مع ازدياد عدد منصات الاستماع الرقمية، واستفادة المغنين من تعددها وتنافسها بإتاحة أعمالهم على أكثر من واحدة ما يوفر لهم فرصاً أكثر في الاستماع والانتشار والربح، خالف عمرو دياب الجميع، واكتفى منذ بداية العام الماضي بالحضور حصرياً على منصة أنغامي، وحذف جميع أعماله المملوكة له من "يوتيوب" والمنصات الأخرى، في خطوة إنتاجية غير مألوفة في سوق الغناء العربي في العصر الحالي، وبمخاطرة كبيرة من المغني المصري بالتواصل مع جمهوره من خلال منصة واحدة فقط.
كانت صفقة عمرو دياب مع "أنغامي" صادمة لقطاعات كبيرة من جمهوره، خاصة بعدما فوجئوا باختفاء جميع إنتاجات شركته "ناي" (4 ألبومات وأغان عدة منفردة). ولكنها صفقة متسقة مع سياسة عمرو دياب الإنتاجية منذ بدايته الفنية، فطوال تاريخه كان حريصاً على التعاقد مع أكبر شركات الإنتاج أكثر من حرصه على امتلاك أرشيفه الغنائي وحقوق ملكيته، وحصل مقابل ذلك على عروض إنتاج كبيرة ومزايا إنتاجية عدة، مثل الدعاية الكبيرة والجودة العالية لأعماله الغنائية، بداية بشركة صوت الدلتا، مروراً بشركة عالم الفن في فترة ألبومات مثل "علّم قلبي" و"تملي معاك"، وأخيراً مع شركة روتانا.
يفضل عمرو دياب دائماً الحصول على قيم تعاقدية من شركات الإنتاج، بدلاً من الربح من المبيعات أو من الاستثمار في أرشيفه الغنائي، لذلك تخلى عن مشروعه الناجح مع "عالم الفن"، بعد تلقيه عرضاً ضخماً من "روتانا". ولكن هذه السياسة أتت بعد ذلك بنتائج عكسية في نهاية فترته مع "روتانا"، بسبب قلة الدعاية والاهتمام من الشركة، لذلك اتجه -في خطوة متأخرة- إلى الإنتاج لنفسه لأول مرة عن طريق شركته ناي، واستطاع أن يستعيد بريقه بألبومات عدة، منها "أحلى وأحلى" و"معدي الناس".
هكذا، إلى أن جاءت صفقة "أنغامي" التي تعيد إلى الأذهان تجربة "روتانا" مع عمرو دياب، وتتشابه معها في جوانب عدة، على رأسها حفاظه على أولوياته بالحصول على قيمة تعاقدية مقابل التنازل عن أعماله، وهنا مقابل العرض الحصري لأعماله على "أنغامي". ويتشابه الأمر مع تجربته السابقة في تحقيقه استفادة مؤقتة مقابل استفادة أكبر للكيانات المتعاقد معها، فـ"روتانا" ما زالت تستفيد من امتلاكها حقوق ثمانية ألبومات لعمرو دياب، إضافة إلى استفادتها وقتها في الترويج للشركة من خلاله، بصفته أهم مطرب مصري في تلك المرحلة.
تفعل "أنغامي" الشيء نفسه حالياً، فهي تستفيد من أرشيف عمرو دياب الحديث على منصتها، بجانب استغلاله في الدعاية للمنصة. ويبدو أن الصفقة إعلانية ودعائية أكثر منها صفقة إنتاجية مبنية على أهداف فنية، بدليل عدم تعاقد المنصة مع مطربين آخرين للبث الحصري على غرار دياب، رغم وجود أسماء كبيرة تتوافر فيها المميزات الرقمية نفسها، ومتاحة للتعاقد، مثل إليسا وأصالة وأنغام، لذلك فالصفقة لم تدل على سياسة جديدة ستكون متبعة بين المنصات باستقطاب الأصوات الحصرية من أجل التفوق في المنافسة، ولم ينتج عنها مشاريع فنية كبيرة لعمرو دياب، أو ألبومات كاملة بعد مرور عام ونصف على التعاقد.
حيرت ثنائية "أنغامي"/دياب الجمهور، خاصة بسبب غموض أهدافها للطرف الأخير على وجه التحديد، وعدم استفادته منها جماهيرياً وفنياً حتى الآن، في ظل غموض تفاصيل التعاقد الذي أخرج الشائعات حوله، مثل شائعة شراكته في المنصة نفسها. ولكن، أياً كانت الأهداف والعوائد من وراء التعاقد، فعمرو دياب حتى الآن لم ينجح في امتلاك حقوق أرشيفه الغنائي الطويل، وفقد بريقه في العام الأخير، بسبب البث الحصري على أنغامي.
ولا يبدو أيضاً أن هناك نتائج تجارية ضخمة قادمة من هذا التعاون، فهناك تجارب عالمية مماثلة أثبتت فشلها منذ سنوات، مثل تجربة بيونسيه مع منصة تيدال، والتي كانت مساهمة فيها وتعرض عليها أعمالها حصرياً، قبل أن تضطر في النهاية إلى بث ألبوماتها على بقية المنصات، خاصة بعد الاتهامات التي واجهتها بتزييف أرقام البث، وهو اتهام قد تواجهه "أنغامي" أيضاً حول مدى صحة ودقة نسب استماع عمرو دياب على المنصة، وحجم تأثيره في زيادة عدد المشتركين المدفوعين. لذلك، أصبحت الأولوية للفنانين حول العالم، في الوقت الحالي، في امتلاك أرشيفهم الغنائي، من أجل الاستفادة من إيرادات نسب الاستماع على مختلف المنصات، بعد فشل فكرة البث الحصري.
خسر عمرو دياب أيضاً عادته المحببة للجمهور في إطلاق الألبومات الكاملة، وهي العادة التي رفض التخلي عنها طوال مسيرته، إذ رضخ لسياسة "أنغامي" الجديدة بإنتاج أغان منفردة وطرحها بشكل غير منتظم، ولم تحقق هذه الأغاني إضافة فنية وجماهيرية لعمرو دياب في الفترة الأخيرة، وتسببت فقط في إرباك جمهوره الذي ما زال ينتظر إصدار ألبوم جديد له، رغم أنه أصدر خلال العام الماضي ما يقارب من 15 أغنية منفردة، لم تحقق أي منها ضجة كبيرة مقارنة بالضجة المعتادة لألبوماته الكاملة المتاحة للجميع، أو بضجة ملصقات ألبوماته التي كانت تتحول إلى موضوعات رائجة لفترة طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن أكثر أغانيه رواجاً في الفترة الأخيرة "شكراً من هنا لبكرة"، كانت ضمن حملة إعلانية عامة خارج اتفاقية البث الحصري.
يواجه عمرو دياب تحديات عدة، بسبب البث الحصري الذي قد يحد من انتشاره ومن موقعه على قمة المنافسة، خاصة وسط التطورات المتلاحقة في صناعة الموسيقى، وانفتاح المستمعين على جميع المنصات الرقمية، وتنافس الفنانين على كسب قطاعات جديدة من الجمهور طوال الوقت، من خلال إتاحة أعمالهم في جميع المنافذ، إضافة إلى تحدي إثبات عمرو دياب نجاحه من دون أهم ميزتين فيه: الحضور العام وإنتاج ألبومات كاملة، رغم استمرار النجوم أصحاب الشعبية حول العالم في إطلاق الألبومات، مثل تايلور سويفت، وبيونسيه، وأديل، في العامين الماضيين.