترب كثيراً من صورة سياحية للبلد (بطاقة بريدية)، ما يُبعد الفيلم عن الصورة السينمائية. الابتسامات الكثيرة للراهبات، وطريقة تعاطيهنّ مع الممثل المشهور، وتعاطي صاحبة الفرن معه أيضاً، تقترب من الكاريكاتورية أحياناً، ما يُسقِط الفعل التمثيلي عن الأداء السينمائي. إكثار الضحك عند بعض الشخصيات غير مُفيدٍ، دائماً، في إبراز النَفس الكوميدي المطلوب، فالإضحاك يُثيره أداءٌ وموقف وسلوك للشخصيات، لا في أنْ تضحك الشخصيات نفسها، بوفرةٍ غير محتَمَلة أحياناً.

"ع مفرق طريق" فيلمٌ لبناني جديد، فقط لا غير. عروضه التجارية اللبنانية، السابقة على عروضٍ عربية وغير عربية في الأسابيع القليلة المقبلة، كفيلةٌ بتبيان مدى تمكّن هذه "القصيدة البصرية" و"الكوميديا النظيفة والراقية والعفوية" من إثارة حشرية أناسٍ يُعانون أهوالاً ومصائب، وينفضّون عن كلّ فعلٍ عمليّ لمواجهة تنانين "البشاعة". لعلّ المناظر الطبيعية السياحية ستمنحهم شيئاً من "هدوء وسكينة وسلام"، تُشبه ما يُفترض بهادي نجم أنْ يشعر به. أو لعلّها لن تمنحهم شيئاً.

المساهمون