عزيز أنصاري: كأنّ العالم الذي عرفناه تلاشى

02 فبراير 2022
تجنّب أنصاري التطرق إلى قضايا التحرّش التي اتُّهم بها (جيت كاتوف/ Getty)
+ الخط -

بثت شبكة "نتفليكس"، في يناير/كانون الثاني الماضي، عرض "ستاند أب" تحت عنوان "عزيز أنصاري: كوميدي الملهى الليلي" (Aziz Ansari: Nightclub Comedian). كما يتضح من العنوان، يقدم أنصاري في عرضه، لمدة لا تتجاوز الثلاثين دقيقة، عدداً من النكات التي تختلف في قدرتها على الإضحاك، مؤكداً أنّه يجب على المؤدي الكوميدي، في كلّ فترة، أن يعود إلى النوادي الشعبية، وتقديم الأداء أمام جمهور صغير، لاختبار قدراته وشحذها.
يبدأ العرض، وينتهي أيضاً، بصورٍ قديمة لأنصاري، وتسجيل لأول أداء كوميدي قام به في المكان نفسه (comedy cellar)، منذ سنوات. هكذا، نخوض بما يشبه الرحلة النوستالجيّة التي يعرفنا عبرها أنصاري على التفاصيل اليوميّة التي كان يتبعها حين قدّم عرضه الأول، والتي تكررت ذاتها هذه المرة أيضاً، وكأنّه يتبع خطواته نفسها لتأمل مسيرته المهنيّة والتفكير فيها.
هذه النوستالجيا أصبحت سمة الكثير من أشكال الترفيه بعد جائحة "كوفيد-19"، إذ يخبرنا أنصاري أنه استغنى عن الهواتف الذكيّة، ويستخدم الآن هاتفاً قديماً، يضطره إلى صرف "ساعة" من أجل كتابة رسالة قصيرة واحدة. بالتالي، هو يكتب ما يريده فقط، ليتابع بعدها في نكات عن الحجر الصحي، والعملات الإلكترونية، وكيف أنّنا لا نهتم بالفقراء، بل نتركهم لموتهم، بالرغم من امتلاك "الدولة" النقود لمساعدتهم.
يحدثنا أنصاري عن اختياره لمشاريعه، وكيف قرر الاستغناء عن النقود الإضافية، ورفض عدد من العروض من أجل القيام بما يريده فقط. وينسحب ذلك على شكل العالم الذي لم نعد نشاهد فيه ما نريده، بل تمطرنا الشاشات بالفضائح والتهديدات والتفاهات، وهذا ما يشير إليه أنصاري في حديثه عن "المحتوى"، ذاك الذي "أبدع" في تقديمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خصوصاً أن الأخير قدم لنا محتوى يومياً، ساخراً، غير ملتزم، لا يحوي الجدية المطلوبة، أشبه بتسلية فقدناها في عالم كل ما فيه نصائح لتفادي العدوى أو تنبيهات من فحوص فيروس كورونا المزوّرة.

يعلق أنصاري أيضاً على المعادين للقاح، وجهلهم الذي ما من تبرير له

يعلق أنصاري أيضاً على المعادين للقاح، وجهلهم الذي ما من تبرير له. وتحوُّل الرابر "آيس كيوب"، مثلاً، إلى خبير في الأدوية يشكّك بالمؤسسة الطبية التي لم يسبق أن تعرضت إلى انتقادات كهذه. الملفت، أيضاً، أن أنصاري لم يتحدث عن الاتهامات بالتحرش التي لاحقته عام 2018، وكيف تعرض إلى انتقادات شديدة، وكاد أن "يُشطَب" لولا التأكد من صحة روايته. وهذا ما يتضح في الموضوعات التي تناولها. لا شيء مميز أو جديد، فكل ما يقوله من نكات سمعناه من قبل، هو يتهكم على ما نختبره، من دون أن يقدم ما يدفعنا إلى التفكير أو التمحيص.
هناك ما يثير الحزن في عرض أنصاري، وكأن العالم الذي كنا نعرفه تلاشى، ولا نمتلك الآن سوى متعة استعادة أجزاء منه، والتمسك بما بقي لنا من أماكن، وهواتف قديمة، تسجيلات بكاميرات محمولة. لكن أقسى ما فقدناه، هو وجودنا بين الآخرين والحديث مع الغرباء. تلك التجربة الإنسانيّة التي حرمنا منها، والتي يبدو أن أنصاري حاول التقاطها؛ إذ يخبرنا كيف أتى فجأة إلى المكان، وطلب من صاحبه أن يؤدي؛ فسمح له مباشرة. هذه العفوية التي تنتمي إلى زمن ما قبل 2019 لم تعد موجودة، إذ لا بد من لقاحات، وجواز طبي، وفحوصات ونتائج. كل هذه من أجل أن نجتمع في مكان ما، كي نسمع بعض النكات التي قد لا تعجبنا.

لا يمكن تجاهل أنّ مدة العرض 30 دقيقة فقط، خصوصاً أنّ العرض صوره وأنتجه وأداه أنصاري، كما نقرأ في النهاية، بل أنّ البعض يرى أنّها محاولة من أنصاري كي يقول: "أنا هنا!"؛ فهو لم يختفِ بعد الفضيحة التي طاولته، وهذا يفسر قصر العرض، واكتفاء أنصاري بنكات سطحية لا تثير الجدل، عدا تلك الخاصة بـ"الرموز القابلة للاستبدال" NFT الخدعة/ التجارة التي سلبت عقول وثروات الكثيرين، وتحولت إلى ما يشبه الأيديولوجيا التي يحاول عبرها البعض الانسلاخ عن النظام الاقتصادي التقليدي.

المساهمون