عمالقة التكنولوجيا: تغريم الأميركي واعتقال الروسي واختفاء الصيني

03 سبتمبر 2024
لم يُجدِ الاعتقال وحجب المنصات للحد من الجرائم الجدية (وليام وست/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **إطلاق سراح بافيل دوروف وتهمه الموجهة**: أطلقت السلطات الفرنسية سراح مؤسس تليغرام، بافيل دوروف، بعد دفع كفالة قدرها خمسة ملايين دولار، حيث يواجه تهمًا تتراوح من دعم الإرهاب إلى التحريض على التجارة بالأطفال.

- **مقارنة بين تعامل الدول مع عمالقة التكنولوجيا**: تختلف طرق تعامل الدول مع عمالقة التكنولوجيا؛ القوانين الأوروبية أكثر صرامة بشأن بيانات المستخدمين مقارنة بالولايات المتحدة، مما يبرز التحديات في التعامل مع تأثير هذه الشركات.

- **الصراع بين الدولة وشركات التكنولوجيا**: يشهد العالم صراعًا بين الدول وشركات التكنولوجيا، حيث تمتلك الشركات سلطة المال والجماهير، مما يعقد جهود الدول في مواجهة الجرائم مثل الإرهاب والاتجار بالبشر.

أطلقت السلطات الفرنسية سراح مؤسّس تطبيق تليغرام، بافيل دوروف، الروسي - الفرنسي - الإماراتي، بعد كفالة مقدارها خمسة ملايين دولار، ولائحة اتهام تبدأ من دعم الإرهاب وتنتهي بالتحريض على التجارة بالأطفال. كتلة من التُهم تكفي لهزّ "عرش" أي عملاق تكنولوجيا.
لكن المفارقة، هي علاقة الدولة (أي دولة) مع عمالقة التكنولوجيا، فبافل دوروف المقيم في الإمارات هرباً من مطالب الكرملين، حصل على الجنسية الفرنسية "سرّاً" بحسب "ميديابار"، وجاء اعتقاله مفاجئاً، وقد يتحول إلى رمز للحرية، بل يمكن أن يصبح "نبي حرية التعبير"، حسب وصف صحيفة ليبراسيون الفرنسيّة.
هذه الصورة تختلف مثلاً عن تلك التي يظهر فيها زوكربيرغ حين واجه "الدولة"، وخضع إلى عدة جلسات استماع أمام أعضاء مجلس الكونغرس، فضلاً عن أن تطبيق إنستغرام يواجه لائحة اتهامات مشابهة لتلك الموجهة لـ"تليغرام" في فرنسا. الأمر ذاته مع تطبيق تيك توك، إذ جلس جو شي تسو أمام أعضاء مجلس الكونغرس أيضاً. الواضح، إذن، أننا أمام أسلوبين مختلفين في التعامل مع عمالقة التكنولوجيا. ربما يعزى ذلك إلى أن القوانين في أوروبا أشد صرامة من الولايات المتحدة الأميركية في ما يخص بيانات المستخدمين وأسلوب استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ.
لكن تأمُّل هذه الظاهرة يتركنا أمام مفارقات أشد. مثلاً، جون ماكافي، المليونير مؤسس تطبيق مضاد الفيروسات مكافي، بقي مطارداً لسنوات خارج الولايات المتحدة، واتّهم بأنه يرّوج لنظريات المؤامرة، إلى أن اعتُقل ثم مات في الزنزانة عام 2021، الأمر الذي غذّى نظريات المؤامرة حوله، إذ زُعم أنّه وضع حدّاً لحياته هناك في السجن، بينما يُقال إنه قُتل.
في حين أن إيلون ماسك مثلاً، ما زال يتلاعب بالرأي العام معلناً أن تويتر "هو ساحة البلدة الجديدة"، ليتحول تحريض اليمين المتطرف إلى شكل من أشكال حرية التعبير. أما اختفاء الصيني جاك ما، مؤسس موقع علي بابا لمدة ثلاثة أشهر، فما زال محط الجدل.
نحن أمام نماذج متعددة لعمالقة التكنولوجيا في مواجهة السلطات. بصورة ما، نحن نشهد صراعاً بين "الدولة" و"شركات التكنولوجيا". المريب، كما هو واضح، أن الدولة لم تعد قادرة بقوانينها الحالية على الوقوف بوجه التطبيق أو الشركة، أي أن القانون لم يعد قادراً على مواجهة سياسة الخصوصية وتغييراتها التي تلتف حول القانون العاجز عن حماية المستخدمين.
حالياً نحن في مواجهة ما يشبه "قادة" جُدداً، يمتلكون سلطة المال والجماهير. هم أشخاص قادرون على "الربح" عبر احتواء اليمين واليسار على حد سواء. لكن الوقوف بوجه هؤلاء العملاقة بحزم، كما فعلت البرازيل عبر منع منصة إكس، أو اقتراح الرئيس الفرنسي حجب وسائل التواصل الاجتماعي أثناء أعمال الشغب، يحوّل السلطة إلى عدو لحرية التعبير، لكن في حال حصل العكس، كما مع منصة رامبل التي قرّرت عدم تفعيل خدماتها في فرنسا عام 2022، لم نشهد أي انتقادات موجّهة للمنصة بوصفها تقوّض حرية التعبير.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

إذن، لا الاعتقال ينفع، ولا حجب المنصات يُجدي للحد من الجرائم الجدية، كالتحريض على الإرهاب والاتجار بالبشر والأطفال، بل يتم دوماً نقل الصراع إلى مساحة الجدل حول حرية التعبير، لا مواجهة الجريمة وأدوات تنفيذها. وهنا بالضبط تتجلى قدرة هذه المنصات والعمالقة من ورائها على إعادة تغيير قواعد اللعب، بل يمكن القول تغيير العلاقة بين الأفراد، إذ أصبح الهم هو عدد المشاركين والمشتركين، لا المواطنين. والصراع ضد "حذف المحتوى الذي لا يتوافق مع شروط الاستخدام"، وليس ضد القوانين الوضعية العاجزة عن ملاحقة التطور التكنولوجي. يتضح ذلك في الثغرة القانونية في أميركا، التي تستفيد منها وسائل التواصل الاجتماعي، بوصفها "منصات للنشر" لا تمارس تدخلاً في المحتوى أو توجيهه، ما يحميها من أن تدان كمسهل أو مروّج لفكرة ما.

المساهمون