لا تزال الانتقادات التي تُوجّه إلى النساء العاملات في الشأن العام في العالم العربي، تستقي مفرداتها من القاموس الذكوري وحده. مناسبة الحديث هو الكاريكاتير الأخير الذي رسمه الرسام السوري علي فرزات الأسبوع الماضي، مستهدفاً نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري ربى حبوش. لاقى الرسم ما لاقاه من انتقادات، ونال حصته الوافية من الهجوم.
لكن ما فعله فرزات لم يكن سابقة في تاريخه، هو الرسّام الذي اعتقله النظام السوري بداية الثورة وعذبه كاسراً أصابعه لمنعه من الرسم مجدداً.
تاريخ الرسام السوري مليء بالتجارب المشابهة، إذ إنّ نظرة فرزات الدونية لجسد المرأة وتحقيره للنساء والتعامل معهن بدونية سياسة اعتمدها منذ سنوات. فأعماله تحتوي على العديد من الرسوم المبنية على المنطق نفسه، التي يكثر فيها تصوير الاغتصاب والعلاقات الجنسية لدلالات سياسية، فيصور فيها المنتصر على أنه صاحب العضو الذكري الكبير، الذي يعتلي امرأة تدل على المهزومين والمنكسرين. ببساطة مشكلة علي فرزات لم تبدأ الأسبوع الماضي، بل هي قديمة قدم عمله الفني، الذي كرس فيه مفاهيم بالية حول الجنسانية والذكورة والأنوثة، في خدمة أفكاره السياسية.
وجاءت ردود الرسام السوري على الانتقادات التي طاولته أخيراً لتكرّس وجهة نظره هذه. فالطريقة التي تفاعل فيها فرزات مع ردود المعلقين على صفحته كانت مريبة. إذ لم يكتفِ باستباحة جسد ربى حبوش بغرض إهانة الائتلاف، وإنما كانت تعليقاته مليئة بالإيحاءات الجنسية، بما فيها التعليقات التي رد فيها على ربى حبوش نفسها. فبعدما علقت هذه الأخيرة على الصورة مشيرة إلى أن رسمه يدل على عدم احترامه للنساء، ردّ فرزات عليها قائلاً إنها يجب أن تكون سعيدة لأنه ذكر مفاتنها بطريقة إيجابية.
وبدلاً من أن يعتذر فرزات عما بدر منه بعدما انقلبت طاولة جمهور المعارضة السورية ضده، عمل على تمييع القصة وتحويلها إلى مسار آخر، حين قام بنشر رسوم كاريكاتورية أخرى لامرأتين عاريتين وكتب عليها: "يا أسماء ويا لونا مؤخراتكن أهم من أي إنجاز للحكومة ومجلس الشعب". المقصودتان بالرسم هما أسماء الأسد ومستشارة بشار الأسد، لونا الشبل. وبذلك رأى فرزات أنه يتحدى من انتقده على إهانة ربى حبوش أن ينتقده على إهانة أسماء الأسد ولونا الشبل، موحياً أن سبب انقلاب جمهوره ضده هو إساءته لشخصية معارضة، وأن السبب في الحملة ليس الوعي الجمعي وإنما الموقف السياسي. إلا أن ذلك لم يفلح، فالحملات النسوية لم تتوقف ضده، ليخرج فرزات بتصريحات صحافية يزعم فيها أن سبب انتقاده هو عدم تقبل الشارع لرسم العراة وعدم انفتاحه فنياً.
ما فعله فرزات ليس منفصلاً عن السياق العربي والعالمي الذي يتعامل عند كل منعطف سياسي مهم مع النساء بالطريقة نفسها. فلا تزال العقلية الذكورية تسيطر على المناخ السياسي العالمي. وتجلّى ذلك على سبيل المثال في تصرفات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تجاه منافسته هيلاري كلينتون، طيلة الحملة الانتخابية السابقة، التي انتهت بوصول ترامب إلى البيت الأبيض. وتتجلى أيضاً في العديد من المواقف والخلافات السياسية الدولية التي حضرت فيها صورة المرأة في سياقات دونية بغرض التحقير والتقليل من شأن الساسة. مثال على ذلك صور زوجة الرئيس الفرنسي، بريجيت ماكرون، التي استخدمها الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، بغرض الإساءة لنظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عقب الاتهامات التي وجهها له حول مسؤولية الحكومة البرازيلية عن اندلاع حرائق الأمازون عام 2019.
وفي العالم العربي نستعيد على سبيل المثال إصرار رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي اختار أن ينتقد تبعية لبنان للدول الخارجية، فوصفه بـ"المرأة المطلقة"، فشبه احتفال لبنان بعيد الاستقلال "باحتفال امرأة مطلقة بعيد زواجها".